الاستفادة من تتالي سقوط الاشتراكيين الديمقراطيين في الانتخابات
إيريك بلانك إيريك بلانك

الاستفادة من تتالي سقوط الاشتراكيين الديمقراطيين في الانتخابات

ملاحظة المحرر:

يقدم المقال الذي تعرض قاسيون ترجمته فيما يلي، نموذجاً من نماذج عمليات النقد التي تتوسع يوماً بعد آخر لما يسمى أحزاب وقوى «يسارية» في الدول الغربية، وبشكل خاص من داخل تيار «الاشتراكية الديمقراطية» التي تحولت منذ الحرب العالمية الأولى (كما يعترف الكاتب نفسه) إلى احتياطي للبرجوازيات الغربية في إطار حروبها فيما بينها، وفي إطار حربها المستمرة على شعوبها والشعوب الأخرى على حد سواء.

ورغم أنّ حدود الانتقاد الذي نراه في هذا المقال لا تزال أقل جذرية بكثير من الانتقاد الذي وجهه لينين لتيار الاشتراكية الديمقراطية والتيارات الشبيهة به قبل مئة عام في كتابه «الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي (1918)»، وبشكل خاص نتيجة استمرار الارتباط بفهم الديمقراطية بشكل مبتور وضيق انطلاقاً من مفهومها البرجوازي المخادع، فإنّه لا يخلو من فائدة؛ فهو، ضمن تيار واسع من المقالات والآراء، مؤشر على عودة الحياة للنقاش الحاسم حول المعنى الطبقي العميق لفكرة اليسار الجذري، ودور الطبقة العاملة الحاسم في قلب النظام العالمي.

بقلم: إيريك بلانك* 
تعريب وإعداد: عروة درويش

شتتت الاشتراكية الديمقراطية قوى الطبقة العاملة وعزلت الحركة عن جذورها العمّالية، فحولت النقابات والمنظمات اليسارية إلى نوادي علمانية معزولة فاقدة للديناميكية اللازمة لبثّ الحياة فيها في مواجهة إحكام الرأسمالية سيطرتها على الدولة. إنّ كوننا اشتراكيين لن يكون أمراً سهلاً في القريب العاجل. لكن إن أردنا أن نبدأ بالفوز، فعلينا أن ندرس الهزائم الحديثة التي تعرضت لها الحركات «اليسارية» المتنوعة مثل سيريزا في اليونان وجيرمي كوربين في بريطانيا وبرني ساندرز في الولايات المتحدة، وذلك ضمن إطار إخفاقات ما يسمّى «بالاشتراكية الديمقراطية» التي احتلت جزءاً كبيراً من القرن الماضي، وابتعادها عن الاشتراكية الجذرية. خسر «اليسار» بعض المعارك الموجعة مؤخراً، وذلك رغم أنّ جيرمي كوربين وبيرني ساندرز نجحا في لفت الانتباه إلى عودة اليسار «الراديكالي» بالنسبة لبريطانيا، وصعود الخطاب «الاشتراكي» بالنسبة للولايات المتحدة، سواء في بلادهما أو ما بعدها. لقد تركت خسارتهما اليسار في حالة صدمة، يبحث عن إجابات. وكي نحصل على إجابات، علينا أن ننظر أعمق لنفهم المشكلة ونتخطاها.

أزمة الاشتراكية الديمقراطية

إنّ أزمة اليسار الحالية تعكس في جذورها الحدود التي لم تتمكن الاشتراكية الديمقراطية في القرن العشرين من تخطيها. إنّ أمام اليسار اليوم درسٌ يجب تعلمه بأقصى سرعة ممكنة كي لا تتكرر الأخطاء بأشكال أخرى، فكيف يتجنب اليسار المأزق الذي وصل إليه في القرن الماضي، وهو بشكل محدد: الاشتراكية الديمقراطية.

فمنذ وقت مبكر من القرن العشرين، أنتجت نجاحات الحركات العمّالية في الصراع من أجل التصويت وغيرها من الحقوق الديمقراطية، ميلاً معقداً للمنظمات العمالية – وبشكل خاص قادة هذه المنظمات – ليصبحوا منخرطين في الواقع الرأسمالي. أصبح هذا واضحاً في عام 1914 عندما اصطفّ القادة الاشتراكيون على طول أوروبا وراء حكّام بلادهم عندما تمّ إعلان الحرب العالمية. وعلى طول العقود التالية زادت مشاركة القوى التي استمرت في التغاضي عن الصراع الطبقي. فعلى طول العالم داخل النقابات والأحزاب الاشتراكية، بدت الجهود لبناء قدرات عمّالية وتنظيم الطبقة بشكل أكبر وأوسع وكأنّ الريح قد ذرّتها.

وفي السبعينيات، كان على هذه الأحزاب والنقابات أن تبدأ بمقاومة الرأسمالية ليس في الشوارع وأماكن العمل فقط، بل داخل الدولة. لكن لسوء الحظ، معوقات الاشتراكية الديمقراطية لم تمكنها من تخطي هؤلاء القادة غير الفاعلين في الوقت المناسب لمواجهة العدوانية النيوليبرالية الدولية التي بدأت في الثمانينيات. والنتيجة باتت واضحة اليوم: تمّ ضرب النقابات والتراجع عن دولة الرفاه وأصبح العمل أكثر زعزعة وأقل استقراراً، وباتت مجتمعات الطبقة العاملة مفتتة أكثر وأقل قدرة معنوياً.

