لماذا يحظى قوميّ روسي مثل نافالني بدعم الغرب؟
أليكسي ساخنين أليكسي ساخنين

لماذا يحظى قوميّ روسي مثل نافالني بدعم الغرب؟

كتب أليكسي ساخنين مقالاً فيه الكثير من التفاصيل عن حياة ومسيرة أليكسي نافالني الذي أثار الكثير من الضجّة في الفترة الماضية، وتقدّم قاسيون موجزاً لأبرز ما جاء في هذا المقال:

بقلم: أليكسي ساخنين
ترجمة وإعداد: قاسيون

من هو نافالني؟

في عام 2000 كان نافالني نيوليبرالياً نموذجياً، يدعم نظام تقليص الإنفاق العام والخصخصة المفرطة وتقليص الضمانات الاجتماعية و«حكومة صغيرة» وحرية كاملة للأعمال.

بعد فترة قصيرة أدرك بأنّ السياسات الليبرالية الصرفة لا شعبية لها في روسيا، فالشعب الروسي فقد ثقته بها منذ الإصلاحات الشديدة في التسعينيات، وباتت رمزاً للفقر واللامساواة واللاعدالة والإذلال والسرقة. وحتّى النخب الروسية بدأت تخشى وصمها بالليبرالية الموالية للغرب. ولهذا وجد نافالني لنفسه محراباً جديداً: القوميّة.

شارك في مسيرات الروس اليمينيين المتطرفين، وأعلن الحرب على «المهاجرين غير الشرعيين»، بل إنّه قام بإطلاق حملة «توقفوا عن إطعام القوقاز» الموجهة ضدّ المساعدات الحكومية للأقاليم الفقيرة النائية.

وكي لا يضيع في زحام القوميين، خطى أبعد من الحدود اليمينية المعروفة، فبات المحارب ضدّ الفساد. وعلى هذا الأساس أجرى عدداً من التحقيقات الصحفية المذهلة. مع العلم أنّ الكثيرين اعتبروا نافالني مجرّد مشارك في «الحرب الإعلامية» القائمة بين المجموعات الصناعية-المالية المتنافسة، بحيث لا يتعدى دوره تلقي الأوامر والمعلومات.

أخذ نافالني دوراً بارزاً في حراك «مناهضي الاستبدادية» المعارضين لعودة بوتين للرئاسة، لكنّه لم يتمكن من قيادته. حصل على دعم الطبقة الوسطى في العاصمة والمدن الكبرى، لكنّ الطبقة العاملة والغالبية من الفقراء لم يثقوا به. لم تشكّل مكافحة الفساد بالنسبة لهؤلاء جاذباً، فقد اعتبروا الفساد مجرّد تكنيك لإثراء النخبة، ولكنّه ليس سبب اللامساواة الطبقية ولا جوهره. أظهر هذا بأنّ القيم اليسارية لا تزال تحظى بمكانة كبيرة في المجتمع الروسي.

 

لا تتخطى الحدود

تعلّم نافالني ممّا حدث، وعرف بأنّ طريقه لاكتساب شعبية بين الناس هي بالمناداة بأفكار يسارية، ولكن دون تخطي الحدود التي قد تجعله عدوّاً للنخب. سافر نافالني حول البلاد مطالباً بزيادة تعويضات التقاعد ورواتب موظفي الدولة، وبدأ بمهاجمة الإجراءات مثل رفع سنّ التقاعد التي تبنتها حكومة بوتين، رغم أنّ حزبه كان قد نادى بها من قبل.

لم تحمل خطب وأفلام نافالني أي حقائق أو بيانات جديدة، فالحديث عن قصر بوتين على ساحل البحر الأسود أمرٌ متداول منذ 2010. لكنّ تكرار مثل هذه الأمور يهدف لاستقطاب المجموعات المفقرة الباحثة عن صوت لها، مع الحرص على تناول القضايا التي يطرحها دون إثارة سخط النخب الروس.

اعتبر الكثيرون زيارة ميركل له في المستشفى إشارة واضحة وجهتها لنخب الأعمال والبيروقراطية الروس للإعلان عن مسار الهوى الغربي، خاصة وأنّ هناك شكوك بحصول نافالني على دعم ضمني من جزء من النخب. حتّى البيانات التي يذكرها في تحقيقاته تحمل الكثير من التفاصيل الحميمية التي لا يمكن أن يعلم عنها دون تعاون من الداخل. لا يهم التحليل الحقيقي لهذه البيانات والتفاصيل، فتأثيرها كبير على الشارع.

لكنّ مربط الفرس يبقى عدم تخطيه الحدود، فانتقاداته للفساد لم توصله لمطالب اجتماعية جذرية. فهو يقف ضدّ عكس مفاعيل الخصخصة الإجرامية في التسعينيات، وضدّ إعادة توزيع الدخل الوطني لصالح الطبقة العاملة. إنّ أقصى ما يدعو له هو «رسوم تعويضية» يدفعها الأثرياء لشرعنة اغتصابهم لأملاك الدولة في التسعينيات. يشبه بهذا ما فعله طوني بلير في 1997 عندما فرض ما يسمى «ضريبة ويندفول»، الإجراء الذي ثبّت نتائج سياسات تاتشر النيوليبرالية واستيلاء الأثرياء على الأملاك العامة.

يأمل نافالني، بعودته الدرامية إلى روسيا، بلعب دورٍ أكبر، وخاصة وأنّه طلب إلى مناصريه النزول إلى الشارع أثناء قيام الشرطة باحتجازه. يريد أن ترتبط أيّ دعوة للتغيير باسمه، دون أن يكون هناك محلٌّ لنقاش هذا التغيير وعلى ماذا سينطوي. هذا الوضع نموذجي لانقلاب يتم باسم الشعب وبمساعدته، ولكن دون أيّ مسؤولية أمام هذا الشعب. تشبه دعواته ما حدث أثناء سقوط الاتحاد السوفييتي أو أثناء «الثورات الملونة» في البلدان ما بعد السوفييتية.

 

بتصرّف عن: How a Russian Nationalist Named Alexei Navalny Became a Liberal Hero