أمريكا نحو العزلة: واقع يجب تقبله
راينر شيا راينر شيا

أمريكا نحو العزلة: واقع يجب تقبله

ضمن محاولاتها لاستعادة هيمنتها الإمبريالية المتزعزعة، الولايات المتحدة تختبر ما تتمناه لأعدائها: عزلة عن البلدان الأخرى إلى درجة تنفجر فيها اقتصادياً إلى مدى أبعد ممّا يحصل اليوم. كتب «بين هيلير» معقباً على محاولات واشنطن استقطاب الحلفاء لاحتواء الصين: تحالف 2003 الذي قادته أمريكا عند غزو العراق لن يعيد نفسه من أجل مواجهة بكين. لكن عند هذه النقطة يجب أن ننظر في اتجاه آخر، فما يتجاهله الكثيرون أنّ الجزء المحايد أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كان يمثّل العدد الأكبر من الشعوب والدول بالمقارنة بالكتلتين الغربية أو الشرقية. لكن في ذلك الوقت لم تكن الولايات المتحدة بحاجة لكلّ هذه الدول النامية اقتصادياً، فقد كانت الدول الغربية-الإمبريالية كافية لسحق الكتلة الشرقية.

بقلم: راينر شيا
ترجمة قاسيون

لكنّ هيلير أشار إلى أنّ الولايات المتحدة قادرة، في حال استقطبت ما يكفي من الدول القوية اقتصادياً لحلفها، أن تنجح في حربها ضدّ الصين. وكي يدعّم رأيه أشار لموقع الولايات المتحدة المهيمن في التمويل الدولي: «فأكثر من 60% من احتياطيات النقد العالمي بالدولار، وأكثر من 40% من المدفوعات العابرة للحدود بالدولار، وأغلب الدين العالمي بالدولار، وكما في كلّ أزمة عالمية لرأس المال وجهة عالمية واحدة مهيمنة: سندات الخزينة الأمريكية».

لكن هل هيلير محق في رأيه؟

أولاً: للنظر إلى الدول القوية اقتصادياً. تبعاً للأزمة الرأسمالية والركود الذي تلا الوباء، وعلى رأسها القوى الأوربية، فهي تهجر الولايات المتحدة على نطاق واسع لصالح تقوية علاقاتها مع الصين، وفي هذا الإطار جاءت الصفقة الاقتصادية بين الاتحاد الأوربي والصين، والتي حصل الأوربيون من خلالها على امتيازات هائلة في الأسواق الصينية. ويتضح الخلاف الأوربي-الأمريكي المتزايد في عدد من النقاط مثل إصرار ألمانيا، الدولة الأقوى اقتصادياً في أوروبا، على إتمام المشاريع المشتركة مع روسيا رغم المعارضة والعقوبات الأمريكية.

ثانياً: حتّى الدول الأقرب إلى الصين والمتحالفة مع أمريكا، مثل أستراليا ونيوزلندا واليابان، فقد أثبتت الاتفاقات التي وقعوها مع الصين أنّها غير راغبة، ولا قادرة، على نهج مسار عدائي ضدّ الصين.

ثالثاً: الهيمنة الأمريكية على التمويل الدولي بحدّ ذاته في طريقه إلى الزوال. فكما كتب الاقتصادي ستيفن روخ: في نهاية 2021 ستنخفض قيمة الدولار بقرابة 35%، بينما اليوان الصيني، مدعوماً بالمعادن الثمينة والعملات الرقمية، سيستمر بحيازة القوة مع قيادة الصين للتعافي الاقتصادي العالمي ما بعد كوفيد-19. ناهيك عن كون الإجراءات الأمريكية العقابية التي تتبعها الولايات المتحدة هي حلقة مهمّة في إضعاف موقع الدولار. ويبدو أنّ هذا الاتجاه لن يتوقف في المدى القريب مع تلويح أمريكا بالمزيد من العقوبات ضدّ روسيا وألمانيا والصين.

رابعاً: الاستقرار الاجتماعي الداخلي الأمريكي المتزعزع مصدر تهديد متنامي للإمبريالية الأمريكية. فقد اتسعت الهوّة بين الأثرياء والفقراء منذ بدء الوباء، حيث أنّ 651 ملياردير جمعوا ثروة تفوق 1.1 ترليون دولار. وحتّى قبل الوباء كانت نسبة 10% من العوائل يعيشون في انعدام أمن غذائي، وهو الرقم الذي بات اليوم يشمل ربع السكان. وكما كتبت ريبيكا غوردون: يجعل هذا المواطنين أقلّ رغبة بدفع الضرائب وإطاعة القانون... البرابرة الذين يسقطون الإمبراطوريات ليسوا عند الأبواب، بل باتوا داخلها.

 

بتصرّف عن: The U.S. is slowly becoming more isolated