لماذا يريد الغرب من بكين الالتزام بالعقوبات ضد موسكو؟
ما إنْ بدأ يرتفع الصوت الأمريكي متوعّداً روسيا بأقسى العقوبات الاقتصادية على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حتى اتضح المستوى غير المسبوق من الضغط الأمريكي على الحلفاء الأوروبيين للالتزام بالعقوبات. وهو أمر طبيعي بالنظر إلى المحاولات الأمريكية المتواصلة لتدفيع الحلفاء فاتورة المواجهة مع الخصوم الاستراتيجيين لواشنطن، لكن الملفت في السلوك الأمريكي هو اتجاهه مؤخراً للضغط على بكين للالتزام بالعقوبات ضد موسكو.
آخر هذه الخطوات الأمريكية تمثلت بـ«تحذير» مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، الصين من أنّ «أي تحركات من جانب الصين أو غيرها لتوفير شريان حياة لروسيا، أو مساعدتها في التهرب من العقوبات الغربية، ستكون لها عواقب قطعاً». بدوره، لفت وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف أنّ بلاده تحتفظ بجزء من احتياطيّاتها من الذهب والعملات الأجنبية بالعملة الصينية اليوان، مؤكداً أن موسكو ترى مقدار الضغط الذي تمارسه الدول الغربية على الصين للحدّ من التجارة بين البلدين، حيث هنالك ضغط من أجل الحدّ من وصول موسكو إلى هذه الاحتياطيات.
وسرعان ما جاء الرد على لسان وزارة الخارجية الصينية التي أعلنت أنّ «الصين وروسيا ستواصلان التعاون التجاري الطبيعي بروح الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة». وألحقت هذا الرد بفعلٍ مباشر تمثّل بإعلان الجمارك الصينية رفع قيود استيراد القمح الروسي، في خطوة من شأنها أنْ تبيّن حجم التأثير الغربي الحقيقي الممكن إلحاقه بموسكو، وإيضاح مقدار عدم فعالية العقوبات الغربية.
وفي الواقع، لا يحتاج المرء إلى عناءٍ طويل للوقوف عند أسباب وخلفيات المحاولة الأمريكية لإشراك الصين بالعقوبات على روسيا، حيث تكفي نظرة على أرقام التبادل التجاري بين موسكو وبكين لإيضاح مغزى السلوك الأمريكي.
واستناداً إلى بيانات ما قبل جائحة كورونا في عام 2019، تعدُّ الصين أكبر شريك تجاري لروسيا، حيث تمثل حوالي 14% من صادرات روسيا و19% من وارداتها. وهو ما يعني أن إلحاق أذى حقيقي بالاقتصاد الروسي لا يمكن أن يكون فعّالاً بشكلٍ حاسم إلا بضمان مشاركة الصين، حيث سيظل أمام موسكو الفرصة لإيجاد بدائل طالما أن علاقتها مع الصين قائمة. وبكلامٍ آخر، يحاول الغرب الذي يعي أن مقدار تأثيره على الاقتصاد الروسي سيكون محدوداً، زجّ الصين في العقوبات ضد موسكو أولاً من أجل رفع مستوى فعالية العقوبات، وثانياً محاولة الضغط على الصين ذاتها التي لا تزال مرتبطة بالنظام المالي العالمي والتعويل على أن معاكستها الصريحة للعقوبات من الممكن أن يسبب لها بعض الإرباك، ولا سيّما أنها تملك أكبر احتياطيات عالمية بالنقد الأجنبي في العالم.
رغم ذلك، لا تزال تتصاعد مؤشرات العزم الصيني على الوقوف إلى جانب موسكو. ففي اللقاء الذي جمع الرئيسَين الصيني، شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين في بكين بداية شهر شباط الماضي، أعلن قادة البلدين أنّ «الصداقة بينهما لا حدود لها، وليست هناك منطقة محظورة للتعاون»، وفوق ذلك جرى توقيع عقد بين الجانبين مدته 30 عاماً لتزويد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب جديد ضمن شراكة طاقية متنامية، وهو ما شكّل الأرضية للصلابة التي يبديها الجانبان الصيني والروسي مؤخراً في الرد على التحذيرات الغربية من التعاون المشترك.