عالمٌ روسي يشرح معنى «التودد الغربي»، ومعنى «سقف السعر»
إيغور شيشكين إيغور شيشكين

عالمٌ روسي يشرح معنى «التودد الغربي»، ومعنى «سقف السعر»

(النص التالي مأخوذ من حديثٍ أدلى به عالم السياسة والمؤرخ الروسي المعروف إيغور شيشكين، عبر فيديو على قناة "تلفزيون اليوم" День ТВ، وفيه يعلق شيشكين على تصريحات الرئيس ماكرون "الودودة" حول العلاقة التاريخية مع الشعب الروسي وحول ضرورة أخذ أمن روسيا بعين الاعتبار، وكذلك حول المقصود من تحديد سقف لأسعار النفط الروسي)

ترجمة : قاسيون

يقال إننا في روسيا نعيش تحت وقع حرب هجينة شاملة من قبل الغرب، وقد تحدث لافروف مراراً وتكراراً عن هذا، وتحدثت شخصيات أخرى رفيعة المستوى عن هذا.

وحتى إنْ كان هذا تعريف الحالة التي نعيشها، أي حالة الحرب الهجينة، فإنّ ذلك لا يغير من واقع أنها حالة حرب لها أطرافها، ولكل طرف من هذه الأطراف أهدافه، ومعاييره التي يحدد على أساسها تعريفه للانتصار وللهزيمة.

وعندما نتحدث عن أهداف ومعايير النصر والهزيمة، فإننا لا نتحدث عن قائمة من الأمنيات والرغبات؛ بل نتحدث عن تلك الأهداف التي تمليها المصالح الحيوية لكل طرف من أطراف النزاع وإمكانية تحقيقها.

دعونا نلقي نظرة على مواقف كل من الغرب وروسيا من وجهة النظر هذه، أي أهداف المواجهة وصورة النصر المنشود لكل منهما.

من وجهة نظر الغرب، تهدف الولايات المتحدة إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، أي تدمير روسيا وتصفيتها. بالطبع، الآن بدأوا بالتراجع قليلاً على المستوى الإعلامي، بدأوا بالقول إنه تمت إساءة فهمنا، وأن تعبيرات من قبيل تصفية روسيا كانت تعبيرات مجازية، ونحن لم نفكر إطلاقاً بأي شيء من هذا القبيل ولم نكن لنفكر فيه، وهكذا دواليك.

حسناً، منذ أيام فقط، تحدث السيد ماكرون، رئيس فرنسا، بهذا الخصوص، وسرعان ما التقطته وسائل إعلامٍ روسية، وظهرت في حينه سحابة من التعليقات حول أنّ الغرب لا يريد تدمير روسيا بأي حال من الأحوال، وأنّ الأهداف بالنسبة للغرب المسكين لم تكن تدميرنا، وقد تم الافتراء عليه، ويتم استحضار كلمات ماكرون في إجابته لأحد المراسلين، والتي يقول فيها: «بالنسبة لبوتين، يبدو الأمر وكأن الغرب يريد تدمير روسيا. لا أعتقد أن لدينا مثل هذا الهدف في فرنسا، فلدينا تاريخ مشترك طويل وروابط ثقافية عميقة. نحن نحترم الشعب الروسي». تلقف الليبراليون لدينا، الموالون للغرب، تصريحات ماكرون بسعادة غامرة: «أرأيتم؟ المشكلة فينا وليست في الغرب»!

أريد فقط أن أذكر بداية، بأنّه لا يمكننا الوثوق بكل ما يقوله الزعماء الغربيون، وخاصةً حين يجري الحديث عن كلمات ماكرون؛ فهذا السيد نفسه، قد أثبت قبل وقت قصير أنه ليس أساساً في مستوى أن يكون زعيماً لقوة عظمى، عبر تصرفه كمهرجٍ خلال مكالمة ثنائية مباشرة بينه وبين بوتين، والتي يفترض أنها سرية، وكوغدٍ حين قام بتسريب تلك المكالمة مع مشهد لمجموعة من الصحفيين والمستشارين الذين كانوا يقهقهون على كلمات معينة يقولها بوتين.

