احتكار غربي آخر تسقطه الصين: النقل الجوي
بيتر كونوفالوف بيتر كونوفالوف

احتكار غربي آخر تسقطه الصين: النقل الجوي

يعد تصنيع الطائرات أحد المجالات الاستراتيجية الهامة للصناعة الحديثة، حيث يوفر نقلاً آمناً ويحقق إيرادات كبيرة. ومع ذلك، يتطلب بناء الطائرات مستوى عالياً من التطور العلمي والتكنولوجي واستثمارات مالية ضخمة. لذلك، ليست كل الدول قادرة على إمداد نفسها بشكل كامل بالطائرات، سواء أكانت عسكرية أو مدنية.

ترجمة : قاسيون

يتم تصنيع طائرات النقل العملاقة الأكثر رحابة من قبل أكبر شركتي تصنيع طائرات في العالم: إيرباص الأوروبية «الفرنسية بأغلبها»، وبوينغ الأمريكية. تَقاسَم هذان العملاقان السوق العالمية بأكملها تقريباً، بحيث أصبحت جميع الطائرات المصنعة في العالم – بما في ذلك الأوروبية والكندية – أدنى من طائرات هاتين الشركتين من حيث الحجم والشهرة. الشركتان العملاقتان معروفتان في جميع أنحاء العالم لدرجة تحولهما إلى رمز للطيران المدني. يمكننا القول بأنّ إيرباص أنشأت احتكاراً أوروبياً، وبوينغ أمريكياً، وكلتا الشركتين أنشأتا احتكاراً عالمياً.

لكن في العقود الماضية صعدت الصين إلى مرتبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم (والأول في الاقتصاد الحقيقي) بمنافسة الغرب في جميع المجالات، ودكّ حصون احتكاراته في جميع الجبهات، بما في ذلك صناعة الطائرات.

خطط مكثفة صينية اعتيادية

بدأت جمهورية الصين الشعبية بتصنيع الطائرات العسكرية منذ خمسينيات القرن الماضي، وتمكنت من تزويد قواتها المسلحة بمقاتلات ذات كفاءة وجودة عالية، وتمكنت شركة تصنيع الطائرات الصينية AVIC من احتلال مركز سادس أكبر شركة تصنيع عسكري في العالم في عام 2020 من حيث إجمالي الإيرادات. لكن بالرغم من هذه النجاحات في صناعة الطائرات العسكرية، لم تتمكن الشركات الصينية من لعب دور بارز في صناعة طائرات الركاب العالمية.

لكن في العقدين الأخيرين، جرى العمل على خطط مكثفة لتغيير هذا الواقع.

في عام 2008، تمّ تأسيس شركة الطائرات التجارية الصينية «كوماك Comac»، وهي شركة تجارية مملوكة للدولة الصينية. كان أحد أهداف الشركة المعلنة هو تقليل اعتماد الصين على الاحتكارات الأجنبية لبوينغ وإيرباص. في تشرين الثاني 2008 تمّ تنفيذ أوّل رحلة لطائرة ARJ21 التي طورتها كوماك لتحمل على متنها قرابة 115 راكباً.

في العام نفسه بدأت كوماك بالعمل على طائرة جديدة هي سي-919 ذات الجسم الضيّق، والتي ستحمل عند انتهاء العمل عليها ما بين 150 إلى 168 راكباً لتنافس بذلك طائرة بوينغ 737.

حتّى الغربيون لا يحبون المحتكرين

في 2011، قامت شركة نقل الركاب الإيرلندية زهيدة الثمن Ryanair بالانضمام إلى مشروع سي-919، وذلك رغم امتلاك الشركة في أسطولها أكثر من مئة طائرة بوينغ في أسطولها. في 2012، بدأت بدورها الشركة الكندية Bombardier Aerospace، الصانع الكندي المتخصص في الطائرات النفاثة صغيرة الحجم والمروحيات بتزويد مشروع سي-919 بالدعم التقني واللوجستي. يمكننا الاستنتاج بأنّ احتكار إيرباص وبوينغ لا يعجب الجميع، حتى في الغرب.

في 2012 ذكرت التقارير الإعلامية بأنّ أنشطة التطوير الصينية أثارت حفيظة شركتي الاحتكار. فمن جهة، فحتى لو كان نجاح كوماك في تنفيذ أحد أهدافها المعلنة: تقليص اعتماد الصين على الموردين الأجانب، فسيعني هذا ضربةً كبيرة للأرباح. علاوة على ذلك، لن تقوم الشركة الصينية بوضع حدود لنفسها في السوق الصينية المحلية، الأمر الذي يهدد بشكل جدي الشركتين الاحتكاريتين.

في 2017، قامت نسخة تجريبية من طائرة سي-919 بأول رحلة لها.

في 2018، ورغم التوقع بتأخر إنتاج نسخة تجارية من سي-919، كان هناك بالفعل ألف اتفاق تمهيدي مع الشركة الصانعة، وأكثر من ثلاثمئة طلب على الطائرة، معظمها من شركات صينية.

وكما هو متوقع، مع كلّ اختراق تكنولوجي تحققه الصين، تظهر نوع من المؤامرة في الغرب. تمّ اعتقال أربعة أشخاص في الولايات المتحدة بتهمة التجسس على أسرار صناعية وسرقة حقوق ملكية فكرية لصالح وكالات المخابرات الصينية. وسواء أردنا مناقشة صحة هذه التهم من عدمها، فمن الواضح أنّ مشروع سي-919 بات مهدداً لدرجة وضعه تحت المكبر الاحتكاري الغربي.

النسخة التجارية في 2022

في 2020 تمّت الموافقة على تصميم نهائي، وفي 2020-2021 بدأت نسخ اختبارية من سي-919 بالطيران التجريبي في الظروف المناخية الباردة فوق منغوليا الداخلية الصينية.

في أيار 2022 نقلت وسائل الإعلام إجراء رحلات اختبارية أخرى لطائرة سي-919، ولكن هذه المرة في شنغهاي وعليها شعار شركة طيران النقل الصينية OTT، والتي ستشغل الطائرة في أسطولها بعد نهاية الاختبارات.

لهذا من المتوقع أن يكون هذا العام 2022 هو عام كسر طائرة سي-919 الاختبارية لاحتكار الشركتين الغربيتين بوينغ وإيرباص لمجال النقل العالمي بالطيران.

تخطط شركة كوماك أن تصبح طائراتها في عام 2035 ثالث أكثر طائرة معتمدة في السوق الصينية، وأن تستولي على خُمس السوق العالمية. سيتمّ في 2042 بيع أكثر من ألفي طائرة سي-919. ومن المتوقع أن تنجح كوماك بخططها، كما نجحت في تسليم طائراتها في الوقت الذي حددته.

 

بتصرّف عن:

China’s Aircraft Industry Puts an End to Western Monopoly

آخر تعديل على الإثنين, 30 أيار 2022 11:03