هل هو انقسام في المؤسسة الحاكمة البريطانية، موازٍ للانقسام في المؤسسة الحاكمة الأميركية؟

هل هو انقسام في المؤسسة الحاكمة البريطانية، موازٍ للانقسام في المؤسسة الحاكمة الأميركية؟

كيف يمكن تفسير حادثة تسريب الوثائق العسكرية السرية البريطانية المتعلقة بموضوع المدمرة البريطانية ديفندر، ضمن مسلسل الانقسامات في المركز الإمبريالي وفي القوة الطليعية في الرأسمالية المتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية ومن بعدها بريطانيا؟

أثار فضيحةً العثور على وثائق تابعة لوزارة الدفاع البريطانية مصنفة بالسرية جدا، في موقف للنقل العمومي وزوبعة سياسية داخل مجلس العموم بعد اتهام مسؤولي الوزارة بالتسيب بقضايا حساسة للغاية، وتتضمنُ الوثائق أسراراً استراتيجية عن تحركات القواتِ المسلحة البريطانية برا وبحرا وجوا بالإضافة إلى معلومات عن خرقِ المدمرة البريطانية للمياه الإقليمية الروسية مؤخرا.

 ويبدو أن تسريب تلك الوثائق ليس خطأً فردياً كما حاولت المؤسسة العسكرية البريطانية تبريره ضمن تفسيراتها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه المؤسسة من أعرق المؤسسات الاستعمارية في العالم ولا تخفى عليها خافية.

ربما تكون حادثة المدمرة البريطانية نوعاً من الضغط الذي تمارسه بريطانيا على روسيا كطلبية أمريكية عقب قمة بوتين –بايدن (إذا علمنا أن نتائج القمة كانت إيجابية بالعموم تجاه قضايا الانفراج وتخفيف التوتر العسكري) في محاولة إعاقة الانفراج كنوع من الضغط على بايدن، إذا أخذنا بعين الاعتبار الصراع الدائر في الولايات المتحدة في النخبة الحاكمة بين أوساط مشجعي الحرب (الصقور)، الذين لا يرون إمكانية للخروج من الأزمة الحالية إلا باستخدام القوة بأشكالها القديمة لإنقاذ الوضع وبين مشجعي التكيف مع ميزان القوى الجديد للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه.

ووصف بوتين حادثة دفندر بأنها "استفزاز واضح متكامل دبره ليس البريطانيون فحسب بل والأمريكيون أيضا".

وأوضح أن طائرة استطلاع استراتيجية أمريكية أقلعت في ساعة مبكرة من ذلك اليوم من إحدى قواعد حلف الناتو في اليونان، مشيرا إلى أن مهمة تلك الطائرة جاءت بهدف كشف كيفية رد القوات الروسية على خرق حدود الدولة من قبل المدمرة البريطانية ورصد مواقع انتشار الدفاعات الجوية الروسية في القرم.

تم العثور على وثائق سرية من وزارة الدفاع البريطانية، تحتوي على معلومات مفصلة عن استفزاز المدمرة البريطانية HMS Defender لروسيا بانتهاكها الحدود قبالة ساحل شبه جزيرة القرم، تحتوي الوثائق على تحليل لرد روسيا المحتمل على دخول السفينة مياهها الإقليمية قبالة ساحل القرم، والتي تعدها لندن مياهاً أوكرانية.

تظهر هذه الوثائق أن الحكومة البريطانية بحثت مسارين لرحلة Defender من ميناء أوديسا الأوكراني إلى ميناء باتومي الجورجي (جمهورية جورجيا) تم اختيار أولهما (مع الاقتراب من سواحل القرم)، ووصف بـ"الآمن والمهني".

ورفضت القيادة البريطانية المسار البديل البعيد عن مياه القرم، بسبب مخاوفها من أن ترى موسكو في ذلك "هروب المملكة المتحدة" واعتراف لندن فعليا بسيادة روسيا على القرم.

تؤكد الوثائق التي عثر عليها في محطة حافلات في كينت أن الاستفزاز كان قرارا مدروسا من الحكومة البريطانية لإظهار دعم أوكرانيا، على الرغم من المخاطر المحتملة.

في وثيقة بعنوان "يشاهدها فقط ضباط المخابرات البريطانية" ، تحدد الوثيقة توصيات شديدة الحساسية للعمليات العسكرية البريطانية في أفغانستان.

