تراجع فعالية اللقاحات والمنافسة الغربية غير الشريفة

تراجع فعالية اللقاحات والمنافسة الغربية غير الشريفة

تتراجع فعّالية جميع لقاحات كوفيد-19 مع الزمن، ولكنْ ما أثار استغراب الكثيرين التراجع الأشدّ والأسرع للّقاحات الغربية مقارنةً باللقاحات الروسية تحديداً (وفق عدة دراسات يستعرضها التقرير الحالي)، وسط منافسة غير شريفة يمارسها عددٌ من سياسيّو الغرب وشركاته منذ 2020، بدءاً من الحملات الباكرة للشيطنة والتسييس، مروراً بالضغوط على البلدان ومنظمة الصحة العالمية لعرقلة الترخيص، وصولاً لتضخيم نتائج دراسات ضعيفة علمياً كما سنرى. مستجدات فعالية اللقاحات التي كشفتها المتحورات الجديدة (وخاصة دلتا وأوميكرون) وطريقة التعامل الإعلامي وحتى الأكاديمي معها، تقدّم أدلةً إضافية على النظرية العامّة المتعلّقة بأزمة التراجع العلمي والأخلاقي للحضارة الغربية مقابل صعود قوى العالَم الجديد.

التفوّق النسبي لسبوتنيك

  • أكّدت دراسة لمعهد فرانكفورت الألماني، في 13/12، بأنّ التطعيم بسبوتنيك لايت كجرعة معزّزة يشكّل أضداد محيّدة لأوميكرن بنسبة 100% بعد حوالي 3 أشهر، مقابل تحييد بنسبة 25% فقط باستخدام جرعة معززة من فايزر خلال الفترة نفسها.
  • أظهرت بيانات مدينة موسكو أنّ لقاح «سبوتنيك لايت» له فعالية 70% ضد عدوى المتحور «دلتا» خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد التطعيم، و75% لدى الأعمار الأصغر من 60 عاماً (وفقاً لمركز غاماليا).
  • وفق دراسة لمركز غاماليا في 21/12: رغم الانخفاض النسبي لفعالية لقاح سبوتنيك V تجاه أوميكرون (على مقياس مستوى الأضداد المحيّدة للفيروس) ولكن كان ذلك بدرجة أقلّ بكثير من انخفاض فعالية باقي اللقاحات، وبالتالي يبقى متفوقاً عليها وفق النتائج الأولية: ففي حين نقصت فعالية الأضداد المحيّدة لأوميكرون المحرَّضَة بسبوتنيك V بمقدار 11.8 مرة فقط (وفق دراسة غاماليا)، هبطت فعالية نظيراتها بلقاح فايزر 41 مرة (وفق دراسة معهد البحث الصحي الإفريقي المنشورة بتاريخ 7/11)، وهبطت لموديرنا ما بين 49–84 مرة (وفق دراسة مشتركة منشورة في 15/11 لعدة معاهد أمريكية ساهمت فيها شركة موديرنا نفسها).
  • تصل الفعالية الإجمالية ضد أوميكرون الناتجة عن استخدام سبوتنيك لايت بعد 2–3 أشهر من إعطائه كمعزز بعد 6 أشهر من جرعتي سبوتنيك V إلى أكثر من 80% (وفق مركز غاماليا).
  • كمؤشر على الحماية الأطول التي يقدمّها اللقاح الروسي ضدّ أوميكرون، استخدمت دراسة غاماليا «على سبوتنيك V» عيّنات دم من أشخاص بعد أكثر من 6 أشهر من التطعيم الكامل، في حين لم تتجاوز مدة الفعالية التي درستها العيّنات الغربية بعد التطعيم الشهر الواحد للقاحَين الأمريكيين (بين 12-27 يوماً لفايزر/بيونتك، و28 يوماً لموديرنا).

 

تراجع اللقاحات الغربية قبل «أوميكرون»

  • «عندما حصل لقاح فايزر على الترخيص، لم تكن هناك أيّة بيانات عمّا ستكون عليه فعاليته بعد شهرين من التطعيم» (وفق تأكيد إحدى الدراسات الغربية).
  • «انخفضت فعالية فايزر وموديرنا إلى 53% بعد 4 أشهر من التطعيم الكامل عندما كان المتحور دلتا مهيمناً» (وفق دراسة على أكثر من 3 ملايين شخص بين 8/8/2021 و 14/12/2020.)
  • تراجعت فعالية فايزر وموديرنا إلى أقل من 29% بعد 6 أشهر من التطعيم الكامل (وفق دراسة أخرى).
  • بالمقابل أظهرت لقاحات سبوتنيك تحريضها مناعة قوية (وخاصةً مناعة الخلايا التائية) بنسبة 80% تدوم حتى 6 إلى 8 أشهر بعد التطعيم الكامل (وفق دراسة لمعهد غاماليا).

