ضابط بريطاني سابق: لماذا يستمر الناتو  بعملياته؟
برايان كلوغلي برايان كلوغلي

ضابط بريطاني سابق: لماذا يستمر الناتو بعملياته؟

أقنعت الحكومات والأجندة الإعلامية المكثفة معظم المواطنين الغربيين بأنّ روسيا غزت شبه جزيرة القرم، وتلاشت الحقيقة في الوحل النشط الذي قررت الحركة المناهضة لروسيا بأنّه «تاريخ».

غلوبال ريسيرتش، بقلم: برايان كلوغلي*
ترجمة قاسيون

في آذار 2014، أعلنت مقاطعة القرم ذات الأصل الروسي انفصالها عن أوكرانيا. كان هناك استفتاء على السيادة أجراه 2.4 مليون إنسان، ولم تكن هناك ولا حالة إراقة دماء أثناء كامل العملية. طلبت حكومة القرم من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا «OSCE» إرسال ممثلين لمراقبة الاستفتاء، لكنّ المنظمة رفضت ذلك، وتمت إدانة الاستفتاء بشدة من قبل الولايات المتحدة. 90% من سكان القرم هم من الناطقين بالروسية، ومتعلمون باللغة الروسية ومن ذوي الثقافة الروسية، والأهم بأنهم صوتوا على «حل العصبات السياسية التي ربطتهم بآخرين» من أجل الانضمام لروسيا. سيكون من الغريب لو أنهم لم يرغبوا بالانضمام لبلد لا يرحب بقربهم وتعاطفهم وولائهم فقط، بل يحمل لهم خيراً اقتصادياً مستقبلياً.

رغم ذلك، تستمر موجة الدعاية، وقد تمّ حديثاً إنشاء موجات جديدة عبر عدة أوراق سياسات مثل «ناتو 2030»، و«متحدون لعصر جديد»، ما يوضح نوايا الناتو-الولايات المتحدة المبيتة.

تفتح الأهداف الجديدة أبواباً واسعة النطاق للناتو للتدخل بشكل أعمق في شؤون دول لا علاقة لها بشمال الأطلسي، من أجل الاستمرار بمواجهة روسيا عبر تكثيف الحشود العسكرية حول حدودها وتصعيد العمليات الاستفزازية براً وبحراً وجواً.

 

تحالف ناجح حقاً!

تؤكد الأوراق المذكورة بشكل كبير بأنّ «الناتو هو أحد أكثر التحالفات نجاحاً في التاريخ» بما يستحق البهجة والفخر. هذا التجمع العسكري الذي يتعثر في أفغانستان حتى الآن، ويتعثر حتى في طريقه للخروج منها، حيث لم يحقق أي شيء على وجه التحديد إلا ضرب الاستقرار وزعزعته. في تشرين الثاني حاول أمين الناتو العام ستولتنبرغ إيجاد وجه يغطي على فوضى الانسحاب المهين لحلف الناتو من خلال القول: «إننا نواجه الآن قراراً صعباً. إننا في أفغانستان منذ قرابة عشرين عاماً، ولا أحد من أعضاء الناتو يريد البقاء هناك أطول من اللازم. لكن في الوقت ذاته، قد يكون ثمن المغادرة مبكراً أو بطريقة غير منسقة مرتفعاً للغاية».

لكنّ الذي لم يقله ستولتنبرغ هو أنّ الرئيس ترامب لم يستشره لا هو ولا أي عضو آخر من الناتو بشأن قراره في الشروع بسحب القوات الأمريكية من هناك. المكان هناك تزداد فيه الفوضى بالنسبة للتحالف، فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 26 تشرين الثاني: «قتل على الأقل 19 من القوات الحكومية و33 مدنياً في أفغانستان الأسبوع الماضي في باميان. وفي العاصمة كابول قتل 18 شخص وجرح 59 آخرون. وفي كابول أيضاً قتل 10 مدنيين وجرح 59 آخرين عندما أطلقت شاحنة صغيرة 23 صاروخاً».

ورغم ذلك يصمم ستولتنبرغ بأنّ الناتو أنجح تحالف بالتاريخ «بضمه ما يقرب من مليار شخص ونصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي»، ناسياً أنه بعد عشرين عاماً في أفغانستان كان الناتو عاجزاً عن منع مجموعة قليلة من رجال العصابات من إطلاق الصواريخ على العاصمة.