وذكرت الوثيقة أن الولايات المتحدة طلبت مساعدة من المملكة المتحدة فيما يتعلق بسحب القوات المتمركزة في أفغانستان. كما ناقشت ما إذا كان سيتم الاحتفاظ بالقوات البريطانية الخاصة في أفغانستان بمجرد اكتمال الانسحاب.

 

و حذرت الوثيقة من أن أي وجود لاحق للمملكة المتحدة في أفغانستان يعتبر عرضة للهجوم ، لذلك "لا يزال خيار الانسحاب الكامل قائمًا".

كما تضمنت الوثائق التي تم العثور عليها أيضًا موجزًا ​​عن المؤتمر الحادي والعشرين للأنجلو-أمريكان. واجتماع حوار الدفاع وملاحظات حول الأشهر القليلة الأولى من ولاية الرئيس الأمريكي بايدن.

وتشير إلى طلب أمريكي للحصول على مساعدة بريطانية ، محذرا من أن "أي بقايا وجود بريطاني مستمر في أفغانستان ... يتم تقييمه على أنه عرضة للاستهداف من قبل شبكة معقدة من الجهات الفاعلة".

وكذلك المداولات التي يجب مناقشتها حول السياسة الخارجية لبريطانيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، بما في ذلك المواضع التي توضع فيها المملكة المتحدة في منافسة مع القوى الأوروبية من خلال حملات تصدير الأسلحة. لكن القلق الرئيسي هو نوايا الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن، بما في ذلك حقيقة أنه "لا يزال هناك الكثير من الاستمرارية للإدارة السابقة" فيما يتعلق بتركيزها على الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

عند العثور على ملف يحتوي على وثائق بالقرب من محطة للحافلات في كنت في جنوب شرق إنجلترا، في اليوم السابق للحادث في البحر الأسود، لم يأخذ المواطن الإنجليزي الذي عثر على الوثائق إلى الشرطة ، لكنه سلمها إلى بي بي سي ، مقابل الرسوم المناسبة ، على الأرجح.

لم تفكر المؤسسة الإذاعية طويلاً وأعلنت عن خطط الجيش البريطاني فيما يتعلق باستفزاز المدمرة دفندر في البحر الأسود ، وبالتالي كشفت عن خصوصيات وعموميات عملية ديترويت.

 

وتمت الإشارة في بعض المصادر إلى أن الوثائق باتت في متناول العامة بفضل بعض القوى السياسية في بريطانيا التي كانت ضد الاستفزاز في البحر الأسود (في تلميح إلى انقسام داخل المؤسسة البريطانية)  وتسريب" مقصود من معارضي طريق المدمرة البريطانية الخطر للغاية.

تلا ذلك إطلاق قوات الجيش الروسي طلقات تحذيرية على المدمرة دفندر البريطانية، بعد أن خرقت حدود البلاد قبالة سواحل شبه جزيرة القرم فيما حذرت موسكو  لندن من تكرار الاستفزازات المماثلة لحادث المدمرة.

تحاول بريطانيا أن تظهر أنها ستستخدم البحرية بشكل متزايد كأداة للقوة العالمية لبريطانيا في السنوات القادمة ، كما ألمح بوريس جونسون في خريف عام 2020 وأكده في مقدمته للمراجعة المتكاملة 2021 في أبريل 2021.

تثبت الحادثة الأخيرة التي وقعت قبالة شبه جزيرة القرم هذا النهج: "بريطانيا العالمية" استناداً إلى مكانتها الدولية السابقة وفي تأكيد على مكانتها داخل النظام الامبريالي العالمي المتهالك، في مواجهة روسيا الصاعدة التي تؤكد بقوة حقوقها الاستراتيجية في محيطها الاقليمي.

تحاول بريطانيا كذلك من خلال تعاملها مع حلفائها الأمريكيين مواجهة "المنافسين" على النطاق العالمي. وهذا يشمل منطقة المحيطين الهندي والهادي، التي تتجه إليها حاليًا مجموعة حاملة الطائرات الهجومية بقيادة  إتش إم إس الملكة إليزابيث. في محاولة إرسال رسالة إلى الصين - لا تختلف عن الرسالة التي أرسلتها دفندر إلى روسيا (وفي سبر للرد الصيني المحتمل كذلك).

وتحاول بريطانيا إظهار أن بحريتها عادت كأداة رئيسية للدفاع والأمن والسياسة الخارجية في حقبة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

آخر تعديل على الجمعة, 09 تموز/يوليو 2021 09:13