قمة بايدن اختبار صعب لواشنطن!

قمة بايدن اختبار صعب لواشنطن!

أثارت «قمة الديموقراطية» التي نظَّمها ودعا لها الرئيس الأمريكي جو بايدن تساؤلات كثيرة، فالقمة التي جرى عقدها عبر الفيديو في يومي 9-10 من شهر كانون الأول الجاري لم تكن واضحة الأهداف تماماً، وشكّلت بعد انتهائها مادة دسمة للنقاش على أصعدة مختلفة أبرزها هو تبيان الهدف السياسي لخطوة واشنطن هذه.

تقوم الأجندة التي صاغتها الإدارة الأمريكية لهذه القمة على فكرة إنشاء آلية عمل بهدف «معالجة وتطوير الديمقراطية» في البلدان المشاركة، وتطلق القمة صافرة البداية لما أسمته «عام العمل» الذي ستقوم الدول المشاركة في أثنائه بخطوات ملموسة لـ «تحسين الواقع الديمقراطي» في أراضيها. ويتيح الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية كل الوثائق المتعلقة بهذه القمة بالإضافة إلى خطواتها اللاحقة. ونظراً لأن معظم السياسيين لا يصدقون قصص الأطفال هذه، كان لا بد للبحث عن ما هي أهداف واشنطن السياسية لعقد هذه القمة وفي هذا الوقت بالذات؟!

 

واشنطن = الديموقراطية!

يعلم معظم المراقبين أنّ استخدام مصطلح «الديمقراطية» في السياسة الخارجية الأمريكية كان يحمل معنىً واحداً دائماً، وهو درجة تطابق سياسة ما مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ومع المعايير التي ترى واشنطن فيها ما يخدم استراتيجيتها في العالم، ولذلك قسمت واشنطن في خطابها دول العالم إلى «دولٍ ديمقراطية» و«دولٍ استبدادية». ويتذكر كثيرون أن بعض الدول كانت تقفز من «قائمة الاستبداد» إلى «قائمة الديمقراطية» أو العكس حسب مصلحة واشنطن في لحظة معينة، بل والأكثر من ذلك أن «ختم الديمقراطية» جرى استخدامه كأداة للابتزاز من قبل واشنطن لدفع الدول في اتجاه محدد. على الرغم من أنّ ما سبق لا يحمل معلومات جديدة إلا أنه مقدمة ضرورية لإنعاش الذاكرة قبل الحديث عن «قمة الديمقراطية» الجديدة، التي تحاول واشنطن من خلالها إيجاد إطار دائم للدول المشاركة مما يسمح لواشنطن بالتأثير بشكل أكبر في سياساتها الداخلية والخارجية، ولكن الغرض الأساسي هو أن يلعب هذا الإطار المفترض دوراً في التضييق على روسيا والصين، وأن يشكل إطاراً داعماً لسلوك واشنطن على حدودهما، وساحة إضافية للضغط على الدول المتحالفة معهما.

 

قائمة المدعوين

شكّلت قائمة المدعوين الموضوع الأبرز في الصحافة الغربية، فالعديد من المقالات المنشورة حول الموضوع تشير إلى حجم التناقض الموجود فيها، فيرى كثيرون أن واشنطن لا تعتمد معياراً واضحاً لتحديد البلدان المدعوة والمستبعَدة، وشكّل هذا الاستنتاج البديهي صدمة كبرى، فمراكز الأبحاث الغربية والتي تنشغل بوضع المعايير لتحديد «مدى ديمقراطية» البلدان وجدت أن واشنطن استبعدت بلداناً ذات تقييم جيد ووضعت دولاً أخرى تراها مراكز الأبحاث الغربية بعيدة عن الديمقراطية، مما دفع معظم المقالات للاستنتاج أن المعيار الأمريكي المتبع هو مصالح واشنطن واعتباراتها السياسية. وعلى الرغم من بديهية هذا الاستنتاج، لا ضير من ذكر بعض تفاصيل هذه القائمة، التي استبعدت مجموعة من البلدان المؤثرة على الساحة العالمية مثل روسيا والصين، بالإضافة إلى استبعاد دولٍ أخرى مثل تركيا وإيران والمجر وفنزويلا ومعظم دول الشرق الأوسط، فواشنطن رأت أن الكيان الصهيوني العنصري والعراق يستحقون الدعوة في الوقت الذي استبعدت فيه دولاً كانت تحسب ضمن حلفاءها لوقت طويل كالإمارات والسعودية وكافة دول الخليج بالإضافة إلى المملكة الأردنية. والأكثر طرافة أن بعض المصادر الغربية شككت بأهلية واشنطن نفسها لاستضافة قمة للديمقراطية وخصوصاً أنها تراجعت بشكلٍ ملحوظة حتى بالنسبة لمقاييس الديموقراطية الغربية!

