«فعاليته 91.6%» – «لانسيت» المُحَكَّمة تنشر نتائج الطور السريري الثالث للقاح «سبوتنيك V»

«فعاليته 91.6%» – «لانسيت» المُحَكَّمة تنشر نتائج الطور السريري الثالث للقاح «سبوتنيك V»

نشرت مجلة The Lancet البريطانية الطبية المُحَكّمة ذات الشهرة العالَمية، يوم أمس الأربعاء 2 شباط 2021، نتائج دراسة ضمن الطور السريري الثالث من تجارب لقاح «سبوتنيك V» الروسي. وأظهرت الدراسة أنّ لقاح Gam-COVID-Vac (الاسم العلمي الرسمي للقاح سبوتنيك V) قد أعطى فعالية تبلغ 91,6% عموماً، و91,8% لدى المسنّين بعمر فوق 60 عاماً. وهذا يعني أنه يتفوق على «أسترازينيكا» البريطاني-السويسري ذي الفعالية 62,1%، و«سينوفاك» و«سينوفارم» الصينيَّين (ذوي الفعالية 50,4% و79,3% على التوالي)*. وبينما أبلغت شركتا فايزر/بيونتك أنّ لقاحهما ذو فعالية بنسبة 95%، لكنَّ حفظه وتخزينه يحتاج تبريداً شديداً يبلغ وسطياً -70 مئوية تحت الصفر، مما يرفع تكاليف انتشاره في البلدان الفقيرة. نقدم فيما يلي تقريراً عن أبرز ما جاء في دارسة «لانسيت» اعتماداً على اطلاعنا على الدراسة نفسها، إضافة لبعض ملاحظات الجهة الروسية الداعمة لتطويره، بهذه المناسبة التي تعتبر معياراً علمياً مهمّاً يسّرع حصول اللقاح على ترخيص الاستخدام الطارئ من منظمة الصحة العالمية EUL وتبنّيه من منصّة «كوفاكس» العَالَمية، وبالتالي يرفع احتمال وصوله إلى البلدان الفقيرة عبر تلك المنصّة أيضاً.

بمناسبة نشر الدارسة في مجلة «لانسيت» نوّه كيريل دميترييف، مدير صندوق الاستثمار الروسي المباشر، وفق ما نقلت وكالة نوفوستي إلى أنّ: «هناك ثلاثة لقاحات فقط في العالم، بما فيها سبوتنيك V، تتمتع بفعالية تزيد عن 90%، بينما يتفوق سبوتنيك V على اللقاحات الأخرى في هذه الفئة من حيث السلامة والتحقق من جودة منصتها الأساسية، وسهولة النقل بسبب نظام درجة الحرارة +2 إلى +8 درجات وسعره المعقول»، واصفاً اللقاح الروسي بأنه «لقاح للبشرية جمعاء».

حملت الدراسة ذات الصلة المنشورة في «لانسيت» أمس الأربعاء، العنوان التالي «أمان وفعالية لقاح كوفيد-19 الأولي والداعم المستند إلى ناقلين غير متجانسين من الفيروسات الغدية البشرية المأشوبة rAd26 و rAd: تحليل مرحليّ لتجربة طور ثالث من نمط التجربة العشوائية المضبوطة بشاهد randomised controlled، في روسيا». وسوف يتضح للقارئ ما المقصود بذلك في السياق اللاحق أدناه.

أجريت الدراسة في 25 مركزاً طبياً في موسكو (بين مستشفى وعيادة شاملة)، على 21,977 متطوعاً أعمارهم بين 18 و87 سنة، وفق الطور السريري الثالث Phase 3 متعدد المراكز، والذين تم إشراكهم بالدراسة وفق معايير طبية محددة (أهمها أن يكون اختبارهم سلبياً لكوفيد-19 بواسطة PCR، وسلبياً أيضاً لفيروسات الإيدز HIV والتهاب الكبد المزمن C وB)، وبعد الحصول على الشروط الأخلاقية، وموافقتهم الطوعية المستنيرة، وذلك في الفترة بين 7 أيلول حتى 24 تشرين الثاني 2020 ليتلقوا الجرعتين من اللقاح بفاصل 21 يوماً، ومراقبة كل منهم لمدة 180 يوماً، لمراقبة الفعالية والأمان.

