مستجدات حول منشأ كوفيد-19 تزيد الشبهات بتورّط أمريكي

مستجدات حول منشأ كوفيد-19 تزيد الشبهات بتورّط أمريكي

«أنا مقتنع تمامًا أنه خرج من التكنولوجيا البيولوجية في المختبرات الأمريكية وليس من الطبيعة» - أدلى بهذا التصريح المثير البروفسور الأمريكي في الاقتصاد جيفري ساكس (الذي ترأس لسنتين لجنة كوفيد-19 التي شكلتها مجلة لانسيت الطبية البريطانية). وتصريحه يعود إلى 15 يونيو/حزيران الماضي ضمن مؤتمر للعولمة في إسبانيا، لكن أعيد تداوله مؤخراً من قبل هوا تشونيينغ مساعدة وزير الخارجية الصيني (في 4 يوليو/تموز الجاري)، ثم بعده بأيام من قبل رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين (في 9 تموز).

وكان لافتاً تقاطع هذين الأخيرين بمسألة مطالبة واشنطن بدفع تعويضات للعالَم عن الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن الجائحة في حال ثبت تورطها بافتعالها. وفي الحقيقة جاء تصريح ساكس نفسه بعد أسبوع واحد من صدور أول تقرير رسمي عن منظمة الصحة العالمية حول منشأ كوفيد (في 9 يونيو/حزيران 2022) والذي لم تستبعد فيه المنظمة فرضيات منشأ الفيروس من مختبر؛ سواء بحدوث «اختراقات للأمن والسلامة البيولوجية بالصدفة أو بشكل متعمّد» وحتى أنها لمّحت لعدم استبعاد تصنيعه بقولها «هناك أيضاً حاجة مستمرة للتعرف على، وتنظيم، دراسات التلاعب بالعوامل الممرضة عالية الخطورة بما في ذلك اكتساب الوظيفة GOF وأبحاث الاستعمال المزدوج المثيرة للقلق». وتكتسب هذه التقارير والتصريحات أهمية إضافية بعد افتضاح البرامج البيولوجية الأمريكية التي موّلها البنتاغون في أوكرانيا، كما وتعيد إلى أضواء جديدة ما سبق أن كشفته وكالة «ذي إنترسبت» The Intercept الإعلامية الأمريكية في أيلول 2021 بأنّ 900 صفحة من المواد المتعلقة بأبحاث فيروس كورونا التي موّلتها واشنطن في الصين قد تم الإفراج عنها بعد دعوى قضائية ربحتها «إنترسبت» بموجب «قانون حرية المعلومات» الأمريكي FOIA وكانت أكثر الوثائق المكشوفة إثارة للجدل هي مشروع الأبحاث Defuse العائد للعام 2018. مزيد من التفاصيل في التقرير التالي...

لا بدّ في البداية من التنويه إلى أنّ أهداف هذا المقال بعيدة كل البعد عن أيّ تشكيك بمخاطر الوباء وضرورة مكافحته والوقاية منه بالوسائل الطبّية والعلمية المعروفة في الظروف التي تقتضيها الحاجة (من كمامات ولقاحات وعلاجات وغيرها) فالمرض هو المرض سواءً أكان طبيعياً أم مُفتَعَلاً.

ما هي أبحاث GOF؟ ولماذا علّقتها واشنطن مؤقتاً منذ 2014؟

في 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 أصدرت الحكومة الأمريكية قراراً بـ«الإيقاف المؤقت لتمويل أبحاث مختارة على فيروسات الإنفلونزا ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS والسارس SARS من التي تستعمل تقنية اكتساب الوظيفة Gain of function)».

