المهمة لم تتم...
بول روجرز بول روجرز

المهمة لم تتم...

في الحقيقة، لا يمكن لجيوش تحالف الناتو بيع وَهْمَ أنّ «المهمّة تمّت» للتغطية على فشلهم عند الانسحاب، فالمهمّة الوحيدة التي أتمتها الجيوش الأمريكية والفرنسية ومن معهم في أفغانستان وإفريقيا هي زيادة الفوضى وخلق حوافز أكبر للشباب المهمّش الغاضب للانضمام للمجموعات المتطرفة.

ترجمة : قاسيون

في 12 تموز أكمل قائد العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان إعادة الانتشار وسلمّ القيادة للجنرال فرانك مكينزي قائد مشاة البحرية. ومن خلال هذا التغيير في القيادة سيتم تغيير تموضع القوات على بعد آلاف الأميال من أفغانستان إلى تامبا في فلوريدا حيث القيادة المركزية الأمريكية.

فقد الأمريكيون خلال الحملة في أفغانستان أكثر من 2400 جندي، مع أكثر من 20 ألف جريح عانوا من أمراض جسدية ونفسية غيرت حياتهم. كما كانت الخسائر التي تكبدها الأفغان الموالين للأمريكيين أعلى بكثير. فكما نشرت صحيفة «أخبار الجيش» نقلاً عن مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون: «مات خلال النزاع 71344 مدني، و78314 من قوات الشرطة والجيش الأفغاني، و84191 من مقاتلي المعارضة». ولم يشمل المشروع ضحايا الأوبئة وعدم الوصول للمياه والبنية التحتية وغيرها من العواقب غير المباشرة للحرب.

كما لا تشمل هذه الإحصاءات النازحين واللاجئين، وخاصة في البلدان المجاورة مثل إيران وباكستان. أورد تقرير مفوض الأمم المتحدة للاجئين بأنّ 2.7 مليون أفغاني تمّ تهجيرهم هذا العام بسبب العنف.

من ناحية أخرى تحقق طالبان مكاسب تخيف حتّى أكثر المحللين تشاؤماً. فهي تسيطر على الحدود مع إيران وباكستان وعلى الكثير من المناطق وتحقق عائدات وفيرة. بل إنّ طالبان وصلت إلى بعض عواصم المقاطعات أمثال لاشكار غار في مقاطعة هلمند، وهي المصدر الرئيسي للأفيون الأفغاني وقد تشكّل مصدراً هائلاً لتمويل طالبان. يستعد أمراء الحرب اليوم للقتال في مناطقهم، حيث ينوي بعضهم التفاوض مع طالبان، بينما ينوي آخرون تكوين ميليشياتهم الخاصة للدفاع عن النفس.

ضمن هذه الظروف من الانحدار العام نحو انعدام الأمن، انسحبت الجيوش الغربية مهزومة بقيادة الأمريكيين، وربّما الأمر الذي قد يفعله الأمريكيون للحفاظ على مصالحهم الحيوية إلى جانب الاستخدام العرضي للطائرات بدون طيار ولعمليات القوات الخاصة هو دعم أمراء حرب محددين، كما حدث في أعقاب 11 أيلول مباشرة.

لا يمكن في ظلّ هذه المعطيات لأحد أن يقنعنا بكلامه عند القول: «لقد أتممنا المهمة».

in1

الانسحاب الفرنسي وفشل بارخان

عند الحديث عن تنظيم القاعدة وداعش والجماعات المشابهة، فهي تنشط في مساحات شاسعة من إفريقيا في مناطق ممتدة من المحيط الأطلسي ومنطقة الساحل الصحراوية إلى شرق إفريقيا والمحيط الهندي. ترتبط «بوكو حرام» في مناطق شاسعة، وربّما منطقتان حدوديتان ثلاثيتان هما الأبرز: مالي وبوركينا فاسو والنيجر في الغرب، وفي الشرق: النيجر وتشاد ونيجيريا.

انخرطت الدول الغربية في الكثير من النزاعات في المنطقة، وخاصة فرنسا التي أبقت 5 آلاف جندي في المنطقة لقرابة العقد، كجزء من عملية «بارخان».

باتت التكاليف كبيرة على الجيش الفرنسي، خاصة وأنّ أيّ نجاح تمّ تحقيقه في عام 2013 تمّ عكسه خلال العامين الأخيرين. ورغم أنّ القوات الأمريكية مشتركة بدورها، فعدد القوات أقلّ بكثير ويقتصر على القوات الخاصة والاستخبارات والاستطلاع والطائرات دون طيار، ولا يبدو أنّ الإدارة الأمريكية تنوي توسيع التزاماتها.

قبل الفرنسيون أخيراً كونهم يخوضون حرباً لا يمكن الفوز بها، في حالة تشبه ما يمرّ به الأمريكيون في أفغانستان. ولهذا أتى القرار في 9 تموز بسحب ما يصل إلى نصف قواتهم.

هذا الانسحاب الذي قد يستغرق عدّة أشهر، هو في واقع الحال نسخة مصغرة من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ما يعني بأنّ لدى التنظيمات المرتبطة بداعش والقاعدة الفرصة اليوم لفعل ما تفعله طالبان.

يستمر كلّ من الأمريكيين والفرنسيين بمحاولة بيعنا الانسحاب على أنّه نوع من «المهمة تمّت»، لكن قلّة منّا يمكنهم قبول ذلك. في الحقيقة الفوضى التي خلقها وجود هذه الجيوش لم يشكّل إلا عوامل تحفيز للشباب المهمشين والغاضبين للانضمام للمجموعات المتطرفة، ويمكننا من هنا أن نعلم يقيناً بأنّ المهمة لم تتم.

 

بتصرّف عن: The US’s withdrawal from Afghanistan should not be sold as ‘job done