وتم تقسيمهم بشكل عشوائي: بحيث حُقِنَ ثلاثة أرباعهم باللقاح الحقيقي، وربعهم حُقِنَ بمكون «خُلَّبي» غير فعّال خالٍ من اللقاح (أو يصطلح على تسميته بالتجارب الطبية «غُفل» placebo) من أجل مقارنة فعالية التطعيم من عدمه بالوقاية من الإصابة بكوفيد-19. وذلك مع «تعمية مزدوجة» double-blinded أي دون أن يعرف المتطوِّعون ولا الكادر الصحي الذي يحقنهم ويراقبهم هل تحتوي الحقنة على اللقاح الحقيقي أم أنها خالية منه (وأحد أهداف ذلك تحييد الأثر النفسي جانباً). وطريقة الإعطاء هي حقناً في عضلة الكتف (الداليّة).

وحسب نتائج التجارب، فإن فعالية «سبوتنيك V» تتجاوز 98% من حيث الاستجابة المناعية الخلطية، بينما تقترب من 100% من حيث المناعة الخلوية. وتعتبر مشاركة متطوعين مسنّين فوق 60 عاماً جزءاً مهماً من التجربة، وأظهر اللقاح الروسي سبوتنيك V لدى هذه الفئة العمرية درجات سلامة عالية، وفعالية 91,8%. وأظهرت الدراسة أن مستوى الأجسام المضادة لدى المتطوعين الذين تم تطعيمهم به أعلى بـ 1,3 إلى 1,5 مرة من مستوى الأجسام المضادة لدى الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كورونا، بينما أظهرت لقاحات أخرى المستوى نفسه من الأجسام المضادة تقريباً أو أقل.

وأظهر اللقاح مؤشرات سلامة عالية، فمعظم الآثار الجانبية (%94) كانت خفيفة، دون تسجيل ردود فعل تحسسية شديدة أو «صدمة تأقية»، في حين كان مستوى الآثار الجانبية الخطيرة أقل منها مقارنة باللقاحات الأخرى: «سبوتنيك»: 0.27% (من مجموع الذين تم تطعيمهم)، و«أسترازينيكا»: 0.66%، و«فايزر»: 0.58%، و«موديرنا»: 0.97%.

وأكدت استنتاجات اللجنة المستقلة لمراقبة البيانات أنّ النسبة الصغيرة من المتطوعين الذين ظهرت لديهم أحداث طبية خطيرة لم تكن تتعلق بالحقنات التي تلقوها (سواء المحتوية على اللقاح أم الخالية منه). وحدثت أربع وفيات فقط من كل المتطوعين ولأسباب لا علاقة لها بالحقنات: وفاة واحدة في المجموعة التي تلقت الحقنة «الخُلَّبية»: والسبب حادث كسور فقرات صدرية لا علاقة له بالتجربة. وثلاثة وفيات في المجموعة المحقونة باللقاح الحقيقي: واحد منهم بسبب سكتة دماغية نزفية لا علاقة لها بالتجربة، واثنان كانا أصلاً من ذوي الأمراض المزمنة وتوفيا بسبب مضاعفات إصابتهما بفيروس كورونا المستجد الذي التقطاه قبل دخول التجربة ولكن لم تظهر إيجابية الاختبار لديهما سوى بعد 4 – 5 أيام من تلقي الجرعة الأولى من اللقاح، والتي ليس لها علاقة بالإصابة لأن لقاح سبوتنيك V لا يحوي الفيروس نفسه أبداً، بل يحوي مورثة واحدة منه تشفّر بروتينه السكّري الشوكي S لكي تحرّض الجسم على تشكيل المناعة، ولا يمكنها أن تسبب مرض كوفيد-19.

