يد العون الروسية لتحرير أفريقيا من قيود الاستعباد
أثارت الرحلة التي قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى أفريقيا مؤخراً اهتماماً خاصاً وتغطية إعلامية غير مسبوقة. حيث زار لافروف كلاً من مصر وأوغندا والكونغو وأثيوبيا. ما دفع البعض لاعتبار أنّ الاختيار ليس من قبيل الصدفة. إذ إن مصر وأثيوبيا أكبر دولتين في القارة، وتجمعهما اتصالات على مستوى عال مع روسيا. وفوق ذلك، فإنهما الدولتان اللتان تقع فيهما مقرات أكبر منظمتين إقليميتين: جامعة الدول العربية في القاهرة، والاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.
وبمجرد وقوفه أمام أعضاء الجامعة العربية، اتخذ لافروف زمام المبادرة ليعلن تفهُّم بلاده للضغط الذي مورس على الدول الأعضاء في الجامعة العربية بما يتعلق بزيارته: «لقد اطلعت على محاولات مجموعة من السفراء الغربيين: الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى، فضلاً عن ممثل عن الاتحاد الأوروبي، التي حاولت مطالبة أصدقاءنا العرب بإدانة أفعال روسيا، والتأكيد بشكل خاص على عدم توقيع أية وثائق معنا أو التقاط الصور معنا، ولكن الشيء القيّم هو تصميم العالم العربي على التعاون مع روسيا».
وفي أوغندا، عقد لافروف مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع رئيس الأوغندي، يوويري موسيفيني، الذي قدّم كلمة مؤثرة جداً خلال المؤتمر الصحفي، عرض فيها موقف بلاده إلى جانب عدد من الدول الأفريقية الأخرى من روسيا، شارحاً بإسهاب الآلية التي دعم فيها كلٌّ من الاتحاد السوفييتي والصين حركة التحرر الوطني ومناهضة الاستعمار في القارة الأفريقية. وبمجرد انتهاء المؤتمر الصحفي، عاد موسيفيني ليكتب على صفحته الشخصية في تويتر: «نريد التجارة مع روسيا. نريد أن نتاجر مع جميع دول العالم. نحن لا نؤيد الفكرة القائلة إنّ أعداء شخص ما هم أعداؤنا. لا! نريد أن يكون لدينا أعداؤنا الخاصّون، وليس محاربة أعداء الآخرين!».
وفي هذا المؤتمر الصحفي، أعلن لافروف عن أخبارٍ مهمة. حيث يتم إعداد مفهوم جديد للسياسة الخارجية الروسية، سيتم من خلاله مراجعة دور أفريقيا بشكل جذري. فحتى الأمس القريب، كان يرد ذكر أفريقيا بشكلٍ عابر في المفهوم الروسي للسياسة الخارجية، ولم تكن قد تبلورت بالشكل الكافي رؤية العلاقات مع القارة السوداء. حيث أشار لافروف في المؤتمر الصحفي إلى أن أفريقيا ستحجز لنفسها مكاناً جديداً في المفهوم الروسي للسياسة الخارجية. وشدد على أن اتجاه العلاقات الروسية الأفريقية سيتعزز بغض النظر عما سيحدث في الاتجاه الغربي، وتوجه لموسيفيني قائلاً: «بالمناسبة، فإن جزءاً كبيراً من تجارتنا مع الغرب هي على وجه التحديد سلع أفريقية! حيث اتضح أن روسيا اشترت تلك السلع الأفريقية من الغرب بسعر أغلى بكثير، وكان يمكنها شراؤها مباشرة من شركاتكم المصنّعة».
وخلال رحلة لافروف الشاملة، تمت مناقشة قضايا الاقتصاد والسياسة والثقافة والتعليم في ضوء الفرصة التي يطلقها التبدل الجاري في موازين القوى العالمية. ففي مصر وإثيوبيا تمت مناقشة المشاريع النووية الروسية، وفي أوغندا تمت مناقشة ترسيخ الطب النووي وإطلاق قمر صناعي أوغندي جديد. أما القضية الأهم التي كانت حاضرة على طاولة المفاوضات في الدول الأربع فهي أزمة الغذاء، التي أكد القادة الأفارقة أنفسهم أن بوادرها بدأت قبل وقتٍ طويل من بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
وينطبق الشيء ذاته على ارتفاع أسعار الغاز الذي بدأ أيضاً قبل العملية العسكرية في أوكرانيا. وفي ردّه على أحد أسئلة صحفي جزائري، قال لافروف: «منذ ما يقارب عشرة أعوام، وضعت أوروبا بشكل ممنهج حواجز أمام توريد الغاز الروسي الرخيص إلى الدول الأوروبية... الآن، يضطر الأوروبيون للتفكير في مصادر بديلة للإمدادات الروسية، وبأيديهم هم، قاموا بخنق خطوط الأنابيب من روسيا. ويبحثون الآن عن خيارات أخرى. أنا أعلم أن دول البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الجزائر، هي أحد الخيارات المناسبة، حيث سيلجأ الأوروبيون إليكم طلباً للمساعدة، والأمر متروك لشركاتكم وحكومتكم لاتخاذ القرار».
وبدا ملفتاً أنه ما إنْ حطّ لافروف في القارة الأفريقية، حتى توافد عليها عدد من الزوار الغربيين، حيث زار المبعوث الأمريكي الخاص إلى القرن الأفريقي، مايك هامر، أثيوبيا بالتزامن مع زيارة لافروف، وكذلك وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الذي يتقلص نفوذ بلاده في القارة على نحو يفجع مصالح النخب الفرنسية) إلى القارة مباشرة بعد مغادرة لافروف لها وقام بزيارة أكثر من دولة أفريقية. وكذلك سيزور وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن القارة في بدايات الشهر الجاري.
إن أهم ما رسخته الزيارة هو توضيح الفرق بين الغرب وروسيا في التعامل مع أفريقيا. فإذا كان الغرب يعيق تنمية القارة بكل الوسائل، فإن روسيا والصين تقدمان تعاوناً يعود بالمنفعة على جميع الأطراف، وهو ما يؤسس لإنهاء حقبة كاملة من الاستعباد الذي كانت ترزح تحت وطأته القارة بأكملها، وربما الأهم من ذلك، أن الزيارة وضحت أن هنالك في القارة من يملك الإرادة للتوجه في مسار التحرر من الهيمنة الغربية.