هذا يعني أنّ التوصية بجرعة معززة كان أمراً لا بدّ منه بكل الأحوال، حتى قبل ظهور «أوميكرون»، لأنّ انخفاض الفعالية إلى أقل من 50% يصبح غير مقبول بمعايير منظمة الصحة العالمية.

 

دراسات كبيرة بعد ظهور «أوميكرون»

أكدت دراسات غربية كبيرة على الحاجة إلى جرعات معززة بسبب:

  • انخفاض فعالية لقاح أسترازينيكا لتصبح «مهملة» بعد 3 أشهر و3 أسابيع (15 أسبوعًا) من التطعيم الكامل ضدّ كوفيد سواء بالمتحوّر دلتا أو أوميكرون[1].
  • انخفاض فعالية لقاح فايزر/بيونتك (الأمريكي-الألماني) تجاه العدوى من 80% في موجة المتحور السابق «دلتا» لتصبح فقط 33% في موجة «أوميكرون»[2].
  • «انعدام فعالية موديرنا ضد أعراض أوميكرون إلى الصفر بعد 5–6 أشهر من الجرعة الثانية» وحتى قبل ذلك «انخفضت إلى 50% خلال 2–4 أسابيع بعد الجرعة الثانية»[3].

 

تنافس «غير شريف»

ينقلب التنافس بالإنتاج العلمي والتقني من ظاهرة صحّية إلى أمر سيّئ عندما يقوم بعض الخصوم بتضليل الناس أو التلاعب بتصميم دراساتهم أو التجاهل المتعمّد لعيوبها ومحدوديّاتها، لمحاولة كسب معركة «إعلامية» أو «اقتصادية» أو «جيوسياسية» على منافسيهم عبر الغشّ، بدل الفوز فيها بجدارة وموضوعية.

ولم يخلُ الأمر من حملة غربيّة ضد اللقاحات الروسية تحديداً والصينية بدرجة أقل، لم تقتصر هذه المرة على الجانب الإعلامي، كما حصل عام 2020، بل وصل إلى توريط مؤسسات علمية وأكاديمية غربية بمخالفات مكشوفة لبعض المعايير العلمية والأخلاقية المهمّة المعروفة جيداً في المنشورات الأكاديمية، والتي كان يفترض ألّا تقع بها.

وبرزت من هذا النوع دراسة مشتركة بين جامعة واشنطن وشركة «هومباس بيوميد» السويسرية، التي قارنت فعالية 6 لقاحات عالمية ضد «أوميكرون» ومن بينها الروسي، ولكنها تجاهلت أن تذكر في ورقتها أية إشارة إلى «محدوديات الدراسة» limitations بمعنى عيوبها أو قصوراتها المحتملة في النتائج، وخاصةً بأنّها عمّمت بشكلٍ غير نقدي «انعدام الفعالية» الظاهري للقاح «سبوتنيك V» ضد أوميكرون استناداً إلى عدم ظهور الأضداد المناعية المحيّدة للمتحوّر في دماء عيّنة صغيرة جداً (11 شخص فقط) من بين كل المطعّمين بسبوتنيك V، في مقابل اختيارها مثلاً (42 شخصاً) كحجم لعينة الملقحين بفايزر والتي تبقى صغيرة مع ذلك أيضاً. ولم يطرح الباحثون ولو على سبيل الفرضية أسباباً أخرى محتملة لنتائجهم التي يفترض أن تولّد الشك لدى أيّ باحث موضوعي، وتثير التساؤل هل كانوا يا ترى سيغضّون النظر نفسه أيضاً فيما لو تصادف مثلاً أنْ ظهرت «نتائج صفرية» مماثلة لعيِّنة المطعّمين بلقاح فايزر أو موديرنا؟ أم كانوا سيحاولون تغيير العينة وتوسيعها؟ أو على الأقل الإشارة عندئذٍ إلى أنه توجد في دراستهم «محدوديّة» تتعلق بصغر العيّنات.

بالمقابل نجد أنّ دراسة مركز غاماليا الروسي قد التزمت بتقاليد الأمانة العلمية والأخلاقية السليمة بالإشارة إلى أن نتائجها «أوّلية» وأقرّت بوضوح بوجود المحدوديات فقالت:

«تحتوي هذه الدراسة على عدة محدوديات: 1- العدد الصغير نسبيًا للعينات المختبرة، والتي قد لا تعكس نطاق الأجسام المضادة المحيِّدة في مجموعات مختلفة من اللقاحات، 2- بيانات محدودة عن الديناميكيات بمرور الوقت لتحييد الأجسام المضادة لمتغير أوميكرون بعد التطعيم وإعادة التطعيم».

لذلك كان المعهد الروسي محقاً بانتقاده لعيوب الدراسة الأمريكية-السويدية وتجاهلها لصغر عيِّناتها وخاصةً أنَّ العينة الأصغر (11 شخص) كانت تحديداً للقاح الروسي، مما يزيد احتمال أن تكون «غير ممثّلة» للواقع، معتبراً تصرّف المشرفين على الدراسة «متعمّداً».