نرى في أوراق الناتو إشارة كذلك إلى ليبيا، والجدير بالذكر أنها ترد مرة واحدة في الوثيقة الأولى المكونة من 67 صفحة، معلنة بأنّ استمرار عدم الاستقرار في ليبيا كان أحد أسباب الهجرة غير الشرعية التي تشعر جميع أنحاء أوروبا بوطأتها بشكل حاد. ورغم أنّ ما قيل صحيح في جزء منه، فقد أغفل الحديث عن الكيفية التي وصلت فيها ليبيا إلى هذا اللا استقرار، وعن الدور الذي لعبه الناتو في تدمير البلاد، وبالتالي خلق هذه المعاناة التي لم يختبرها شعب المنطقة المسكين من قبل.

في 19 آذار 2011 بدأت الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى «باستثناء ألمانيا التي رفضت الانضمام» غاراتها الجوية والصاروخية ضد حكومة معمر القذافي. في الأشهر السبعة التي انقضت قبل مقتل القذافي في 20 تشرين الأول، كان هناك 9658 هجوماً جوياً على ليبيا التي تحولت بعدها إلى الحرب الأهلية. يبدو من الجيد التذكر بأنّ بعض المغفلين أمثال إيفو دالدر، الممثل الأمريكي الدائم في مجلس الناتو، والأدميرال جيمس ستافريديس، القائد الأعلى الأمريكي لقوات أوروبا المؤتمرة بالناتو، قد أعلما في الفترة ذاتها قيادة الأطلسي والعالم بأنّه: «تم الترحيب بعملية الناتو في ليبيا على أنها تدخل نموذجي. واستجاب التحالف بسرعة للوضع المتدهور الذي هدد مئات الآلاف من المدنيين المتمردين على نظام قمعي. لقد نجح التحالف بحماية المدنيين، وفي نهاية المطاف توفير الوقت والمساحة اللازمين للقوات المحلية للإطاحة بمعمر القذافي».

تعالوا الآن نرى الوضع في ليبيا وفقاً لتقرير مستقل عن المنظمة الإعلامية «فاناك»: «البلد مفكك. ليبيا تصبح موزاييك من المناطق التي لا دولة فيها: دول-مدن، ومناطق تسيطر عليها العشائر. البلد اليوم قاعدة لتهريب الأسلحة والإتجار بالبشر، وتهريب المخدرات، وغيرها من الأمور غير الشرعية... بالنسبة للاتحاد الأوروبي فإنّ ليبيا التي كانت جاذباً له في يوم من الأيام بسبب مواردها الطبيعية، هي اليوم مصدر تهديد كبير بسبب إمكانية الهجوم على السفن الأوروبية والمدن الساحلية وخطر التسلل إلى بلدان القارة وموجات اللاجئين الهائلة ممن يشقون طريقهم من جميع أنحاء المنطقة عبر ليبيا».

علينا أن نشكر «أنجح تحالف في التاريخ» على تحويل دولة قائمة إلى حالة من الفوضى. ماذا علينا أن ننتظر تالياً من الناتو؟

روسيا والصين دون أدنى شك...

تدعي أوراق الناتو بأنّه: «بعد نهاية الحرب الباردة، حاول الناتو بناء شراكة ذات مغزى مع روسيا». لكنه سهى عن ذكر أنّ الناتو ضم في 1999 كلاً من بولندا وهنغاريا وجمهورية التشيك بهدف حصار روسيا. ثمّ في 2004 أتى إلى بلغاريا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. ومن أجل زيادة الخناق حول حدود روسيا، تمت إضافة ألبانيا وأوكرانيا في عام 2009، وأخيراً جاءت نكتة مونتنغرو في 2017 ومقدونيا الشمالية في آذار 2020. إذاً هم يبحثون عن الاستقرار أليس كذلك؟

يجب أن يكون العالم اليوم قد تلقى التحذير بأنّ تكتل الولايات المتحدة-الناتو العسكري لطالما كان قوة غير كفوءة ومزعزعة للاستقرار. لكن ما يجب أن نفهمه أنّ هذا الأمر متأصل في هذه المنظمة وفي بحثها عن تهديدات أخرى وأماكن مستقرة أخرى لتزعزعها. في الحقيقة مهما بحثت عن مصادر تهديد فلن تجد، ولكن هذا لن يمنع الناتو من البحث والصخب، فالهدف خلق المزيد من اللا استقرار في جميع أنحاء العالم بينما يقفون ويرفعون شعار «متحدون لحقبة جديدة».

 

بريان كلوغلي: ضابط سابق في الجيش البريطاني والأسترالي، ونائب سابق لبعثة عسكرية للأمم المتحدة في كشمير، والملحق الدفاعي الأسترالي في باكستان.

المصدر: https://www.globalresearch.ca/nato-determined-find-threats-challenges-justify-existence/5731916