تغيير اسم «فيسبوك» والبحث عن «الخلود»
ظهر الاسم الجديد لشركة فيسبوك ألا وهو «ميتا» Meta، مع شعارها الجديد (علامة تشبه رمز اللانهاية) يوم الخميس 28 تشرين الأول 2021، أمام مقر الشركة في مينلو بارك، في كاليفورنيا. وتستعد مالكة تطبيقات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، للمليارات من الاستثمارات في منصة جديدة لما يسمّى «الواقع المختلط». تذكرنا كلمة ميتافيرس Metaverse أو حرفياً «ما بعد الكون» التي استخدمها زوكربيرغ بكثرة في مناقشة اسم الشركة الجديد، بمصطلحات «الكونيات» مثل «الأكوان المتعددة» Multiverse أو «الموازية» مقابل الكون الواحد Universe، كما تذكّرنا كذلك بتاريخ الفن بالانتقال من «الواقعية» Realism إلى السريالية أو القفز «ما فوق الواقع» Surrealism. ولطالما ارتبط اختيار «الأسماء الفخمة» والمبالغ بها بأزمات في «واقع» من يغيّرون أسماءهم... لكن هل تستطيع الرأسمالية الاستمرار إذا غيّرت اسمها إلى MetaCapitalism مثلاً أو أيّ اسم آخر؟ وهل تضمن الرأسمالية وشركاتها «الخلود» إذا اتّخذت من أنشوطة «اللانهاية الزرقاء» رمزاً لها؟
قال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة Facebook Inc إن الشركة ستغير اسمها إلى Meta لتعكس فرص النمو التي تتجاوز منصة الوسائط الاجتماعية التي تحمل الاسم نفسه في العوالم الرقمية عبر الإنترنت المعروفة باسم «ميتا فيرس» metaverse (وهي كلمة تعني حرفياً «ما بعد الكون»). من المقرر تداول أسهم الشركة، بدءًا من 1 كانون الأول، تحت رمز الأسهم MVRS. ارتفعت أسهم Facebook بأكثر من 3% بعد ظهر يوم الخميس.
وأعلن زوكربيرغ الخميس: «مع مرور الوقت، آمل أن يُنظر إلى شركتنا على أنها شركة ميتافيرس» كاشفاً النقاب عن الاسم الجديد للشركة التي تملك أيضًا Facebook وInstagram وWhatsApp وغيرها من المنتجات في حدث مطور Facebook السنوي، حيث قام بتفصيل رؤيته «للميتافيرس» الذي يراه مفتاحًا لعملاق الوسائط الاجتماعية الذي يجذب جمهورًا أصغر سناً. وقال في منتدى المطورين السنوي لعملاق الوسائط الاجتماعية المسمى Facebook Connect: «لقد انتقلنا من سطح المكتب إلى الويب إلى الهواتف، ومن النص إلى الصور إلى الفيديو، ولكن هذه ليست نهاية المطاف». «نعتقد أن metaverse سيكون خليفة الإنترنت عبر الهاتف المحمول».
من أين جاء اسم «فيسبوك» أساساً؟
يعود اسم Facebook إلى أصل الشركة، عندما قام زوكربيرغ، الذي كان طالبًا في جامعة هارفارد، بتسمية نسخة مبكرة من الموقع بعد الفصل الدراسي لأدلة تعريفية بالطلاب بالمدرسة («كتاب الوجوه» Face Book). قال يوم الخميس: «كنت أحب دراسة الكلاسيكيات، وكلمة ميتا Meta تأتي من الكلمة اليونانية التي تعني (ما وراء) بالنسبة لي، فهي ترمز إلى أن هناك دائمًا المزيد لبنائه».
ليست المشكلة في «إنترنت الأشياء» بل في تشييء البشر عبر الإنترنت
فيسبوك واحدة من شركات التكنولوجيا الكبيرة التي لها أهداف متعلقة بـ«الميتافيرس» مثل شركات مايكروسوفت ونيفادا ويونيتي سوفتوير وغيرها، وقالت شركات أخرى إنها تطور أدوات أو خدمات أو محتوى لـ metaverse.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إنّ شركتي Roblox Corp و Epic Games Inc استضافت حفلات موسيقية افتراضية حضرها ملايين الأشخاص الذين ظهروا في شكل «أفاتار» وبالمثل، فإن تطبيقات الواقع الافتراضي مثل «Rec Room» و «AltspaceVR» تتيح للناس «الاختلاط» بالآخرين كأفاتار، ويستثمر Facebook بالفعل بكثافة في إنشاء هذا «الواقع» الجديد للمساحات المشتركة عبر الإنترنت التي تسكنها الصور الرمزية الرقمية، مع مشاريع تتراوح من نظارات الواقع الافتراضي إلى منصة التجارة الإلكترونية.