 

قائمة المدعوين في نظرة أعمق

إن كنا نتفق على أن واشنطن اعتمدت معايير مزدوجة في توجيه دعواتها، ينبغي التنبيه أيضاً إلى أنها حرصت على أنْ يغذي توجيه الدعوة أو عدمه تثبيتَ حالة الانقسام العالمية، بل سعت أكثر من ذلك إلى الحفاظ على التوترات الإقليمية أو حتى تغذيتها، فتوجيه واشنطن دعوة لتايون لحضور المؤتمر كان استفزازاً لبكين التي ترى – مدعومة بالأمم المتحدة والقانون الدولي –  أن تايوان جزءٌ من أراضيها، وكذلك الأمر بالنسبة لتوجيه دعوة للهند مع غياب الصين، أتى استكمالاً لمحاولات واشنطن الحثيثة إبعاد نيودلهي عن بكين وموسكو وتغذية الخلافات الهندية-الصينية على الرغم من المخاطر التي قد تنتج عن مواجهة بهذا الحجم! ولا يختلف الوضع في أوروبا أبداً، حيث جرى استبعاد تركيا التي لا تزال عضواً في حلف الناتو كخطوة لاستفزاز أنقرة وتعميق حالة الشرخ الحاصلة بينها وبين الدول الأوروبية. وجرى توجيه دعوة لأوكرانيا واستبعاد بيلاروسيا في إشارة واضحة لدور واشنطن على حدود روسيا… الأمثلة كثيرة وتختلف باختلاف موقف واشنطن مما يجري في كل إقليم على حدة، ففي منطقتنا تُعتبر دعوة الكيان الصهيوني المثالَ الواضح لمعايير واشنطن في توجيه دعواتها!

 

خطوة متعثرة

قائمة المشاركين التي تعّدت 100 وضمت منظمات وجهات غير حكومية وشركات إلى جانب 77 دولة (كان ضمنها 30 دولة يقل عدد سكانها عن مليون نسمة) تعبّر جزئياً عن قدرة واشنطن المحدودة والمتناقصة على حشد المناصرين، ولا تتعدى الخطوة كونها محاولة بائسة لتغيير الأحداث على المسرح العالمي، بل إن محاولة  واشنطن تلقَّت بعض الصفعات حتى قبل انعقاد القمة، فباكستان رفضت الدعوة الموجَّهة لها ولم تشارك على الرغم من أن سياسة واشنطن في وسط آسيا تتطلب استمالة باكستان نظراً لدورها الكبير في المنطقة، ولكن يبدو أن إسلام أباد قد حسمت أمرها وباتت جزءاً من المعسكر المقابل. وإلى جانب هذا يواجه واشنطن تحدٍ كبير في الحفاظ على هذا الإطار المحدود، فهل تضمن الولايات المتحدة موقع الهند مثلاً خلال الأشهر القادمة؟ وخصوصاً أن علاقة هذه الأخيرة مع موسكو تشهد تطورات نوعية ويجري الحديث عن قمة ثلاثية مرتقبة تجمع الصين وروسيا والهند، مما قد يسرع في حسم موقف الهند بشكل نهائي لتصبح جزءاً من المعسكر الشرقي تماماً كما ينبغي أن تكون. هل تستطيع واشنطن عبر آلية عمل بطيئة وفضفاضة رصَّ صفوف جبهتها المتآكلة؟ وتحديداً أن بعض الأطراف التي لم تشارك في «حفلة الديمقراطية» هذه تحقق نجاحات سياسية واقتصادية وعسكرية هائلة تكفي وحدها لتقويض ما تسعى له الولايات المتحدة من خلف قمتها هذه!