 

ماذا عن اللقاحات الصينية والكوبية؟

  • في 14/12 أعلنت جامعة هونغ كونغ HKU بأنها قامت بدراسة حول فعالية فايزر وسينوفاك ضد أوميكرون، خلصت إلى «عدم كفاية جرعتين» سواء من فايزر أو سينوفاك. ثم في 23/12 نشرت الجامعة نفسها بياناً عن دراسة ثانية ولكن هذه المرة قالت إنها أظهرت أنّ الجرعة الثالثة من فايزر تعطي مستويات أضداد واقية كافية (سواء كانت مسبوقة بجرعتين من سينوفاك أو فايزر) في حين أن الجرعة الثالثة من سينوفاك «لا تعطي مستويات أضداد كافية ضد أوميكرون»، ولكن بخلاف البيان الصحفي للدراسة الأولى لم يرفق الموقع للأسف أي رابط أو إحالة إلى توثيق الورقة العلمية الكاملة للدراسة، مع أنّ هذا كان مهمّاً جداً ولا سيّما أنّ هذا البيان الثاني تحديداً لجامعة هونغ كونغ تناقلته وسائل الإعلام الغربية بشراهة أكثر من الأول لأنه يتحدّث عن «ضعف اللقاح الصيني» أمام اللقاح الأمريكي.
  • بدورها صرحت شركة سينوفارم الصينية: «نعمل على تصميم لقاحات نوعية خاصة بأوميكرون وعبر ثلاثة مسارات تكنولوجية مختلفة».
  • أما بالنسبة للقاحات الكوبية فأشار مجموعة من العلماء الكوبيّين في رسالة جوابية للمجلة الطبية البريطانية BMJ بتاريخ 15/12/2021 إلى أنّ «فعالية اللقاحات الكوبية ضد أوميكرون ستُعرَف قريبًا لأن تقييم قدرة مصل أولئك الذين تم تطعيمهم بها ضد المتحوّر الجديد يتطلب موارد ونحن نعمل على تأمينها» وأنهم «يستعدّون قبل نهاية العام 2021 لإنتاج لقاح مضاد لأوميكرون»، ولكن العام انتهى ولم يظهر لقاح كوبيّ جديد، ومع ذلك أشارت رسالة العلماء الكوبيين نفسها إلى أنه حتى ذلك الوقت كانت كوبا قد لقّحت %95.7 من سكّانها (بمن فيهم الأطفال بعمر السنتين فصاعداً) بلقاحاتها الوطنية ضد كوفيد: لقاح «عبد الله» و«السيادة2» و«السيادة بلس» إضافة إلى 685,324 شخصاً حصلوا على جرعات إضافية معزّزة معظمهم ينتمون إلى فئات عالية الخطورة صحّياً أو جغرافياً.

 

اللقاحات مهمّة لكنها ليست الحلّ لوحدها

من المفيد أن نورد ما ختم به العلماء الكوبيّون رسالتهم المذكورة أعلاه، حيث قالوا: «لكن اللقاحات وحدها لن تخرج أيّة دولة من هذه الأزمة، حيث يجب التعامل مع انتقال الفيروس بوسائل أخرى، بما في ذلك استخدام الكمّامات وتجنّب الأماكن المزدحمة، والتهوية الجيدة ونظافة اليدين...». ورغم تأكيد عدة دراسات بأنّ المتحوّر أوميكرون حسب البيانات المتوافرة حتى الآن أقلّ خطورة من أسلافه، ولكنّه ما زال على أية حال يسبب مرض كوفيد-19 بشدة معيّنة قد تسوء لدى فئات كثيرة من الناس ضعيفي المناعة أو ذوي الأمراض المزمنة المرافقة، ولذلك يبقى واجباً الحذر والحيطة، ويخشى الأطباء من استهانة الناس بذلك فأكّدوا برسالتهم ما يلي: «يفكّر الناس في أنّ متغير أوميكرون مرتبط بحالات أقل خطورة، لكننا تعلّمنا من قبل أن التقليل من أهمية هذا الفيروس أمر خطير. هذا هو السبب في أنَّ استخدام الكمّامات في كوبا إلزامي».

 

بعض المصادر:

[1] دراسة على 188000 شخص في 14/12 لباحثين من وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة، وجامعتي أكسفورد وإمبريال كوليدج لندن.

[2] دراسة في 14/12/2021 لـ«مجلس البحث الطبي» التابع للدولة في جنوب إفريقيا (SAMRC) وأكبر شركة تأمين صحّي خاصة في البلاد «ديسكفري هيلث» (DH) على 211000 عينة اختبار إيجابية.

[3] دراسة على 68,489 حالة أوميكرون و147,597 حالة دلتا، نشرتها «وكالة الأمن الصحي» البريطانية UKHSA بتاريخ 23/12.

آخر تعديل على الأربعاء, 05 كانون2/يناير 2022 19:54