لاجئون سوريّون بين المستهدَفين بالترحيل إلى رواندا

لاجئون سوريّون بين المستهدَفين بالترحيل إلى رواندا

وصفت تقارير إعلامية ومنظمات إنسانية وحقوقية أوضاعاً إنسانية صعبة وانتهاكات تمارسها السلطات البريطانية بحق اللاجئين الذين تحتجزهم وتخطط لترحيلهم القسري إلى رواندا. ومن بين لاجئي الشرق الأوسط الذين يشكلون نحو ثلث المهدّدين بالترحيل إلى رواندا، وخاصة في المُعتَقل المسمّى «مركز كولنبروك لإزالة الهجرة» قرب مطار هيثرو في لندن، هناك على الأقل 15 لاجئاً سورياً، ومنهم مَن تم اختياره ليكون على أول طائرة من رحلات الترحيل، والتي تم تعليق انطلاقها إلى رواندا بسبب خلافات بين لندن والاتحاد الأوروبي ممثلاً بما يسمى «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان». لكن القضية لم تنته بعد، والخطر المحدق يتهدّد اللاجئين وخاصةً أنّ بعضهم مُضربٌ عن الطعام ويدفعهم اليأس حتى إلى التفكير بالانتحار. وما يزيد الأمر سوءاً هو أنه لا يبدو حتى الآن اكتراثٌ من حكوماتهم لإنقاذهم ولا حتى الاهتمام الإعلامي الكافي بهم.

بريطانيا تشتري مُعتَقلاً في رواندا

وقَّعت المملكة المتحدة مع رواندا اتفاقية للهجرة في 13 أبريل/نيسان، يتم بموجبها الترحيل القسري للأشخاص الذين تعترف بهم الحكومة البريطانية كمهاجرين غير شرعيين أو طالبي لجوء إلى رواندا بذريعة «معالجة الوثائق والحصول على اللجوء وإعادة التوطين» على حد زعمها. وتدّعي الحكومة البريطانية أن خطوتها هذه «تحد من عمليات العبور غير القانونية عبر قناة المانش»، والتي تتزايد باستمرار رغم الوعود المتكرّرة باحتواء ظاهرة الهجرة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث قام أكثر من 11 ألف شخص بهذا العبور الخطير منذ بداية العام الحالي.
وأثارت الخطة انتقادات من منظمات حقوق الإنسان وبعض السياسيين الذين يعتقدون أن الإجراء لن يساعد في وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة عبر القناة الإنكليزية من فرنسا.
وقالت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل إن وزارتها بدأت بالفعل في إصدار إشعارات ترحيل رسمية للمهاجرين باعتبارها «الخطوة الإدارية النهائية» في شراكتها مع رواندا الواقعة في شرق إفريقيا، حيث ترعى بريطانيا هناك ما يشبه مجمعات ومراكز اعتقال للتخلص من اللاجئين بإبعادهم عن بريطانيا. وقالت باتيل إنها تتوقع استمرار محاولات تأخير عملية الترحيل، لكنها «لن تردعها» عن المضي قدماً بها على حد تعبيرها.

بعض اللاجئين أضرب عن الطعام أو هدّد بالانتحار!

وصف بعض اللاجئين عملية احتجازهم بأنها «اختطاف»، حيث تم تجريدهم من هواتفهم الشخصية وإعطاؤهم بدلاً منها هواتف للاتصال العادي فقط مع قطعهم عن الإنترنت، مما سبّب حالات من الذعر والقلق الشديد لدى عدد من اللاجئين، وضغوطاً نفسية شديدة وخاصة مع علمهم أنّ الوجهة التي تنوي السلطات البريطانية ترحيلهم إليها قسراً هي رواندا، البلد الإفريقي الذي لا يعلم معظم اللاجئين عنه ولا عن لغته وعاداته شيئاً وليس لهم أحد أو أقارب فيه (وثلثهم تقريباً من بلدان الشرق الأوسط). كما تم إبلاغ 15 لاجئاً سورياً في 4 حزيران بأنهم سيرسلون إلى رواندا في غضون أسبوعين، وفقاً لزوي غاردنر، رئيسة السياسة والدعوة في المجلس المشترك لرعاية المهاجرين في بريطانيا.
ودخل بعض اللاجئين بالفعل إضراباً عن الطعام احتجاجاً على قرار الترحيل القسري، وصرّح بعضهم بأنه حتى يفضّل «الانتحار» على أن يتم ترحيله قسراً إلى رواندا. حيث أكّدوا بأنّهم تلقّوا إشعارات بمواعيد الترحيل وتنص على منعهم من أيّ اعتراض على القرار.
كثير من هؤلاء اللاجئين كانوا سلفاً قد تكبدوا مبالغ طائلة بالنسبة لأوضاعهم الفقيرة، دفعوها لسماسرة تهريب البشر ومسارات الهجرة غير الشرعية وواجهوا مخاطر البر والبحر حتى استطاعوا الوصول إلى القناة الإنكليزية، وربما كان منهم من يصدّق أنّ بريطانيا هي حقّاً تلك «الديمقراطية» و«المدافعة عن حقوق الإنسان» كما تروّج عن نفسها، قبل أن تفاجِئهم بعكس ذلك.

