نبض الضفة لا يهدأ
في الوقت الذي كان يجلسُ سفراء الدول العربية المُطبّعة على مائدةِ إفطار الرئيس الصهيوني، كانت قوات الاحتلال تقتحمُ المسجد الأقصى وتتعرّض لمَن فيه، من أهل القدس العُزّل، بالضرب والملاحقة، ورغم سريالية الموقف إلا أنّ النضال الفلسطيني قد أعاده للواقع، وثبّت مجدداً اتجاه البوصلة.
الإصبع على الزناد
تشهد الأراضي الفلسطينيّة منذ بداية العام الجاري مواجهات مستمرة مع العدوّ، تصاعدت بشكل أكبر وأوسع خلال شهر رمضان، بسبب العمليات العسكريّة المستمرة للاحتلال في أرجاء الضفة الغربية، بالإضافة للتصعيد في القدس، جاءت تلك المواجهات في الوقت الذي لم يتوقع فيه الاحتلال أن تعود المقاومة مجدداً، حيث استطاع المقاومون اختراق كافة التحصينات والإجراءات الصهيونيّة وصولاً لتل أبيب وتنفيذ عمليات نوعية موجعة.
مع أنّ معظم تلك العمليات الفدائية يندرج تحت إطار العمليات الفرديّة، إلا أنّها تُشكّل بمجملها موجة هادرة في الضفة والداخل المحتل تتسم بالتنظيم والتخطيط العالي، عن طريق فرض منطقة الصراع الخاص بهم والوقت الذي يناسبهم، والتي كان آخرها عملية طعن نفذها مقاومون عند مدخل مستوطنة أريئيل شمال الضفة.
ولم تقف المقاومة عند هذا الحد، بل سعت لتوصل بنفسها رسائل من نوع مختلف، عبر استخدام سلاح الجو –صواريخ Strela-2 سوفيتيية الصنع والتي استخدمتها للمرة الأولى ضد الطائرات الإسرائيلية خلال الحرب على غزة عام 2012- في التصدي لطائرات العدو، أو عبر تجارب صاروخية نحو البحر، أرادت من خلالها أن تقول للاحتلال أن لديها فائض صواريخ، وأنها لن تتردد في أن تكون وجهتها المقبلة نحو المدن الصهيونيّة وليس باتجاه البحر، وأنّ إصبع المقاومة على الزناد.
الائتلاف يعاني
مع ازدياد عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، ومع التطورات الدوليّة والإقليميّة الأخيرة كان لا بد لكل هذه العوامل أن تؤدي إلى نتائج سياسيّة ملموسة، وهو ما بدأت تظهر ملامحه من خلال اشتداد الأزمة السياسية داخل الكيان نفسه، بعد أن بدأت المؤشرات الجدية على وجود خلل في الحكومة الحالية التي فقدت الأغلبية مؤخراً في الكنيست الذي قد يجري حلّه ليتجه الكيان إلى انتخابات جديدة.
وجاء في تقرير لنيري زيلبر في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانيّة، بعنوان "الائتلاف الإسرائيلي يعاني من ضغوط من جراء الهجمات والانشقاقات المفاجئة" أنّ الحكومة الائتلافية برئاسة رئيس الوزراء الصهيوني نفتالي بينيت "تواجه التحدي الأكبر لها الآن في ظل الضغوط المشتركة لموجة الهجمات والفقدان المفاجئ للأغلبية البرلمانية"، ووفقاً للكاتب فإنّه على الرغم من أنّ الكيان الصهيوني يواجه أخطر تصعيد في الهجمات منذ نحو ست سنوات، إلا أنه لا علاقة بين العمليات الفلسطينية والأزمة السياسية داخله، "لكن كلاهما يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الائتلاف (الإسرائيلي) الهش وهو يكافح من أجل الحفاظ على تماسكه، مع وجود احتمال حقيقي، وفقاً للمحللين، لإجراء انتخابات مبكرة في المستقبل القريب".
إن غادرنا أو بقينا ... لن يكون لنا مستقبل
يقول الفيلسوف الأمريكي-(الإسرائيلي) ميكا غودمان في أحدث كتاب له بعنوان:Catch 67، والذي صدر في العام 2017 في ذكرى مرور 50 عاماُ على حرب 1967، وتناول بشكل سياسي فلسفي المعضلة الصهيونية والتي تتمثل في احتلال أراضي 67 والجدل الذي ثار بين (اليمين) و(اليسار) بخصوص الحل النهائي بشأنها، "يشعر معظم (الإسرائيليين) أنه إذا بقينا في الضفة الغربية، فلن يكون لنا مستقبل وإذا غادرنا الضفة الغربية، فلن يكون لنا مستقبل".
ويعتقد غودمان بأنّه لن تتمكن أيّة حكومة صهيونيّة، سواء كانت (يمينيّة) أو (يساريّة)، من الدخول في عملية السلام، وإذا كان الكيان غير قادر على الدخول في مفاوضات سلام، سواء على أساس قراءات تلمودية منحازة أو بحجة الأمن وفقاً للكاتب، فمن المستحيل على كيان الاحتلال ضمان وجوده الدائم في المنطقة.
ومع ذلك فإنّه يظل مسؤولاً عن إراقة الدماء وهدم المنازل واقتحام الأماكن الدينية، كما أنه لا ينفي مسؤولية "إسرائيل" بموجب القانون الدولي عن حماية حقوق الإنسان للفلسطينيين، والتي تتناقض بشكل كامل مع سلوكه العنيف والاستفزازي تجاه المسجد الأقصى في حرمته الشديدة لجميع المسلمين، كما يذكر غودمان.
نضال هادر
هذه الأحداث مجتمعة تؤكد على أنّ موجة النضال الهادر التي يقودها الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يثني عزيمتها تصعيد العدو مهما أطلق عليها من تسميات، فقوة الموجة الحالية فرضت نفسها على الجميع ما جعل الكيان بوضع المرتبك والمُتخبط، رغم رهانه على تخاذل سلطة أوسلو والانقسام الفصائلي، إلا أنّ البيئة الفلسطينية الحالية تشكّل حاضنة لهذه الموجة ورافعة لها، ومؤكدةً على أنّها قد تجاوزت ومنذ زمن أوسلو وسلطته وما أنتجته من انقسام، وعلى تمسكها بكل الوسائل المشروعة لتحرير كامل البلاد.