بولتون: صفقة القرن لن تؤدي لشيء، ولا أحد سيأخذها على محمل الجد
بينما يتصاعد الحراك الشعبي في قطاع غزة المحاصر على وقع التصعيد العسكري بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات العدو، خرج مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، (وهو المعروف بأنه «الصديق الوفي» لكيان العدو والناصح له باستمرار) ليزيد الحسابات الصهيونية تخبطاً وارتباكاً.
لا بايدن ولا ترامب
يؤكد بولتون أنه «يجب أن يشعر الإسرائيليون بالقلق إزاء عدم اليقين الذي تسببه الانتخابات الأمريكية»، وفي لقاءٍ أجرته معه صحيفة «ماكور ريشون» العبرية يوم السبت 8/8/2020، بدد المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي بعض الرهانات الصهيونية الداخلية على إمكان تحقيق مكاسب سياسية تبعاً لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها في الثالث من تشرين الثاني المقبل.
ويبني بولتون استنتاجه هذا استناداً إلى تقديره أنه لا المرشح عن الحزب الديمقراطي، جو بايدن، ولا المرشح عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، سيكونان شديدين مع إيران، وبالتالي، فإن المصلحة «الإسرائيلية» ستكون مهددة أياً كان من يصل إلى البيت الأبيض. فمن جهة بايدن، يقدّر بولتون أن إدارته المستقبلية سوف تتخذ نهجاً مشابهاً جداً لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وهي الإدارة التي وقعت الاتفاق النووي مع إيران، وينبّه إلى أن «في الحزب الديمقراطي معادين كثر لإسرائيل، وسيكون لذلك تأثير كبير على إدارة بايدن» حسب وصفه.
أما من جهة ترامب، يرى بولتون أنه «من المؤكد أن ولاية ترامب الثانية لن تكون كما الأولى إطلاقاً. وهنا، يجب أن تسأل إسرائيل نفسها ما الذي سيفعله ترامب بشأن المسألة الإيرانية؟»، مؤكداً أن نشاطات بعض الأشخاص المقربين من ترامب ستفعل فعلها في أن تحول دون تحقيق الغايات التي تريدها «تل أبيب»، ويشدد: «أنا لا أقول إن بايدن سيكون رئيساً أفضل بالنسبة لإسرائيل، لكنني أجزم أيضاً أن الولاية الثانية لترامب لا يمكن أن تكون كالولاية الأولى».
وربما الأهم من ذلك هو الرأي الذي أبداه بولتون إزاء ما يسمى بـ«صفقة القرن»، فبينما لا تزال تنشغل بعض الأوساط الفلسطينية والعربية في المبالغة بتقدير إمكانيات واشنطن لفرض «الصفقة»، يقول بولتون:
«لا أعتقد أن صفقة القرن سوف تؤدي إلى أي مكان، لقد كانت محاولة جديدة لحل الصراع وخطوة منطقية، لكن الخطة تأجلت لفترة طويلة لدرجة أنها فقدت فرصة أن تثمر أي شيء... وكل يوم يمر يزيد من صعوبة تحريك الفكرة... ومن شبه المؤكد أن أحداً لن يأخذها على محمل الجد».
ليس مجرد «عدم يقين»
ما ينبغي التوقف عنده هنا هو ليس ما قاله بولتون فحسب، بل ما لم يقله أيضاً، وهو أن حالة «عدم اليقين» الصهيونية التي يتحدث عنها إنما تجري في ظل عاملين مرعبين بالنسبة للكيان: أولاً، الانسحاب الأمريكي المتسارع من المنطقة بكل ما يتركه ذلك من انعكاسات على العدو، وثانياً، أزمة الحكم التي تسود المشهد في الكيان. ما يعني أن هذا الأخير لا يعيش في لحظة «عدم يقين» فحسب، بل يعاني «قلقاً وجودياً» حقيقياً، حيث يضطر لمواجهة المستجدات في المنطقة وهو لا يقوى على ترتيب «بيته الداخلي» من جهة، وليس بمقدوره أن يعول على دعمٍ أمريكي منقطع النظير كما جرت العادة من جهةٍ أخرى.
وربما أهم من العاملين معاً، أنّ «صفقة القرن» بالذات، قد أنهت بلحظة واحدة الأساس الذي ارتاحت إليه «إسرائيل» طوال العقود الثلاثة الماضية؛ نقصد بالذات اتفاق أوسلو وما خلفه ضمن الأوساط السياسية الفلسطينية من كوارث، وبما يعنيه نسف هذا الأساس من فتح للباب أمام إعادة تشكل الحركة الوطنية الفلسطينية على الأسس الصلبة لمسألة التحرر الوطني والتي كانت ولا تزال المهمة الأولى الملقاة على عاتقها...
المفارقة التي تدعو للتفكير جدياً هي أنه رغم كل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للكيان على مدار عقودٍ مضت، ورغم أن أزمة الحكم في الكيان لم تكن حاضرة بهذه الحدة خلال هذه العقود، فإن العدو كان يراكم الهزيمة تلو الأخرى منذ مطلع القرن الحالي، من جنوب لبنان إلى المواجهات الآن في قطاع غزة، فما الذي يمكن التنبؤ به اليوم في ظل تراجع الوزن الأمريكي وانقسام «البيت الداخلي» للكيان؟ انهيار «صفقة القرن» بالمعنى الواقعي بات وراءنا... لذا فالتنبؤ العلمي ينبغي أن ينطلق مما بعد انهيار «صفقة القرن»...