مَن الأكثر تخلّفاً بمقياس مشاركة النساء في البحث العلمي: الشرق أم الغرب؟

مَن الأكثر تخلّفاً بمقياس مشاركة النساء في البحث العلمي: الشرق أم الغرب؟

يُعتبر تمييز الأسباب الجوهرية في اختلاف التطور، وبناء أحكام «التخلف» و«التقدم»، بين مناطق العالَم، عملية معقدة ومتعددة العوامل، وتحتاج مقاطعة مجموعة علوم متنوعة، وإلا ستبقى نظرة وحيدة الجانب، ومع ذلك يبقى مفيداً التقاط الجوانب الأكثر جوهرية للعملية ومحركها الأساسي. أمّا عزو التخلف إلى «نزعات عرقية» أو «فيزيولوجية» أو إلى «مورثات الاستبداد الشرقي الدفينة» بتجريد عن السياق الاقتصادي-السياسي الاجتماعي والتاريخي، فمن المؤكَّد أنه لا يقل سطحية عن الخزعبلات اللاعلمية السائدة في الشرق والغرب معاً. ومن أحد مقاييس التقدم الحضاري التي تحدث عنها ماركس، هو وضع المرأة في المجتمع، ولا شك أنه لا يمكن الإحاطة بكل جوانبه في عجالة. لكن أحد المؤشرات التي اهتمت بها منظمة اليونسكو هو نسبة مشاركة النساء في البحث العلمي مقارنة بالرجال، في الدول المتنوعة، وهذا ما سنضيء عليه في التقرير التالي اعتماداً على أحدث البيانات الدورية من منظمة اليونسكو (2015) علماً أن دورية تقاريرها بهذا الشأن هي كل خمس سنوات، والتقرير الأحدث لم ينشر بعد، ويفترض أن يكون في نيسان 2021 (وقد يحمل تغييرات مهمة قد تجعل البيانات الحالية قديمة، لكن هذا المتوفر حالياً الصالح للمقارنة).

مع الأزمة المعاصرة التي يعيشها النظام الرأسمالي العالمي في طور متقدم (ويقترب من النهاية) من مرحلة تعفّنه الإمبريالي، تعود إلى الصدارة المواجهات بين الخطاب المتمسك بالمقولات منتهية الصلاحية مثل «نهاية التاريخ» عند «ذروته» الليبرالية، و«التفوق الحضاري» الغربي (بمعنى الإمبريالي)، وتحديداً بسبب أزمة تعري الإخفاقات الاقتصادية والعلمية والصحية وحتى «الديمقراطية»، هذا فضلاً عن أنّ التطورات المتسارعة في عالمنا المعاصر تشكل صدمة تعيد صياغة التعريفات القديمة لما هو المقصود بـ«الحضارة» و«التقدم الإنساني»، وفي ظل مستجدات الاختلال المتسارع لميزان القوى الدولي الذي يستمر فيه المركز الإمبريالي ورأسه الأمريكي بالتراجع وانخفاض الوزن، في حين يتقدم قطب الشعوب وتعبيراته الدولية المختلفة، ويزداد وزنه ولا سيما صعود القوتين الروسية والصينية، وصعود شعوب الشرق العظيم بشكل عام باتجاه أداء دورها التاريخي والحضاري.

أما فيما يخص نسبة مشاركة المرأة في البحث العلمي، فالمعلومات التالية مستمدة من تقرير اليونسكو 2015 بعنوان «هل الفجوة بين الجنسين تضيق في العلم والهندسة؟» كتبته لصالح المنظمة العالِمة والباحثة في العلوم الدكتورة ديبورا جين Deborah Jin (من إنجازاتها تبريد الجزيئات بحيث يمكن مراقبة التفاعلات الكيميائية بحركة بطيئة) وهي بروفسورة في جامعة كولورادو الأمريكية.

في الصفحة الثانية من تقرير اليونسكو المذكور، يتم ذكر إحصائيات تكسر الصورة النمطية عن «الشرق» و«الغرب»، حيث يقول التقرير:

نسبة النساء في قطاع البحث العلمي هو: في الدول العربية 37%. وفي فلسطين المحتلة 35%، أما لدى الكيان الصهيوني «إسرائيل» فهي 21% فقط وفقاً للتقرير في الصفحة 11 (والنسبة في إيران 26% وتركيا 36%)، وفي السودان 40%. أما في الاتحاد الأوروبي فهذه النسبة هي 33%. وهذا يعني النساء العربيات وسطياً متفوقات بنسبة 5 بالمئة أكثر من الأوروبيات بالمشاركة في الأبحاث، والفلسطينيات متفوقات بهذه النسبة أكثر من نساء الصهاينة بـ14 نقطة مئوية، وأكثر من الأوروبيات بفارق 2 بالمئة. والنساء السودانيات أكثر من الأوروبيات بهذا المؤشر بنسبة 7 بالمئة.