وفي بيان القرار الأمريكي نفسه، وكذلك وفقاً لمنظمة الصحة العالمية وعدة مصادر علمية، هناك اتفاق على أنّ أبسط تعريف لأبحاث «اكتساب الوظيفة» GOF هي أنها «التي تعمل على تحسين قدرة عاملٍ ممرض ما على التسبب بالمرض». وبالطبع سيتساءل القارئ مستغرباً: لماذا يعمل باحثون أصلاً على تقوية القدرة الإمراضية لعوامل ممرضة كالجراثيم أو الفيروسات؟! وهذا السؤال في الحقيقة كان وما يزال مثار جدال كبير علمياً وأخلاقياً وقانونياً وكُتِبَ عنه الكثير وعقدت لأجله أبحاثٌ ومؤتمرات محلية وعالمية. ولكن أحد تبريرات هذه الممارسة التكنولوجية-البيولوجية وفق بيان القرار الأمريكي نفسه أيضاً هو «المساعدة في تحديد الطبيعة الأساسية للتفاعلات بين الإنسان والعامل الممرض، مما يتيح إمكانية تقييم القدرة الكامنة الوبائية للعوامل المعدية الناشئة، وتوفير المعلومات لجهود الصحة العامة والاستعداد، والدفع قدماً بتطوير الإجراءات الطبية لمكافحتها».

ولكن لماذا قررت الحكومة الأمريكية إصدار تعليق مؤقت وجزئي لهذا النوع من الأبحاث التي تستخدم التقنية المذكورة؟ ولماذا خصّت بقرارها تحديداً ثلاث مجموعات من الفيروسات اثنان منها من عائلة كورونا؟

قد يكون صحيحاً جزئياً ما قالته الحكومة الأمريكية في بيانها بأنّ ذلك بسبب «المخاوف الأخيرة المتعلقة بالسلامة البيولوجية والأمن البيولوجي»، وخاصةً أنّه انتشرت قبل فترة من قرارها في 2014 أنباء ونقاشات عن حوادث تسرّب لعوامل ممرضة من عدة مخابر بيولوجية داخل الولايات المتحدة الأمريكية مع إصابة عاملين في هذه المخابر بأمراض، الأمر الذي يفتح التساؤلات هل ذلك بدوره ناجم عن مجرّد «إهمال» إجراءات السلامة البيولوجية أم مؤشر على تجارب مشبوهة كانت تجري وبدأت تؤثر على مواطنيها في الداخل بحيث اضطرت إلى اللجوء إلى إيقافها (أو تقليلها) مؤقتاً في الداخل فقط وتصدير «العمل القذر» إلى الخارج؟ أيْ بالطريقة نفسها التي تتبعها مع صناعاتها الملوثة للبيئة حيث تستنّ لها في الداخل قوانين «خضراء» بينما تقوم بتوكيل الأعمال «السوداء» إلى عملاء خارجيين في دول متساهلة بالقيود القانونية.

أما الفرضية الأخرى التي يمكن أن نفكر بها كسبب لقانون 2014 المذكور، فهو ربما رغبة الحكومة الأمريكية في مزيد من الحصرية والتمركز والإشراف الضيّق على التمويلات وصناعة القرار والسرّية بشأن الأبحاث على تطوير الفيروسات المذكورة داخل الولايات المتحدة الأمريكية. ويبقى بإمكانها بالوقت نفسه أن تواصل تمويلها خارج البلاد، لأنها لن تكون خاضعة للقانون الساري على الأراضي الأمريكية، كما حدث في تمويل البنتاغون للأبحاث البيولوجية في أوكرانيا أو جورجيا حتى بعد 2014، وعلى ما يبدو في الصين أيضاً، كما سنتكلم بإيجاز في الختام عن مشروع Defuse كمثال.

لكن قبل ذلك يجدر أولاً أن نلاحظ نقطتين مهمتين في نص قرار 2014 الخاص بتعليق تمويل الحكومة الأمريكية لتلك الأبحاث:

1– الملاحظة الأولى: تعليق العمل بأبحاث GOF على الفيروسات المذكورة هو تعليق جزئي حيث قال النص «لن ينطبق وقف تمويل البحث على توصيف أو اختبار الفيروسات التي تحدث بشكل طبيعي بالنسبة للإنفلونزا، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، والسارس، إلا إذا كان من المتوقع بشكل معقول أن تزيد هذه الاختبارات من قابلية الانتقال و/أو الإمراضية». وبالتالي يترك النص هنا مرونة في تقدير مدى الخطوة «المتوقعة» وهذا هامش يمكن التلاعب به.