ما الذي فعله هذا السيد ماكرون نفسه قبل أيامٍ قليلة من كلماته «الطيبة» هذه حول الروابط العميقة مع الشعب الروسي وعدم الرغبة في تدمير روسيا؟ ممثلو فرنسا في البرلمان الأوروبي صوتوا بالموافقة على إعلان روسيا دولة إرهابية. ولا داعي هنا للحديث الذي لا قيمة له عن أنّ هؤلاء مجرد نواب لا علاقة لماكرون بهم. فحقيقة الأمر أنّ هذا التصويت لم يصل إلى البرلمان الأوروبي إلا بعد الاتفاق عليه في مجلس الاتحاد الأوروبي وفي المفوضية الأوروبية، أي على مستوى الحكومات، ومجلس الاتحاد الأوروبي لمن لا يذكر، مكون من رؤساء دول الاتحاد الأوروبي؛ ما يعني أنّ هذا الموقف لم يكن موقف أولئك النواب فحسب، بل هو موقف موحدٌ لكل الاتحاد الأوروبي وضمناً للسيد ماكرون نفسه، وشولتز والآخرين.

علاوة على ذلك، أذكركم بأنه بالضبط بعد يوم أو يومين من اتخاذ هذا القرار باعتبار روسيا دولة إرهابية، أخذت الحكومة الفرنسية زمام المبادرة، في مراكمة الجهود في الاتحاد الأوروبي، للوصول إلى محكمة دولية لمحاكمة الحكومة الروسية، وبالذات لمحاكمة الرئيس الروسي؛ أي فتح الباب لعملية مشابهة لتلك التي جرت بحق ميلوشوفيتش الرئيس السابق لصربيا... وبعد ذلك، يقول أحدهم إنّ ماكرون لم يكن يعلم شيئاً حول ذلك، وأنّه ليس لديهم هدف تدمير روسيا وإلخ... هل تبدو هذه التوجهات أيّ شيء آخر سوى دفعٍ باتجاه تدمير روسيا؟

علينا الانتباه إلى أنّ التصريحات «الودودة» من الطراز الذي قاله ماكرون للمراسل الصحفي، بات سمة عامة يجري تكرارها من حين لآخر بالتوازي مع استمرار التصعيد الفعلي وليس الكلامي فقط. أيضاً يمكن أن نجد لدى شولتز تصريحات «ودودة» من وقتٍ لآخر. ربما المثال الأقرب لماكرون نفسه هو حديثه في مقابلة أخرى حول ما هو ضروري في النظام الجديد للأمن الأوروبي، وأنه يجب أن تتم مع مراعاة مصالح الأمن الروسي.

الكامن وراء هذا النوع من الممارسة الاحتيالية، والتي يمارسها الغرب ككل وليس الأنغلوساكسون فقط، هو أنّ لديهم خوارزمية تدميرية معينة، سبق أن استخدموها ونجحت في عدة أماكن، بينها يوغسلافيا. ولا يرون أنّ هنالك حاجة لإعادة اختراع العجلة عشر مرات، ما دام احتمال نجاح الخوارزمية نفسها ممكن وقائم. بطبيعة الحال يقومون ببعض التعديلات من وقت لآخر ومن تجربة لأخرى، لكن الجوهر يبقى نفسه.

هذا بالضبط ما جرى مع يوغسلافيا. في حينه قالوا أيضاً وباستمرار وبإصرار: قطعاً ليس لدينا هدف تدميركم، لا سمح الله، فقط قدموا بعض التنازلات وسنصل لاتفاق، وعلى الفور سيسود السلام والحب، بمجرد أن يتنازل ميلوشيفيتش ستحل الأمور. بعد ذلك بقليل، قالوا دعونا الآن نجلب إلى لاهاي بضع عشرات من الضباط الصرب ومن أولئك المدافعين عن صربيا وعن ووحدة يوغسلافيا ككل وكل شيء بعدها سيكون على ما يرام. هذا كل شيء وسيكون هناك سلام ونعمة عالمية في مكانٍ لا توجد فيه يوغوسلافيا. ولكن بعد ذلك ما الذي جرى؟ لم يعد الخطاب موجها ليوغسلافيا، الآن مطلوب من صربيا، مرة أخرى، ومن أجل السلام والصداقة والنعمة العالمية، تقديم تنازلات إضافية، لا شيء كبيراً، فقط عليكم الاعتراف بكوسوفو والإقرار أنّ هذه ليست أرضكم وتسليم هؤلاء الصرب الذين يعيشون في هذه المنطقة، وبعد ذلك، بالتأكيد، لن تكون هناك حرب، ثم لن يكون هناك أي خدع. لن يكون هناك صراع، كل شيء سيكون على ما يرام، أي ما هو عليه الآن حيث احتمالات الحرب لم تتوقف في يومٍ من الأيام، وهي تزداد اليوم مرة أخرى.

