حتى الجزر الصغيرة تقول «لا» للولايات المتحدة
في السادس والعشرين من الشهر المنصرم، بدا ملفتاً للنظر أنْ رفضت دولة جزر سليمان، الواقعة جنوب المحيط الهادي، السماح لسفينة تابعة لخفر السواحل الأمريكي بالتزود بالوقود في مينائها. وهو فعل لم تجرؤ جزيرة على فعله سابقاً بطريقة مباشرة في المحيط.
جزر سليمان هي ثالث أكبر «دولة/ جزيرة» بعد بابوا غينيا الجديدة وفيجي. ويبلغ عدد سكانها حوالي 700 ألف نسمة، وتقع في أوقيانوسيا على بعد 2000 كم شمال شرق ساحل أستراليا.
الانعطاف في تاريخ الدولة
قبل عام 1978، كانت جزر سليمان مستعمرة بريطانية. ومنذ نيلها استقلالها، تحولت الدولة إلى واحدة من مناطق النفوذ الأمريكية في المحيط (وتكفلت أستراليا بإبقائها في هذا الفلك).
في 22 نيسان الماضي، حدث تحول في تاريخ جزر سليمان، وذلك حين وقّعت الدولة اتفاقية إطارية بشأن التعاون الأمني مع الصين، ما أثار صدمة لكل من الولايات المتحدة وأستراليا معاً. فمن جانبها، اعتقدت الولايات المتحدة أنّ اعتراف جزر سليمان باستقلال تايوان سوف يكون طويل الأمد. لكن في عام 2019، عندما كانت قد بدأت إرهاصات التحول في سلوك جزر سليمان، أنهت الجزر العلاقات الدبلوماسية مع تايوان لمصلحة تقوية العلاقات مع الصين. وفي الوقت نفسه، انضمت الجزر إلى مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.
على الأثر، حاولت الولايات المتحدة التدخل في جزر سليمان من خلال «دبلوماسية دفتر الشيكات» التقليدية (التي تستخدم المعونات الاقتصادية والاستثمار لتحقيق منفعة للولايات المتحدة)، لكن فشل هذه السياسة قاد الولايات المتحدة إلى إشعال فتيل أعمال شغب اندلعت في عام 2021، وهددت بحجب الثقة عن حكومة البلاد التي نجحت بدورها في درء الخطر ودافعت عن سياستها الخارجية الرامية إلى إحداث أكبر قدر من التقارب مع الصين.
حسم التوجه نحو القوى الصاعدة
لم تستطع الولايات المتحدة أو استراليا المتحالفة معها منع هونيارا وبكين من إبرام الاتفاق الإطاري المذكور أعلاه بشأن التعاون الأمني في نيسان 2022، والذي يمكن بموجبه لسلطات جزر سليمان طلب المساعدة من الشرطة والأفراد العسكريين الصينيين وغيرهم من قوات إنفاذ القانون والقوات المسلحة.
وبموجب الاتفاق نفسه، يمكن للصين أن تضع قاعدة عسكرية - في حال دعت الضرورة ذلك - في جزر سليمان. ورغم التأكيدات على عكس ذلك، إلا أن هنالك شكوك في أن مرافق الموانئ التي تبنيها الصين حالياً في جزر سليمان تضم عناصر قابلة لتكون جزءاً من قاعدة عسكرية مستقبلية.
وبالتالي، فإن منع سفينة أمريكية من الوصول إلى ميناء جزر سليمان للتزود بالوقود هو أمر منطقي تماماً: فهونيارا - التي حسمت أمرها جدياً بأن تتوجه نحو القوى الصاعدة - بات لديها الآن سند قوي متمثل بالصين القادرة ليس فقط على القيام باستثمارات كبرى في هذه الدولة الفقيرة، بل وكذلك ضمان أمنها من التهديدات الآتية من المعسكر الغربي.
والحقيقة هي أن جزر سليمان - هذه الدولة الصغيرة- وأدت المبادرة الأمريكية «شركاء في المحيط الهادئ الأزرق PBP»، التي أنشئت في 24 حزيران الماضي، والتي تضمّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا واليابان، والتي تهدف إلى أن تكون بديلاً غربياً لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية.
إمعان في الوقوف بوجه الاملاءات الأمريكية
منذ قرار جزر سليمان منع السفينة الأمريكية من التزود بالوقود، لا تزال وزارة الخارجية الأمريكية تنتظر تفسيراً من هونيارا، لكن العديد من التقارير تشير إلى أن هذه الأخيرة لا تجد نفسها مضطرة لتبرير قرارها، وستلتزم الصمت غالباً حيال ذلك.
قد يمر هذا الحادث دون أن يلتفت إليه الكثيرون، ولكنه واحد من القصص التي لا بد أن تروى عن زمن نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في المحيط الهادئ، وبداية تشكيل نظام إقليمي لا يأتمر بأمر الإمبريالية الأمريكية.