الخبز «المدعوم» أصبح علفياً
لم يعد تردّي وسوء الخبز التمويني من حيث النوعيّة والمواصفة مقتصراً على بعض المخابز والأفران (العامة والخاصة) في منطقة ما أو في مدينة معينة، بل أصبحت هذه الظاهرة مُعمَّمة على كل المخابز، وفي كل المحافظات.
فرغيف الخبز التمويني «المدعوم» أصبح أكثر اسمراراً وتوشحاً بالسواد، وأكثر سرعة بالتزنّخ والعطب، ولا يصمد في التخزين حيث يتفتت بسرعة أيضاً، وكل ذلك يجعل من هذا الرغيف غير قابل للاستهلاك إلا في حال كان طازجاً فقط، وهو الأمر غير الممكن طبعاً، والسبب هو آليات العمل المتبعة في صناعة هذا الرغيف، وبآليات بيعه وتوزيعه (بالاستعانة بالذكاء)، والأهم آليات تخفيض الدعم المتبعة على هذا الرغيف، المباشرة وغير المباشرة.
على ذلك فإنّ الأمر لا علاقة له لا بمهارة العجان، ولا بخط سير التبريد، ولا حتى بنمط التوزيع عبر المعتمدين وشروط النقل والتخزين، برغم أهمية كل ذلك طبعاً، فأي سوء إضافي بهذه الأمور يزيد من تردي مواصفة الرغيف طبعاً.
ولعل المشكلة الأساسية مرتبطة بشقّين:
– نوعية الدقيق التمويني ومواصفاته، وخاصة نسبة الخلط ونسبة الاستخراج من القمح في المطاحن، وهي نسب تحدد مركزياً من قبل وزارة حماية المستهلك والحكومة افتراضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النسب هي بالوقت نفسه بوابة تربح وفساد إضافية تستفيد منها بعض المطاحن (عامة أو خاصة).
– وكذلك بنوعية ومواصفة الخميرة المسلَّمة للمخابز (جافة أو طرية) ومصدرها، وبطرق نقلها وتخزينها واستخدامها في كل مخبز.
فمن المعروف أن أمهر عجان لا يستطيع تحسين مواصفة عجنة الخبز عندما تكون مدخلاتها (الدقيق والخميرة) بمواصفة ونوعية سيئة، وبالتالي مهما كان خط سير الرغيف مطابق للمواصفة لن ينتج رغيف سوياً بالمواصفة والجودة المطلوبة، ليأتي بعد كل ذلك عوامل الإهمال واللامبالاة، كإضافات نوعية في كل مخبز أو فرن، لتزيد من سوء حال الرغيف.
والنتيجة من كل ذلك هي تطفيش المواطنين من «مستحقي الدعم» من استهلاك هذا الرغيف رغماً عنهم، وعلى حسابهم!
والأمر وفقاً لكل ما سبق بات واضحاً وضوح الشمس بأن النية مبيَّتة للاستمرار بهذا التطفيش، بدليل استمرار حال الرغيف المتردي من حيث المواصفة والجودة، وتعميم ذلك بكل المخابز وبجميع المحافظات، برغم كل الاعتراضات والشكاوى من قبل المواطنين، وذلك يؤدي لنتيجتين مباشرتين، وهي غايات وأهداف مطلوبة بكل تأكيد، دون إعلان صريح طبعاً:
– انخفاض معدلات استهلاك رغيف الخبز "المدعوم".
– وزيادة كميات التالف والمرتجع منه.
الأولى عبارة عن مزيد من تخفيض الدعم على الرغيف بشكل غير مباشر، من خلال تزايد معدلات انخفاض الاستهلاك.
والثانية عبارة عن بوابة إضافية للتربح والفساد عبر بيع التالف والمرتجع كعلف، بغض النظر عمن يقوم بذلك، كل مخبز بمفرده، أو مركزياً عبر السورية للمخابز.
على ذلك فإن عمل المخابز، وفقاً لهذا الشكل المستمر والمعمم من الآليات المتبعة، بالتوازي مع «الطناش» الرسمي تجاه تزايد سوء جودة الرغيف، أصبح وكأنه بغاية إنتاج الخبز العلفي، وليس لصناعة وإنتاج الرغيف التمويني «المدعوم»!
وبكل اختصار فقد تم إضافة حلقة جديدة للنهب والفساد باسم الرغيف «المدعوم» لتضاف الى كل حلقات النهب والفساد الموجودة سابقاً، اعتباراً من صفقات شراء القمح، مروراً بآليات التخزين في الصوامع، وصولاً الى آليات عمل المطاحن، وليس انتهاءً بالمخابز وشبكات البيع خارجها، وأخيراً بصفقات الخبز العلفي!
ولم لا... فلا أحد يسأل ويحاسب عن حقيقة «الدعم»، كل الدعم، ولمصلحة مَن فعلاً، وفي جيوب مَن بالنتيجة؟!