هذه الخوارزمية نفسها التي اتبعت لتدمير يوغوسلافيا وصربيا، يتبعها الغرب الآن وبثبات، وبالتالي فإن كلمات ماكرون عن أمن روسيا وأنهم لم يضعوا أبداً هدف تدمير روسيا ليس أكثر من تفعيلٍ لهذه الخوارزمية في الظروف الروسية، أخذاً بعين الاعتبار أنّ لدينا في روسيا ما يكفي من الجمهور الليبرالي المؤيد للغرب موجود في قمة المجتمع الروسي.

وبالمناسبة، أظهر رد فعل هذه الفئة بالذات من مواطنينا على كلمات ماكرون، أن هذا الأخير لم يقلها عبثاً، بل هي جزءٌ ضروري من تكتيكات الحرب الهجينة ضد روسيا، لتحقيق الهدف الفعلي من المواجهة، أي تدمير روسيا.

وهنا، مرة أخرى، يجب أن نفهم أن هذا الهدف لا ينبع من حقيقة أنّ كل هؤلاء القادة وجميع هذه الطبقات الحاكمة في الغرب مصابةٌ بداء الروسوفوبيا، وأنهم استيقظوا في أحد الصباحات ووجدوا أن عليهم تدمير كل شيء روسي، بالرغم من أنّ مثل هذه المشاعر المعادية اتجاه روسيا موجودة فعلاً إلى حد بعيد لدى النخب الغربية، لكن المسألة ليست في ذلك، بل في المصالح الحيوية والوجودية.

بالنسبة للغرب، فالآن قد حانت مثل تلك اللحظة، التي بات فيها من غير الممكن له، دون تدمير روسيا، دون السيطرة على مواردها، أن يستمر في الحفاظ على هيمنةٍ استمرت خمسة قرون على العالم، هيمنة مالية وسياسية وثقافية وإلخ.

والحديث ليس محصوراً بالقيمة المادية لموارد روسيا، رغم أنها وحدها مهمة للغاية؛ حقيقة الأمر هي أنه إذا قمت بتدمير روسيا الآن، وأخضعت مواردها لك، فإن موارد العالم بأسره ستخضع للسيطرة الكاملة للغرب. إذ لا توجد دولة في عالمنا المعاصر، باستثناء روسيا، يمكنها أن تقاوم الغرب فيزيائياً. الصين ليست مستعدة بعد لذلك، وفي الغرب، هم يعرفون ذلك جيداً. وعليه فحين يكسرون روسيا، فإنّ الجميع سيقومون بتنفيذ ما يملى عليهم من الغرب. وحينها فإنّ الغرب حين يقرر السعر الذي يجب أن تباع به أي مادة خام، فعلى الجميع الامتثال، وحين يحدد بأي سعر ستباع أي تكنولوجيا أو أي بضاعة مصنعة، فأيضاً على الجميع الامتثال.

من هنا نفهم مسألة تحديد سقفٍ لسعر النفط الروسي. البعض يصيح مبتهجاً، انظروا إنّ السعر الذي حددوه لنفطنا ربما يكون أعلى حتى من السعر الذي نبيع نفطنا الآن به مع التخفيضات للهند والصين. والحقيقة أنهم يقدمون لنا رشوة سخيفة ببضع السنتات لتخديم المبدأ العام الأساسي: أحقية الغرب بالسيطرة المطلقة على الأسواق وعلى الأسعار، وتالياً على الدول وعلى سيادتها حول العالم. ذلك هو جوهر المسألة.

 

المصدر: https://www.youtube.com/watch?v=neDJf6pxW3g