وبالنسبة لمشاركة النساء الروسيات في الأبحاث العلمية فيقول التقرير إنه، ورغم انخفاضه خلال العقد الماضي، لكن ما زال 41%، أي أعلى مما لدى النساء الأوروبيات الغربيات بنحو 8 نقاط مئوية. أما النساء الصينيات بالأبحاث العلمية فرغم الصعود السريع للصين والمثير للإعجاب، لكن ما زال على الصين بذل جهود أكبر في هذا المجال، حيث ما تزال ضمن «اللون الأخضر» أي نسبة المؤشر فيها نحو 22.5%.

أما بالنسبة لمشاركة النساء الأمريكيات بالأبحاث العلمية، لا يذكر التقرير ذلك بشكل واضح وموثق بسبب أنّه يشير في حاشية إلى أنّ «هذه التقديرات هي من معهد اليونسكو للإحصاء على 137 دولة يستثنى منها قارة أمريكا الشمالية». ولكن الباحثة التي أعدت التقرير تذكر رقماً وصفته بـ«الافتراضي» لهذه النسبة في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها 40%، وذلك في سياق قالت فيه إنّه حتى لو أضيف ذلك إلى الإحصائيات العالمية سوف تبقى مع ذلك نسبة النساء المشاركات في الأبحاث العملية لا تتجاوز 31% وسطياً. مما يعني أن «التخلف» البشري في ذلك ما زال عاماً.

في الصفحة 13 من التقرير يظهر جدول مقارنة، ومع أنه للأسف غير شامل لكل دول العالم، لكن الدول المدرجة فيه ومن بينها بلدنا سورية، تمكننا على الأقل من إجراء المقارنات المفيدة التالية:

عام 2012–2013 كانت نسبة النساء السوريات الخريجات في العلوم (مقارنة مع الرجال) 50.9% وفي فلسطين المحتلة 58.5% أما في السويد 40.6% وفي فرنسا 37.8% وفي سويسرا 31.8%. وقد يتفاوت الوضع أكثر أو أقل في نسبة الخريجات من الزراعة والهندسة والصحة.

وفي الصفحة 9 يعترف التقرير حرفياً بما يلي: «بالنسبة للعديد من المناطق، يعتبر التكافؤ بين الجنسين (أي تشكيل النساء حوالي 45–55% من الكادر البشري للبحث العلمي) إرثاً للكتلة السوفيتية السابقة، التي امتدت عبر آسيا الوسطى ودول البلطيق وأوروبا الشرقية إلى جنوب شرق أوروبا. وثلث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اليوم كانت جزءاً من الكتلة السوفيتية. وعلى مدار العقد الماضي، تمكنت العديد من دول جنوب شرق أوروبا من استعادة التكافؤ بين الجنسين في الأبحاث التي فقدتها في التسعينيات بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة: كرواتيا ومقدونيا جمهورية يوغوسلافيا السابقة والجبل الأسود وصربيا».

والتقرير يسلط الضوء عموماً على أنّ وضع مشاركة النساء في هذه المجالات وخاصة البحث العلمي، ما زال بشكل عام منخفضاً في العالم كله وغير كافٍ حتى الآن؟ هذا يعني العالم عموماً ما زال «متخلّفاً» بهذا المقياس. لماذا؟

نزعم أنّ السبب الجوهري هو سيطرة الرأسمالية العالمية في طور تعفنها، بدليل الملاحظة التي اعترف بها تقرير اليونسكو أيضاً، عندما تحدث عن كيف كانت مشاركة النساء «الشرقيات» في «الكتلة الشرقية» السوفييتية أعلى، وتركت إرثها وتأثيرها وفضلها على عموم أوروبا.

مرفق أدناه: خريطة من التقرير نفسه تبين كيف أنّ دول جنوب شرق أوروبا التي أغلبها سوفييتية سابقة «شرقية» نسبة النساء في البحث العلمي فيها عالية (45 – 50 % باللون البني) وفي روسيا 41%، مقارنة بشمال غرب أوروبا (ومن بينها ألمانيا) حيث النسبة أقل (25 – 35 % باللون الوردي).

 

 

المصدر: تقرير اليونسكو 2015 بعنوان «هل الفجوة بين الجنسين تضيق في العلم والهندسة؟»