إصلاح مجلس الأمن أم زيادة «ببغاوات واشنطن»

إصلاح مجلس الأمن أم زيادة «ببغاوات واشنطن»

يجري في الفترة الأخيرة حديثٌ كثير عن ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية، وتحديداً مجلس الأمن، الذي أخذ شكله الحالي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورغم وجود اتفاق مبدئي بين القوى الغربية وقوى الشرق الصاعدة على ضرورة هذا الإصلاح إلا أنه لا يتعدى كونه اتفاقاً ظاهرياً يخفي خلفه أجندات متناقضة، بدأت تتضح أكثر فأكثر.

أحد الأشكال المطروحة لإصلاح مجلس الأمن، تركّز على ضرورة زيادة الدول دائمة العضوية. فالمجلس يتألف من 15 مقعداً، خمسة مقاعد دائمة لكل من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وتتناوب دول العالم الأخرى على المقاعد العشرة الباقية لفترة سنتين. وتدور الاحتمالات حول زيادة تمثيل دول في أمريكا اللاتينية أو القارة الافريقية لكن الأنظار تتجه إلى «مجموعة الأربعة» التي تضم الهند والبرازيل واليابان وألمانيا والذين يطالبون بعضوية دائمة ويدعمون جماعياً مسعاهم هذا.

التصريحات الروسية الجديدة

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمة له خلال منتدى «قراءات بريماكوف» في 7 كانون الأول الجاري عن دعم بلاده مسعى كل من الهند والبرازيل، وأفرد في كلمته حيزاً كبيراً للحديث عن الهند وضرورة حصولها على مقعد دائم العضوية. إذا قال لافروف للصحفيين إنها حالياً «إحدى الدول الرائدة من حيث النمو الاقتصادي، وربما حتى في الريادة. وقريباً سيكون عدد سكانها أكبر من عدد سكان أي دولة أخرى». ليضيف أن لنيودلهي «خبرة دبلوماسية واسعة في تحديد أنواع مختلفة من المشكلات، فضلاً عن السلطة والسمعة في منطقتها».

تصريحات الوزير رفعت عدداً من الأسئلة حول الإصرار الروسي على دعم الهند، وهو ما لا يمكن إدراكه إلا بالنظر إلى سياق تطور هذه المسألة، فالمفاوضات التي أنتجت مجلس الأمن بالشكل الذي نعرفه اليوم لم تكن عملية سهلة، لكنها أنتجت نوعاً ما من التوازن على الرغم من حيازة الكتلة الغربية 3 مقاعد من أصل 5، لكن تطور الأحداث في فترة الحرب الباردة وما تلاها أفرز جملة من المشكلات الجديدة، فانهيار الاتحاد السوفيتي وما تلاه من تراجع، بالإضافة لوزن الصين المحدود في تلك الفترة بالإضافة إلى الهيمنة الأمريكية المطلقة على القرار السياسي لكامل الكتلة الغربية أوصلنا إلى حالة مطلقة من عدم التوازن تحول فيها مجلس الأمن - كغيره من المؤسسات الدولية - لأداة أساسية بيد واشنطن لفرض الهيمنة على العالم كله.

التقارب الروسي الصيني

التفاهم الروسي والصيني الذي نضج في نهاية التسعينيّات أسس ملامح الحقبة الجديدة التي بدأت قوى الشرق تستعيد فيها زمام المبادرة في المؤسسات الدولية وهو ما كان يتجه حتماً إلى ضرورة طرح مسألة إصلاح مجلس الأمن، ولهذا كانت واشنطن أعدت العدة لذلك وبدأت تحضر مناورة تحاول من خلالها استثمار توسيع مقاعد المجلس لا بإضافة دماء جديدة بل بزيادة عدد «ببغاوات» الكتلة الغربية. وهو ما يشير إليه لافروف وضوحاً فقال إن روسيا «ترى القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها الهند والبرازيل لمجلس الأمن الدولي». لكن روسيا «في الوقت ذاته لا ترى أي قيمة مضافة إذا أصبحت ألمانيا واليابان فجأة عضوين دائمين في هذه الهيئة الدولية» نظراً لأن مواقفهما على الساحة الدولية ما هي إلا نسخة كربونية من مواقف واشنطن! ثم أضاف إن «الهند دولة لا تطمح لأن تكون فحسب، بل هي جوهر تشكيل عالم متعدد الأقطاب باعتبارها واحداً من أهم أقطابه».

إصلاح في أي اتجاه؟

إذا كانت نقطة الالتقاء اليوم هي ضرورة إصلاح هذه المؤسسة وآلية عملها فما ينبغي القيام به فعلاً هو زيادة تمثيل دول جرى تغييبها قسراً عن مجالس اتخاذ القرار في العالم، وعانت هذه الدول تحديداً من تبعات كل القرارات المجحفة التي استهدفت في المحصلة سحب ثرواتها ومركزتها في الغرب، فإيجاد آلية لتمثيل هذه الدول لا يعني رفع درجة هيمنة روسيا والصين على المجلس بل يعني مزيداً من التوازن بين أقطاب هذا العالم الذي عانى طويلاً من هيمنة الغرب والقيادة الأمريكية له فإصرار روسيا على تمثيل الهند لا ينبع من تطابق في سياسة البلدين الخارجية، بل ينبع من ضرورة إيجاد آلية لتمثيل جميع الفاعلين الحقيقيين ما يلزم الجميع بضوابط حقيقية تأخذ بعين الاعتبار التوفيق بين مصالحهم.