ما الذي يعنيه فوز «رئيسي» في إيران وما الجديد في مفاوضات النووي؟
منذ أن فاز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية في التاسع عشر من الشهر الجاري، انطلقت التكهنات والاجتهادات حول التغييرات المرتقبة بالسياسات الإيرانية داخلياً وخارجياً، وإسقاط هذه التحليلات على الملف النووي الإيراني الذي تجري المباحثات حول إعادة إحيائه في فيينا بالإضافة إلى المسائل الإقليمية وغيرها. وبينما خلص البعض بأن سياسة إيران ستصبح أكثر تشدداً على اعتبار أن رئيسي من «المحافظين»، يختلف آخرون بأنه لن تجري أية تغييرات جدّية، مختزلين الأمر فقط، وبتبسيطٍ شديد، بأن فوز رئيسي هو تمهيدٌ له لتسلُّم منصبِ المرشد الأعلى الإيراني خلفاً لعلي خامنئي.
نزعم هنا – بعيداً عن مسألة الخلافة – أن لكلا الطرحَين جوانبُ من الصحة.
فموقع إيران دولياً، ودورها، وبنية مجتمعها ونظامها وسياستها، وما يحكم كل ذلك من ظروف موضوعية، وكيفية تطورها بالدرجة الأولى، هو ما يوجّه السياسة الإيرانية بمسارات محدَّدة على المستويَين الداخلي والخارجي، وهو ما يعني الجوانب الثابتة والعامة من السياسة الإيرانية التي لن تتبدّل بتبدِّل رؤسائها لوحده، لكن وبآن واحد فإن ما يمثّل فرقاً هو درجة البراغماتية أو الحزم بتطبيق هذه السياسة نفسها، ودرجة المناورة بها، والآجال الزمنية لكل جزء وتفصيل منها.
أما مسألة الخلافة من عدمها، ورغم أنها تكهّنات مبكرة يقدم عليها المحللون على أية حال، إلا أن هدفها في هذه اللحظة هو الهجوم السياسي على الانتخابات الإيرانية، وتحديداً بشرعيّتها بغية توتير إيران داخلياً سواء على المستوى الشعبي أو بين الأطراف السياسية من إصلاحيين ومحافظين، والاستفادة من هذه التناقضات غربياً... وما نرغب بالإشارة إليه سريعاً على أية حال، أنّ إيران، أو أية دولة أخرى، لا يمكن اختزالها بأيّ منصبٍ فيها بصرف النظر عن صلاحيات هذا المنصب أو مركزيته من عدمها، ففي نهاية المطاف لا يمكن لأحدٍ القفز فوق إمكاناته موضوعياً، وفوق الظروف التي تحكم البلاد والنظام السياسي ككل، ليكون «المرشد الأعلى» في إيران بهذا المعنى هو أحد الحوامل والمعبرين عن محصلة مصالح النظام السياسي الإيراني بصرف النظر عن شخصه أياً يكن... من يحاول قلب الواقع بغير ذلك، ويخلط ضمنه الجوانب الإيديولوجية، إنما يسعى إلى تشويه الحقائق والتلاعب بتفسيرها وتوجيهها وفقاً لمصالحه ورغباته فقط.
ربما من أكثر التعبيرات دقةً عن وصول إبراهيم رئيسي هي «ضرورة المرحلة» بالنسبة لإيران، والتي تفرض نفسها على إيران، فهو بمناصبه السابقة والتي كان آخرها رئاسة السلطة القضائية، بالإضافة إلى علاقاته السياسية، وكونه من «المحافظين»، قد يجعل من سلوك الحكومة أكثر انسجاماً وبإدارة أكثر حزماً وأسرع حسماً تجاه مختلف الملفات، ولإدارة مرحلة ما بعد رفع العقوبات الأمريكية المرتقبة. وبالإضافة لما سبق، فإن ما هو معروف عن المحافظين عموماً الموقف الحاد تجاه الغربيين اقتصادياً وسياسياً والميل نحو تعميق وتمتين العلاقات شرقاً، الأمر الذي يتطابق مع التغيرات الدولية الجارية ومستقبلها، ومن المؤشرات الأولى على ذلك هو الموقف الإيراني ضمن الملف النووي حول عدم تمديد اتفاق المراقبة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى الآن ورفض طهران تسليم الوكالة أية بيانات مسجّلة أو صور للمواقع النووية ونشاطها، الأمر الذي تتخذه واشنطن ذريعةً للمماطلة بعودتها إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، والردّ على تصريح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بإمكانية انسحاب واشنطن من محادثات فيينا، بتصريح للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية بأن «إيران لن تتفاوض إلى ما لا نهاية»، وقول المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، محمود عباس مشكيني بأن «التقرير الذي قدمه عراقجي غير مرضٍ لأنه لا يراعي قانون البرلمان والتوصيات برفع كل العقوبات والتحقق من ذلك».
لا تعني هذه التصريحات بوجود تهديدٍ حقيقي على سير مفاوضات فيينا على أي حال، إنما هي رسائل وضغوط سياسية إيرانية للإسراع بالبتّ والحسم بنهايتها خلال الجولة المقبلة بعد كل التقدم السابق.
بهذا السياق يحاول البعض – من وجهة نظر أمريكية – ربط إعادة إحياء الاتفاق النووي بوصفه نصراً للإصلاحيين أو للمحافظين في إيران بموعد إعلانه، وهو ما تحاول أن تناور عليه الولايات المتحدة الأمريكية، فإما أن يجري الإعلان قبيل تسلم رئيسي مهامه رسمياً في آب، أو أن تستمر المماطلة لما بعد ذلك كي لا تعطي واشنطن مداً سياسياً لرئيسي من وجهة نظرهم، إضافة إلى أنّ إدارة جو بايدن تتعرض لانتقادات إثر تصريحاتها بعزمها على رفع عقوبات ترامب، الأمر الذي يمثل اعترافاً بالضعف والهزيمة أمام إيران ضمن الملف النووي ويحاولون التخفيف من حدتها بمرور الوقت، ما يعني أن الاتفاق بات جاهزاً وكل ما تجري المناورة حوله هو اللحظة السياسية لإعلانه وتأثيراتها على كلٍّ من إيران والولايات المتحدة داخلياً.