2– الملاحظة الثانية وهي الأهم: هي أنّ نص القرار ذكر حاشيةً تنص حرفياً على أنّه «يمكن الحصول على استثناء من تعليق الأبحاث عندما يقرّر رئيس الوكالة الأمريكية الحكومية المانحة للتمويل بأنّ البحث ضروريّ ضرورةً ملحّة لحماية الصحة العامة أو الأمن القومي». وليس صعباً أن نستنتج من ذلك بوضوح بأنّ وكالات التمويل التابعة للبنتاغون مثلاً، أو حتى إدارة معاهد الصحة الوطنية NIH، تملك من خلال هذا الاستثناء «القانوني» صلاحية مواصلة تمويل أبحاث عمل على تقوية القدرة المسببة للمرض لدى فيروسات الإنفلونزا وكورونا الـ MERS وكورونا الـ SARS التي تراها ذات «ضرورة للأمن القومي»! وإذا كانت عقيدة الأمن القومي الأمريكي كما نعلم وعبر السنوات الماضية تزداد عدائيةً تجاه الصين وروسيا، أفليس ممكناً أنْ تعتبر واشنطن ذلك مبرِّراً من وجهة نظرها لكي تستعمل هذا الاستثناء «القانوني» لكي تواصل – وحتى داخل الأراضي الأمريكية إذا لزم الأمر ودون «مخالفة» قوانينها – تمويلَ تقنيات تطوير العوامل الممرضة الخطيرة كنوعٍ من السلاح البيولوجي؟

هل اكتمل تحضير «الفتيل الصاعق» للجائحة في 2018–2019؟

نشرت مجلة «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية» PNAS بتاريخ 19 أيار 2022 مقالاً بعنوان «نداء من أجل بحث مستقل في منشأ فيروس SARS-CoV-2» كتبه كلّ من البروفسور جيفري ساكس المشار إليه في مقدمة مقالنا هذا، بالاشتراك مع الدكتور نايل هاريسون من قسم علوم الأدوية والعلاجات الجزيئية في جامعة كولومبيا في نيويورك. وأعادا فيه التذكير بأنّ الحكومة الأمريكية بمؤسساتها العسكرية والمدنية قد موّلت بالفعل أبحاثاً على فيروسات كورونا الخفافيش في الصين، تضمنت أبحاثاً ميدانية وجمع عينات والتلاعب بها وراثياً، مع إيكال دور معيّن من العمل لمعهد ووهان لأبحاث الفيروسات، تحت عنوان أنها أبحاث تهدف «للاستعداد والوقاية من الأوبئة».

أحد المشاريع المقترحة التي كشفت وثيقته وكالة Intercept الإعلامية الأمريكية منذ أيلول 2021 كان شراكة ثلاثية بين منظمة «التحالف البيئي الصحي» EHA الأمريكية غير الحكومية وجامعة كارولينا الشمالية ومعهد ووهان لعلم الفيروسات، وحمل عنوان Defuse أو «نزع فتيل تهديد فيروسات كورونا المنقولة عبر الخفافيش».

المشروع الذي تتألف وثيقته من 75 صفحة مثيرٌ للشبهات على الأقل لأربعة أسباب:

(1) كانت ضمن التجارب المقترحة فيه، وفقاً لكاتبَي مقال أكاديمية العلوم الأمريكية المشار إليهما أعلاه، تجارب التعديل الوراثي لفيروسات كورونا من الخفافيش عبر إدخال تسلسل يسمى «موقع تنشيط الفيورين» FCS والذي تبيّن لاحقاً لكثيرٍ من الباحثين بأنه من السمات الجينية الحاسمة في فيروس كوفيد-19 التي سمحت له بالتطفل على الخلايا البشرية.

(2) التوقيت السابق للوباء (الوثيقة مؤرخة في 24 آذار 2018).

(3) جهة التمويل المقدَّم إليها المشروع هي وكالة البنتاغون DARPA المختصة بـ«مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة» حيث طلب واضعو المشروع من هذه الوكالة تمويلاً بأكثر من 14 مليون دولار.

(3) يلاحظ كاتبا المقال المشار إليه بأنه «على الرغم من عدم الموافقة على تمويله آنذاك من DARPA ولكننا لا نعلم فيما إذا كانت بعض الأعمال المقترحة فيه قد نفّذَت لاحقاً في 2018 أو 2019 ربما بواسطة مصدر تمويل آخر».

آخر تعديل على الخميس, 14 تموز/يوليو 2022 13:12