آخر التطورات

صدر قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمنع ترحيل طالبي اللجوء القادمين لبريطانيا إلى رواندا، بينما كانت طائرة مستأجرة خصيصاً لترحيل اللاجئين تستعد للإقلاع من قاعدة عسكرية إنكليزية. ورأت المحكمة الأوروبية التي مقرها في ستراسبورغ (شرق فرنسا) أنه «يتعين على القضاء البريطاني أن ينظر في قانونية الإجراء قبل ترحيل المهاجرين»، ومن المفترض أن يتم النظر بذلك في يوليو/تموز.
وسرعان ما ردت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتل، في 19 حزيران الجاري واصفةً قراراً المحكمة بأنه «مخز للغاية وتم اتخاذه بطريقة مبهمة». وفي تصريحات لصحيفة «التلغراف»، قالت بريتي باتل: «يجب النظر إلى مبررات هذا القرار»، متسائلة: «كيف ولماذا اتخذوا هذا القرار؟ هل كان هناك دافع سياسي؟ أظن نعم، بالتأكيد».

وفي الحقيقة فإنّ موقف الاتحاد الأوروبي ومحكمته لـ«حقوق الإنسان»، المعاكس شكلاً، لا ينبع لا عن «إنسانية» أكثر ولا عن تسييس أقل من موقف بريطانيا، كما يشهد موقف الاتحاد من أزمات لجوء مختلفة سابقة، كما في التهاون مع بولندا التي عملت بمثابة كلب حراسة يصد اللاجئين عن حدود الاتحاد الشرقية، وكذلك مع التمييز العنصري للاجئين الأوكرانيين عن الأفغان والسوريين والأفارقة وغيرهم، فضلاً عن التمييز العنصري الذي يجتاح بلدان الاتحاد ويتصاعد. أما الفرق في قرار المحكمة الأوروبية هنا فيبدو أن له علاقةً بتصفية حسابات ما، والتلاعب باللاجئين كورقة بين الاتحاد وبين بريطانيا ما بعد بريكست.

وبالرغم من قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، شدّدت الحكومة البريطانية على إصرارها على مواصلة استراتيجيتها. فأصدرت داخليّتها مشروعاً تجريبياً مدته 12 شهراً للمراقبة الإلكترونية للمهاجرين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة سالكين طرقاً «غير ضرورية وخطيرة»، حيث سيتعين عليهم المثول بانتظام أمام السلطات تحت طائلة الخضوع لحظر تجول أو الاحتجاز أو الملاحقة إذا لم يفعلوا ذلك. ووفقاً لقناة «بي بي سي» فإنّ أوائل المهاجرين الذين كانوا سيخضعون لرقابة مماثلة قد يكونون طالبي اللجوء نفسهم الذين كانوا سيرحّلون بالطائرة إلى رواندا قبل قرار المحكمة الاوروبية.

اللاجئون كضحايا لتشابك الأزمات

تضرب لنا أزمة ترحيل اللاجئين إلى رواندا، وشبيهاتها، أمثلة على كيفيّة تداخل الأزمات التي تعصف بالعالَم. فالجذر في توليد أزمات التهجير واللجوء يكمن بدايةً في سياسات الغرب الإمبريالي الاستعمارية القديمة ثم الجديدة والمركبة والتي نهبت ودمّرت بلاد المستعمرات ومنها بلادنا، ومن أحدث طرقها الاختراق بالسياسات الليبرالية الجديدة المولّدة للفقر والبطالة والتهميش وشتى أنواع الفساد والإفساد وتعاظم النهب وصولاً للانفجارات الاجتماعية والسياسية واستجلاب الفوضى والحروب، مما يولد ويفاقم أزمات مشتقة ومنها اللجوء، لتأتي المتاجرة السياسية باللاجئين من كلّ من ليس له مصلحة في عودتهم الكريمة إلى أوطانهم، من الداخل والخارج، و«تصحير» الأوطان من عنصرها البشري، فيما يشبه عملية «إعادة تدويرهم» في المَهجر حيث يغربلون منهم ما يحتاجونه من عقول أو مهارات أو عمالة لمهارتها أو رخصها، ومن تبقى يتم تحويلهم لأوراق ضغط وابتزاز سياسي أو متاجرة تحت ادعاءات «الإغاثة» و«الإنسانية»، أو شماعة لفشل السياسات الرأسمالية الداخلية، ولا سيّما اليوم مع الانهيارات الاقتصادية غير المسبوقة التي سوف تتعمق وتتسارع، وحاجة الرأسمالية المأزومة إلى مزيد من تضليل الناس واللعب على العنصرية وجميع الفوالق التي تشتتهم عن الاصطفاف الطبقي الواعي الصحيح من أجل التغيير.