في شهر آب أطلق Facebook اختبارًا عامًا لغرف عمل هوريزون Horizon Workrooms، وهو تطبيق يتيح للأشخاص الذين يرتدون سماعة الرأس أوكيولوس Oculus التي طرحتها الشركة نفسها، من الدخول إلى مكاتب افتراضية بأيقونات الشخصيات الكرتونية الوهمية التي تمثلهم والمعروفة باسم أفاتار والمشاركة في الاجتماعات أثناء مشاهدة شاشة الكمبيوتر واللوحة. وعبّر زوكربيرغ يوم الإثنين عن الموضوع بالكلمات التالية: «أعتبر هذا العمل أمرًا بالغ الأهمية لمهمتنا لأن تقديم إحساس بالحضور - كما لو كنت هناك مع شخص آخر - هذه هي الكأس المقدسة للتجارب الاجتماعية عبر الإنترنت».
لا شكّ أن التكنولوجيا بحد ذاتها تحمل إمكانية تقدمية، لكن المشكلة تكمن في احتكارها من شركات رأسمالية مثل فيسبوك (ميتا) والتي لا يلعب فيها البشر سوى دور «أشياء» يتم ربطهم بالشبكة لزيادة ربح الشركة، فتوزيع الثروة بين مالكي أي شركة تجارية وعمّالها لن يتغيّر لصالح العمّال سواء أجريت اجتماعات مجلس إدارتها على مكتب فيزيائي أو بالفيديو كونفرانس ومثّلت شخصيّاته بأيقونات «أفاتار».
تعديلات وسط الانتقادات
تقوم الشركة بتعديل بنيتها الهيكلية أيضاً، حيث تشمل «مختبرات واقع فيسبوك» Facebook Reality Labs منتجات وخدمات «الواقع المعزز» و«الواقع الافتراضي»، وزعم زوكيربيرغ أن الإنفاق عليها «سيقلل إجمالي أرباح التشغيل» لهذا العام بمقدار 10 مليارات دولار. وأضاف يوم الخميس: «نتوقع أن ننفق مليارات الدولارات لسنوات قادمة».
كما أن المعادلة التي كان يروج لها بشكل متزايد تمنحه أيضًا موضوعًا مريحًا للتركيز عليه حيث يواجه انتقادات شديدة من المشرعين والباحثين والمستخدمين بشأن ما تم الكشف عنه في سلسلة ملفات Facebook في صحيفة وول ستريت جورنال، والتي أظهرت أن الشركة تعلم أن منصاتها مليئة بالعيوب التي تسبب الضرر. كما شبّه أعضاء الكونغرس تكتيكات فيسبوك وإنستغرام بتكتيكات صناعة التبغ. ولكن زوكربيرغ يزعم بأن النقّاد «يرسمون صورة خاطئة» للشركة التي شارك في تأسيسها.
شركات أخرى غيّرت أسماءها
من تاريخ تغيير الشركات لأسمائها، نذكر شركة فيليب موريس التي غيرت اسمها عام 2003 إلى Altria Group Inc وسط إدانة واسعة النطاق لشركة Big Tobacco بسبب الآثار الصحية الضارة للسجائر.
واختصرت شركة Apple Inc اسمها من Apple Computer في عام 2007 ليعكس نمو المنتجات الأخرى مثل iPod وiPhone. وغيرت Weight Watchers اسمها إلى WW في 2018 لتوسيع جاذبيتها، وفي الوقت نفسه تقريبًا أسقطت Dunkin 'Brands Group Inc كلمة «دوناتس» من علامتها التجارية الرئيسية لأنها تركز بشكل متزايد على القهوة.
وأعادت Google الهيكلة في عام 2015 لإنشاء شركة أم باسم Alphabet Inc التي تضم مجموعة من الأعمال الجانبية.
الربح هو الدافع الأساس
وفقاً لوول ستريت جورنال، فإنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يصبح الميتافيرس metaverse مربحاً لشركة زوكربيرغ، والذي انتقد ضمنيًا شركة آبل المنافسة مقابل الرسوم التي تفرضها على متجر التطبيقات الخاص بها، فقال: «أعتقد أن الافتقار إلى الاختيار والرسوم المرتفعة تخنق الابتكار وتمنع الناس من بناء أشياء جديدة وتعوق اقتصاد الإنترنت بأكمله». ولطالما كان يتذمر لسنوات من أن شركة Apple لها نفوذ كبير على أعمال عملاق وسائل التواصل الاجتماعي.
وصف محللو «بنك أوف أمريكا» Bank of America في مذكرة للمستثمرين يوم الثلاثاء مفهوم metaverse بأنه مفهوم مُقنِع و«لديه فرصة معقولة لاعتماد السوق الشامل بدعم قوي من Facebook» لكنهم حذروا من أن طموحات الشركة في هذا المجال قد تستغرق سنوات عديدة حتى تؤتي ثمارها. وقال المحللون: «سيحتاج حاملو الأسهم على المدى الطويل إلى أن يكون لديهم إيمان قوي برؤية Facebook لنموذج الأعمال metaverse لكي يرغبوا بالاحتفاظ بالسهم».
إنّ لدى رأس المال رغبة بالتوسع إلى «ما لا نهاية» والسعي دوماً إلى الربح الأعلى (أو الميتا-ربح) كنزعة مشفّرة في حمضه النووي. والاسم «ميتا» (ما بعد) ورمز «اللانهاية» لشركة رأسمالية مثل فيسبوك، منسجمان دلالياً تمام الانسجام مع يوتوبيا رأس المال هذه في التوسع إلى «ما لا نهاية».