أثرياء الصين والغرب قلقون من خطط بكّين لـ«الرخاء المشترك»
أثارت خطة الصين التي تعتزم فرض ضرائب على الممتلكات والعقارات في بعض المناطق على مدى السنوات الخمس المقبلة جدلاً ليس فقط داخل الصين بل ولدى أوساط رأس المال المالي الغربي أيضاً، ولا سيّما أنها تأتي في أعقاب قضية تخلّف عملاق العقارات شركة «إيفرغراند» عن سداد ديونها، والتي كانت مهددة بأنّ لا تحلّ حتى آخر يوم من المهلة القانونية، عندما قامت أخيراً بالسداد. ورغم أنّ هذا الإصلاح الضريبي لوحده ليس «عصا سحرية» وينتظر خبراء داخل الصين كيفية تطبيقه ونتائجه، لكن كان لافتاً مثلاً أنّ إحدى الندوات الغربية حوله والتي انعقدت برعاية «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» الأمريكي CSIS حاولت بشكل استباقي ابتذال الخطة الصينية وشيطنتها مسبقاً حتى في العنوان الذي اختارته للندوة «الرخاء المشترك: الطريق إلى الفقر المشترك في الصين؟». التقرير التالي يلقي بعض الضوء على ماهية هذه الخطة الضريبية الجديدة.
ترجمة وإعداد: قاسيون
الضرائب العقارية ليست جديدة على الصين، فقد سبق فرض ضريبة على المباني التجارية عام 1986 وضرائب سكنية محدودة في تشونغتشينغ وشنغهاي عام 2011. لكن المحللين يقولون إن هدف بكين تحت عنوان «الرخاء المشترك» عبر تسهيل توزيع الثروة عبر المجتمع الصيني، يمكن أن يجعل الأمور مختلفة هذه المرة.
قالت الحكومة المركزية في بكين الأسبوع الماضي إنها ستفرض ضريبة على مالكي العقارات والممتلكات في محاولة لتعزيز القدرة على تحمل تكاليف الإسكان. وسيتم إعفاء المنازل الريفية المملوكة قانونًا من البرنامج التجريبي.
ومن المرجح جدًا أن تفرض مقاطعة تشجيانغ، التي تم تحديدها لتصبح أول منطقة تجريبية لـ«الرخاء مشترك» ضريبة الأملاك، جنبًا إلى جنب مع مركز التكنولوجيا شنتشن – الذي يعد موطنًا لفقاعة سوق الإسكان – ومقاطعة جزيرة هاينان الجنوبية.
قال يي شيان رونغ، الباحث السابق في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن القادة الصينيين يناقشون فرض ضريبة على الممتلكات - التي تمثل معظم ثروة الأسرة - منذ عام 2003، وأضاف بأنّ «الملكية كانت أهم آلية لتوزيع الثروة في العشرين عامًا الماضية... ولكن أيضًا أكبر مصدر للظلم» منتقداً واقع وجود ضريبة الدخل الشخصي على العمال الذين يتقاضون رواتب شهرية تبلغ بضعة آلاف من اليوانات في حين أنّ أولئك الذين لديهم عقارات بملايين اليوانات لا يدفعون ضريبة متناسبة. وأكد رونغ أنّ «الرخاء المشترك لن يكون ممكناً دون تعديل ضريبة الأملاك».
لقد سمحت الصين بملكية المنازل الخاصة عام 1998 بعد التخلي عن نموذج التخطيط على الطريقة السوفييتية، الذي كانت فيه الشركات المملوكة للدولة تؤمّن للناس إقامة مجانية. وعلى مدى العقدين التاليين، أصبح سوق العقارات محركًا رئيسيًا للنمو.
لكن طفرة البناء الحضري غير المسبوقة التي أعقبت ذلك أدت إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل، وفاقمت سلسلة من القضايا الاجتماعية، بما في ذلك انخفاض معدلات الزواج والولادة، وسط احتجاج الطبقة الوسطى ضد تكاليف المعيشة الباهظة.
القيادة الصينية تستجيب للمشكلة
لاحظت القيادة الصينية المشكلات وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد الأرباح الشخصية غير القانونية وغير المعقولة، وتعديل الضرائب على المداخيل الشخصية المرتفعة، ومكاسب رأس المال، والاستهلاك، والتبرعات الخيرية، والآن الممتلكات.
قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطاب نُشر في وقت سابق من شهر تشرين الأول الجاري، إننا يجب أن نمنع استقطاب التفاوت بالدخل ونقضي على عدم عدالة التوزيع.
