تعويضات الحرائق لرفع العتب، أم للتهرب من المسؤولية؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

تعويضات الحرائق لرفع العتب، أم للتهرب من المسؤولية؟

عودة لموضوع المليارات التي جرى الحديث عنها لصرفها كتعويضات للمزارعين المتضررين من الحرائق، وما رافق ذلك من تضخيم إعلامي عن دور الحكومة وبعض الجهات غير الحكومية وبعض رجال الأعمال بهذا السياق، فلنرى على أرض الواقع كيف تمت ترجمة بعض هذه التعويضات رقمياً، ولنتسائل مجدداً عن كفايتها لابقاء هؤلاء المزارعين في أرضهم والحفاظ عليها وعلى مستويات إنتاجها؟!.

يقول الخبر المتداول عبر بعض وسائل الإعلام مايلي:
"بلغت قيمة التعويضات الممنوحة للمزارعين المتضررين من الحرائق التي نشبت مؤخراً في محافظة طرطوس نحو مليار ومئتي مليون ليرة، تم توزيعها على 4758 مستفيداً. وبين المهندس حيدر شاهين، رئيس دائرة التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية بمديرية زراعة طرطوس، أنه تم توزيع كامل المستحقات المالية للمتضررين المسجلين ضمن قوائم اسمية أعدتها اللجان المكانية المشكلة في كل قرية وتضم فنيين من مديرية الزراعة ومختار القرية ورئيس الجمعية الفلاحية".

تفسير مضمون الخبر أعلاه يعني أن:
-ملف التعويضات في محافظة طرطوس قد تم إغلاقه.
-تم تعويض كل متضرر مسجل بالقوائم بمبلغ يقدر بحدود ٢٥٠ ألف ليرة وسطياً، عداً ونقداً.
-التعويضات التي تم، أو سيتم، صرفها للمتضررين من الحرائق في بقية المحافظات لم ولن تكون مختلفة عن التقديرات السابقة.

فهل يغطي المبلغ السابق كلفة الخسائر التي لحقت بالفلاحين لقاء بعض الأضرار، مثل:
-بدل الأشجار المحترقة والتالفة.
-الخسائر من إنتاج الموسم الحالي.
-كلفة العمليات اللازمة لاستصلاح الأرض.
-بدل خسائر محاصيل المواسم اللاحقة، لحين إمكانية استعادة الإنتاج كما كان عليه.

قد يبدو الرقم ٢٥٠ ألف، بعدد خاناته الستة الصماء، كبيراً، لكنه مع كل أسف، يصبح صغيراً ومحدوداً على مستوى الفاعلية عندما يمثل مبلغاً من المال المقدر بالليرة السورية في وقتنا الراهن.
فمن المفروغ منه أن مبلغ التعويض الوسطي المذكور بالكاد قد يغطي نفقات أسرة صغيرة لمدة شهر واحد على الغذائيات الضرورية فقط لاغير، فكيف بكلفة الخسائر المذكورة سابقاً كمثال، وهي كبيرة حكماً، ومن أين للفلاحين المتضررين تأمينها؟!.

من الناحية العملية فإن المبلغ المصروف كتعويض، بملياراته المحدودة، أقل ما يقال فيه أنه شكل من أشكال رفع العتب ليس إلا، إن لم نقل أنه تخلي رسمي عن المزارعين بكارثتهم ومأساتهم، وما على هؤلاء إلا تدبر أمرهم بالنتيجة!.

بناءً عليه تبدو الخشية مشروعة جداً من أن يضطر البعض من المتضررين لهجرة الأرض، والعزوف عن الزراعة بشكل نهائي، وذلك لعدم تمكنهم من تحمل خسارتهم، ومن استصلاح أرضهم لاستعادة إنتاجها، وبالتالي فقدانهم ليس لعملهم فقط، بل ولمصدر رزقهم ومعيشتهم، وبهذه الحالة لن يكونوا هم وحدهم الخاسرين كمنتجين، بل المستهلكين كذلك الأمر، والاقتصاد الوطني عموماً.

وعلى مبدأ رب ضارة نافعة تبدو كارثة المزارعين، والاقتصاد الوطني عموماً، فرصة للبعض، فحيتان الاستيراد يتحينون الفرصة لتوسيع قوائم سلعهم المستودة، ولو كان ذلك على حساب وقف أو تدمير المنتج المحلي منها، زراعي أو صناعي وحرفي، مع عدم تغييب فرصة السماسرة وتجار الأراضي والعقارات والمتعهدين وأصحاب المشاريع الاستثماية، الذين يسعون لتوسيع مشاريعهم على حساب الأراضي الزراعية التي سيهجرها الفلاحين اضطراراً.

لعله من المؤكد بعد كل ذلك أنه لا يمكن رفع العتب عن دور الدولة والحكومة ومسؤولياتها، فالكارثة ليست فردية، وإن بدت أو تم التعامل معها على هذا الأساس، مع هزالة هذا التعامل، بل هي عامة بنتائجها السلبية الكبيرة، الراهنة والمستقبلية.