الصين وإيران والشراكة الاستراتيجية المتنامية
كان هناك تحوّل ملحوظ في ميزان القوى العالمي، في الوقت الذي كثّفت فيه الولايات المتحدة مؤخراً محاولاتها لاستعادة السيطرة على العالم، بما في ذلك من خلال العقوبات ضدّ الدول التي تحاول إثبات استقلالها عن واشنطن. ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد محاولة بكين إنشاء عالم متعدد الأقطاب قائم على تحالف مع الدول التي شعرت بالفعل بالضغط من واشنطن، ولا سيما إيران.
ترجمة : قاسيون
في الشرق الأوسط، تعتبر إيران الدولة الوحيدة تقريباً التي تشكل تهديداً خطيراً على الهيمنة الأمريكية. تتعدد اتهامات واشنطن لإيران في السنوات الأخيرة وتشمل «رعاية الإرهاب»، و«انتهاك حقوق الإنسان»، والميل لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، ودعم المتمردين المناهضين للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وسورية، وبناء أسلحة نووية... إلخ.
لسنوات الآن، عانت إيران من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، والتي أثرت إلى حدّ كبير على مصالح دول مثل روسيا والصين والهند وتركيا، والتي تتمتع جميعها بعلاقات مالية وتجارية طويلة الأمد مع إيران. كان الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة هو وقف التعاون الاقتصادي بين هذه الدول وإيران، وخاصة الصين.
ضمن هذا السياق ذاته، أصبحت إيران تعتمد في السنوات الأخيرة بشكل متزايد على الصين من الناحية الاقتصادية والدبلوماسية، وعسكرياً إلى حدّ ما، ممّا يوفر لبكين فرصة فريدة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وكذلك تحويل جزء كبير من البحرية الأمريكية بعيداً عن المحيط الهادئ.
ضدّ الولايات المتحدة وأبعد...
من منظور بكين، أصبحت إيران شريكاً وحليفاً استراتيجياً تتزايد أهميته في الصراع ضدّ الولايات المتحدة، وكذلك كسوق متنامٍ للمنتجات الصينية، ومصدر هائل لاحتياطيات النفط والغاز التي تحتاجها الصين بشدة لضمان مواصلة تطوُّرها. علاوة على ذلك، لم يكن للصين مطلقاً – على عكس القوى العظمى الأخرى – شروط على إيران. فقد بدأت بكين بتزويد إيران بتكنولوجيا لم تقم ببيعها لبقيّة العالم، متجاهلة كلّ المزاعم والخطوط الحمر الأمريكية.
في مواجهة العقوبات الدولية، حُرمت إيران من الوصول إلى رأس المال الأجنبي والقدرة على تطوير قطاع الطاقة المتقلص. نتيجة لذلك، أصبحت إيران تعتمد إلى حدّ كبير على الصين باعتبارها الحامي الدبلوماسي والاقتصادي الرئيسي للنظام في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية. خلق هذا بين بكين وطهران شراكة استراتيجية مهمة.
وصلت العلاقة بين الصين وإيران إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ما أدّى إلى توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية في 27 آذار 2021 ستكون سارية لمدة 25 عاماً. الجدير بالذكر أنّ هذه الاتفاقية لم تكن وليدة ساعتها، بل بقيت تنضج لمدّة خمسة أعوام منذ 2016 أثناء زيارة شي جين بينغ لطهران.
بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، حصلت الصين على خصم على النفط الإيراني، وستستثمر في المقابل 400 مليار دولار في مشاريع مختلفة في إيران. في هذا السياق، من الجدير بالذكر أنّه في حين كانت إيران «تتلقى» استثمارات من جميع أنحاء العالم لا تزيد قيمتها عن 5 مليارات دولار سنوياً، فإنّها تحصل الآن على 16 مليار دولار من الصين وحدها، وهي «حقنة» مالية ضخمة في الاقتصاد الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، فإيران باحتياطياتها الوفيرة من الهيدروكربون، مهتمة بسوق موثوق به وشريك تجاري مستقر، وتحتاج إلى التكنولوجيا والاستثمار. لقد وجدت كلّ ذلك لدى الصين التي تحتاج بدورها إلى إمدادات ثابتة من الهيدروكربون المستورد، وهو «محرّك اقتصادها».
كسر القلم الأمريكي
يجب على المرء أيضاً أن يضع في اعتباره بأنّ الصين بالنسبة لإيران حليفٌ محتمل ضدّ «عدوّها» الرئيسي – الولايات المتحدة - نظراً لأنّ معارضة «الهيمنة» الأمريكية هي ركيزة أساسية في السياسة الإيرانية. فالصين وإيران تعرفان «خطّ وأسلوب» كتابة خصمهما الجيوسياسي: شرطي العالم الولايات المتحدة.
فهذا الخطّ هو نفسه الذي حاول حمل الثورة «المخملية» إلى ميدان تيانمين في 1989، ورمى قنبلة دقيقة التوجيه «بالخطأ» لتدمير السفارة الصينية في بلغراد في 1999، وهو كذلك الذي حاول زعزعة استقرار هونغ كونغ في 2014 و2019، واستقرار شينغ يانغ، ومحاولة فصل تايوان عن بكين.
تتذكر إيران بدورها «الدمقرطة على الطريقة الأمريكية» مع الغزو الأمريكي والحرب في أفغانستان عام 2001، والعراق في 2003، وليبيا 2011. وكذلك تتذكر موقف الولايات المتحدة من الحرب العراقية-الإيرانية.
لا شكّ أنّ الصين وإيران تشتركان في مصالح مشتركة في المجال العسكري أيضاً، ممّا قد يغيّر التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وهذا ما أكده المرشد الأعلى الإيراني في 2020 عند توسيع الاتفاقية الحالية، لتشمل عناصر عسكرية جديدة اقترحتها شخصيات بارزة في الحرس الثوري الإيراني ووكالة المخابرات، بما في ذلك التعاون الجوي والبحري.
أعربت الولايات المتحدة وبعض أقرب حلفائها عن قلقهم من الاتفاقية الثنائية. وقد وصفها بلينكن بأنها: أعظم اختبار جيوسياسي في العالم.
لذلك فليس من المستغرب أن تُبغض واشنطن الانتقال إلى مستوى نوعي جديد في العلاقات بين طهران وبكين، كما هو الحال بالفعل في العلاقات بين طهران وموسكو، والتي تتطور بشكل ديناميكي تماماً في العديد من المجالات، كما يتضح بشكل خاص من خلال نتائج اللقاء الشخصي بين رئيسي روسيا وإيران الذي عُقد في موسكو في 19 كانون الثاني.
بتصرّف عن:
China-Iran Strategic Cooperation Changes the Balance of Power