ومن وجهة نظر الحكومة الصينية، يجب أن يخلق «الرخاء المشترك» نموذجًا لتوزيع الدخل «على شكل حبّة الزيتون»، حيث يكون الوسط (الأغلبية) كبيرًا والطرفان صغيران. وعلى الرغم من ندرة التفاصيل الدقيقة، فإن بكين تريد أن ترى «تقدمًا أكثر وضوحًا وجوهريًا» بحلول عام 2035.
انخفض تصنيف الصين على مؤشر «جيني» العالمي (الذي يقيس عدم المساواة على مدروج من 0 إلى 1) حيث يمثل الصفر «مساواة تامة»، حيث حصلت الصين وفق هذا المؤشر على علامة 0.468 العام الماضي، متراجعة من أعلى مستوى سابق لها عند 0.491 الذي سجلته عام 2008، وذلك وفقًا للمكتب الوطني الصيني للإحصاء.
في عام 2016، قدّر البنك الدولي – الذي يعتبر أنّ علامة 0.400 على مؤشر «جيني» خطاً أحمر – أنّ عدم المساواة في الصين كان 0.385، وهو أقل قليلاً من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التحسن الطفيف، تظل ملكية العقارات المحرك الأكبر للتباينات بين الأقاليم الصينية، والفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، وعدم المساواة بين الأسر الحضرية في الصين.
تمثل الممتلكات 59.1% من إجمالي أصول الأسر الحضرية و 75.9% من التزاماتها، وفقًا لمسح أجراه البنك المركزي الصيني لـ 30 ألف أسرة في تشرين الأول 2019، وهذا أعلى بنسبة 28.5 نقطة مئوية من الأصول المملوكة للعائلات الأمريكية. وهناك حوالي 96% من الذين شملهم الاستطلاع يمتلكون عقارًا واحدًا على الأقل، وهو رقم أعلى بكثير من مستوى الولايات المتحدة البالغ 63.7%. وهناك حوالي 31% منهم يمتلكون عقارين، بينما يمتلك 10.5% ثلاثة عقارات أو أكثر.
وقدر بنك الاستثمار UBS ملكية الأسر الصينية بـ 170 تريليون يوان (26.6 تريليون دولار أمريكي) من الأصول العقارية، أي أكثر من 1.7 مرة من الناتج المحلي الإجمالي القومي العام الماضي.
خطوة مهمة لكنها ليست «عصا سحرية»
قال وانغ تاو، كبير الاقتصاديين في يو بي إس، إن ضريبة الممتلكات من المرجح أن يتم تطبيقها تدريجياً وتحتوي على إعفاءات، مثل تلك المفروضة على المنازل الأولى. لكنه أضاف: «هناك العديد من الأسباب المختلفة وراء عدم المساواة، ومن المؤكد أنه لا يمكن توقع أن تؤدي ضريبة الأملاك وحدها إلى تقليلها». سابقاً، فشلت البرامج التجريبية السابقة في خفض أسعار العقارات، ففي شنغهاي، المركز الاقتصادي والمالي للصين، كانت الضرائب السنوية مقابل قيمة المنازل الثانية مجرد 0.4% إلى 0.6%. فرضت بلدية تشونغتشينغ ضريبة بنسبة 0.5% إلى 1.2% على المنازل القائمة بذاتها والممتلكات الراقية.
وقال لي جينجنان، الخبير المالي وكاتب عمود في موقع Sina.com، إنّ ضريبة الممتلكات الجديدة ستقضي، على أقل تقدير، على «مجموعات الدخل المنخفض المزيّفة»، في إشارة إلى الأشخاص الذين يُبلغون عن دخول منخفضة أو يطالبون بوضع البطالة، لكنهم في الحقيقة يمتلكون العديد من العقارات . وكتب في مذكرة يوم الإثنين «بما أن الملكية هي واحدة من أبرز العقبات أمام العدالة الاجتماعية والازدهار المشترك، فإن مثل هذه الضريبة ستكون الإجراء الأكثر توجهاً نحو السوق والأكثر فعالية لتعديل السكان ذوي الدخل المرتفع». ومع ذلك، حذّر لي من أنّ سياسات الملكية الأخرى مثل قيود الرهن العقاري والمشتريات تحتاج أيضًا إلى النظر إليها، لأنها تضر بمشتري المساكن الأوائل وتوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وقال: «بمجرد أن تظهر النتائج المرجوة للتجربة الضريبية، يمكن أن تصبح أداة تحكم كلية منتظمة وتحلّ تدريجياً محلّ جميع أنواع الأدوات الإدارية».
بتصرّف عن: Why China’s property tax plan is a key pillar in its ‘common prosperity’ drive