ويذكر أنه تم تأكيد سلامة اللقاحات القائمة على الفيروسات الغدية البشرية في أكثر من 75 منشوراً علمياً دولياً وفي 250 دراسة سريرية أجريت في جميع أنحاء العالم على مدار عقدين، علماً بأن تاريخ استخدام فيروسات الغدد البشرية في اللقاحات يعود إلى عام 1953. وطبعاً هذه الفيروسات تصيب بشكل طبيعي خلايا الجهاز التنفسي لدى الإنسان مسببة التهابات تنفسية شائعة وغير خطيرة عادةً، ومع ذلك فإنّ منصة اللقاح لا تستخدمها كما هي بل بعد عملية هندسة وراثية لها تسمى بـ«التأشيب» recombination (ومن هنا الرمز r في rAd5 مثلاً) بحيث يتم تعطيل المورثات التي تجعلها تتكاثر وبالتالي تصبح مجرد «ناقل» vector للمورثة المطلوبة من الفيروس الآخر المراد تطوير اللقاح ضدّه (مورثة البروتين السكري الشوكي S للسارس كوف2 في هذه الحالة) دون التسبب بأي مرض (لا الذي يسببه الفيروس الناقل، ولا المنقول).

منحت وزارة الصحة الروسية هذا اللقاح ترخيص الاستعمال الطارئ في روسيا منذ آب 2020. وتذكر الدراسة أنّه حتى تاريخ 23 كانون الثاني 2021، تم إعطاء أكثر من 2 مليون جرعة من لقاح سبوتنيك V لأبناء الشعب الروسي حسب الأولوية للمعرضين منهم لخطر عالٍ للإصابة وعلى رأسهم عمال القطاع الطبي، والمعلّمون.

تم تطوير لقاح «سبوتنيك V» في مركز «غاماليا» الروسي لبحوث علم الأوبئة والأحياء الدقيقة. والتمويل من صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وعلى أساس منصة مدروسة جيداً للفيروسات الغدية البشرية كناقلات. والجرعة الأولى من اللقاح ناقلها هو الفيروس الغدي من النمط 26، والثانية فيروس غدي مختلف من النمط 5، ونوّهت دراسة اللانست بأنّ استعمال ناقلين مختلفين هو من الميزات الفريدة لهذا اللقاح، وتفيد بتخفيف الارتكاسات التحسسية تجاه مكوناته.

من الملاحظات المهمة في الدراسة أيضاً أنّ فعالية «سبوتنيك V» حتى بعد الجرعة الأولى فقط هي تقريباً 73%، علماً بأنّ منظمة الصحة العالمية تعتبر فعالية 50% فما فوق فعالية مقبولة للقاحات. ويبدو أنّ هذا يعطي دفعة إضافية مشجعة لمطوّري هذا اللقاح لعملهم الجاري حالياً على تطوير نسخة وحيدة الجرعة من اللقاح «سبوتنيك لايت» Sputnik-Light، الذي حصل على الموافقة القانونية والأخلاقية للبدء بأبحاثه منذ 8 كانون الثاني 2021، كما ذكرت الدراسة.

ويجدر بالذكر بأنّ الدراسة قالت إنّه تم تنظيم ومراقبة إجرائها من خلال فرع موسكو لمنظمة «كروكوس ميديكال» الهولندية المتخصصة بتنظيم الأبحاث.

* ملاحظة: يجدر بالذكر هنا أنّ تجارب تطوير اللقاحات في بلد معيَّن تصبح أصعب وأبطأ كلّما قلّت نسبة انتشار العامل الممرض بين سكانه، لأن ذلك يزيد صعوبة إجراء المقارنة لمعرفة نسبة الفعالية، وترى بعض الآراء استناداً إلى هذه الحقيقة، أنّ ذلك قد يكون مسؤولاً جزئياً عن الانخفاض النسبي للرقم المحسوب لفعالية اللقاحات الصينية ضد كوفيد-19، لكنه يبقى مقبولاً وفق منظمة الصحة العالمية التي تقبل بفعالية 50% فما فوق. (لمعرفة المعادلة الرياضية التي تُحسَب منها النسبة المئوية لفعالية اللقاح، يمكن لمن يرغب مراجعة الصفحة السادسة من دراسة مجلة «لانسيت» نفسها التي تناولها تقريرنا هذا).

آخر تعديل على الأربعاء, 03 شباط/فبراير 2021 12:26