شعب واحد... مرض واحد
إنّ وصف الكَثرة لم يعد يُصاحب الأزمات التي تأتي دفعة واحدة على السوريّ، بل باتت تُعبِّر أيضاً عن أنّ مواطننا ليس وحيداً حتى بجملة أزماته، فهي أضحت تصيب شعباً بأكمله.
ظنّ أهالي حلب ومعهم عموم السوريين أنّ الشتاء الفائت كان تجربتَهم الأصعب على الإطلاق، وفقاً لما عاشوه من أزمات اقتصاديّة خانقة، وخصوصاً فيما يتعلق بالوقود والكهرباء، وقضوا أياماً طويلة في انتظار الحصول على ما يُعينهم على تدفئة منازلهم، إلا أنّ أملهم قد تبدّد مع بداية فصل الشتاء الحالي، وأنهم على موعدٍ مع شتاءٍ قاسٍ آخر.
مع دخول فصل الشتاء رسمياً أو كما اعتاد أهل حلب تسميته «المربعينيّة»، وصلت درجات الحرارة مع بدايتها لحدود 2 تحت الصفر، وذلك بالتوازي مع انعدام وسائل التدفئة سواء كان ذلك من خلال حصص المازوت التي تحدَّثت الأرقام الرسمية عن نسبة توزيعها التي تُقدَّر بـ 55% في المحافظة إلا أنها وفقاً للواقع أقل من ذلك بكثير، أو كان من خلال وضع الكهرباء الكارثي بساعات انقطاع تصل حتى 16 ساعة يومياً، ما دفع البعض للاعتماد على المدافئ التي تعمل على الأمبير مُضحّين بإنارة المنزل، أما البعض الآخر فقد اعتمد على الحطب ولبّ الزيتون مع ما تيسر من ألبسة وأحذية قديمة وبلاستيك للحرق في سبيل الحصول على الحد الأدنى من الدفء، إلا أنّ هذه الخيارات مع ارتفاع أسعارها أضحت بعيدة المنال، ولتبقى التدفئة الذاتية عبر ارتداء ما أمكن من خزانة الملابس خيار المواطن الوحيد لردع البرد القارص ولو بالحد الأدنى.
حيث إنّ انعدام التدفئة والتعرض المستمر لدرجات الحرارة المنخفضة أدَّيا لانتشار مرض «الشَّرَث» أو ما بات يعرف باللهجة العاميّة «الأمطلس» بشكل كبير بين الناس، وهو حالة تصيب نهايات الأطراف كرؤوس أصابع اليدين والقدمين أو ذروة الأنف والأذنين بعد عدة ساعات من التعرض للبرد، تتظاهر باحمرار مُوَضَّع في المكان المصاب ثم تحدث الوذمة والحكة خاصة عند تدفئة الطرف المصاب، وقد تتطور بعد عدة أيام من التعرض المتكرر للبرد إلى آفات عقيدية صغيرة زرقاء ملتهبة مؤلمة متقرحة.
إنّ حصص النهب والفساد ما زالت محميّة ومصانة بقرارات أقل ما يُقال عنها أنّها مُجرمة، مع ما يقابلها من عمليات التآكل المستمرة لأكثر حاجات المواطن أساسيّةً، وتقليصها للحد الذي تنتفي معه الحياة الإنسانيّة واستحالة إعادة إنتاج الحياة معها.