وعلى طول العقود الأربعة الماضية من التراجع، كانت تنتفض الحركات الاشتراكية بشكل دوري لتقف ضدّ الحرب والقمع العرقي والجنسي والعولمة والتدمير البيئي. لكن دون قوّة النقابات المتماسكة أو القوى المتجددة للأحزاب الاشتراكية، كانت معظم هذه الانتفاضات تأتي وتذهب دون أن تظفر بتحقيق مطالبها ودون قدرة على تغيير التوازن بين قوى العمّال وسطوة أصحاب المليارات.

ونتيجة لتكييف قوى اليسار نفسها مع هذا الواقع، باتت مهمشة وفوضوية إلى حدّ كبير وابتعدت عن السياسة والانتخابات بشكل شبه كلي. بات الواقع الجديد: «فلنغيّر العالم دون الاستيلاء على السلطة». لكنّ تجاهل الدولة الرأسمالية أثبت بكل أسف بأنّه غير فاعل للتخلص منها. ومع وصول مثل هذا النوع من «الحركة» إلى طريق مسدود، كان من اللازم الخروج وتبني نهج جديد.

التراجيديا

بعد الأزمة المالية وانفجار المظاهرات المناهضة للتقشف واحتلال الساحات والاضطرابات في عام 2011، تمكن الجذريون أخيراً من الانتقال من «التظاهر إلى السياسة». يمكن تعريف السياسة اليسارية منذ عام 2014 بأنّها التحول في «معارضة العولمة الرأسمالية» من الشارع إلى الدولة. وضمن هذه المدّة القصيرة بشكل كبير، كسر اليسار عقوداً من التهميش الاجتماعي والتواجد السياسي في الشارع فقط، ليصبحوا بذلك منافساً قوياً على السلطات الحكومية.

عاد الصراع الطبقي إلى التيارات السياسية السائدة – وهو تطور تاريخي كبير من المرجح أن يؤتي ثماره في السنوات والعقود القادمة. لكن كما لاحظ الزعيم النقابي البريطاني أندرو موراي: هذه السياسة الجديدة هي في العموم ذات تركيز طبقي أكثر منها ذات جذور طبقية»، باعتبارها لم تخرج «من المؤسسات العضوية للطبقة نفسها». بكلمات أخرى، رغم أنّ اليسار اليوم يسعى لاستقطاب العمال ضدّ الرأسمالية، فلا يزال يفتقد للروابط العميقة بمنظمات الطبقة العاملة وبالشبكات الاجتماعية.

كان بناء مثل هذه الروابط صعباً بالتحديد لأنّ العمالة المنظمة قد تراجعت في العقود الماضية. فرغم كثرة النقابات فإنّ معدلات الإضراب عند أدنى مستوياته التاريخية، وقد أجبر الاشتراكيون على محاربة المليارديرية وإحدى يديهم مربوطة خلف ظهورهم.

لدينا اليوم ثلاث حالات لندرسها ونتعلم من تجاربها: سيريرزا في اليونان وكوربين في المملكة المتحدة وساندرز في الولايات المتحدة. يتطلب عكس النيوليبرالية والتقدم ناحية الاشتراكية منّا توسيع وتحويل منظمات الطبقة العاملة، وكذلك دمقرطة الدولة من خلال تشجيع المشاركة الشعبية الفاعلة. لن نتمكن دون هذه التغييرات من النجاح.

اليونان

التجربة في اليونان تستحق الدراسة. فعلى إثر موجة من الإضرابات التصاعدية واحتلال الساحات والمظاهرات بدءاً من عام 2010 فصاعداً، تهيأ المسرح لفوز سيريزا بالانتخابات. تمّ انتخابهم في كانون الثاني من عام 2015 بتفويض لإنهاء التقشف المدمر المفروض من قبل الترويكا: البنك المركزي الأوربي والمفوضية الأوربية وصندوق النقد الدولي، وقد رفع الحزب من توقعات العمال اليونانيين واليسار العالمي بشكل هائل. لكن بحلول تموز من ذلك العام، وقّع قادة سيريزا «مذكرة ثالثة» رسخت ذات سياسات التقشف التي انتخبوا من أجل عكسها ومناهضتها.

إنّ تأطير هذه المسألة بوصفها مجرّد استسلام وخيانة من قبل أليكسيس تسيبراس يجعلنا نفوّت معرفة الجذور السياسية الأعمق للهزيمة. فالمشكلة لم تكن في أنّ قادة سيريزا لم يأخذوا بجدية تطبيق «الخطة البديلة» التي يرفض اليونانيون بموجبها كامل الإجراءات التقشفية، ويغادروا منطقة اليورو ويتبنوا عملة بديلة. قبل وصولهم إلى السلطة بوقت طويل، تخلى هؤلاء القادة عن التزامهم الرسمي ببناء قدرات الطبقة العاملة التي يمكن الاستناد إليها.

أعطي قليل من الاهتمام لمن سيقوم في الحزب بمهمة تنظيم الكوادر في المجتمع. لم تكن الزيادة في عضوية الحزب متناسبة على الإطلاق مع مدى الاختراق الانتخابي. وحتى عندما انضم ناشطون جذريون جدد، لم تفعل القيادة سوى القليل لدعم أجهزة الحزب التي تريد تطوير قدرات هؤلاء الناشطين ليتمكنوا من تحويل فروع الحزب إلى مراكز لحياة الطبقة العاملة ومشاركتهم بذلك بشكل استراتيجي، عبر وصل الشبكات والتخطيط لصيغ بديلة من الإنتاج والاستهلاك. كل هذا وشى بمدى نيّة سيريزا استكشاف سبل الخروج من حدود الاشتراكية الديمقراطية.

أصبحت الفرص الضائعة للتحفيز والاعتماد على تنظيم الطبقة العاملة حادة بشكل خاص بعد تولي سيريزا للمنصب. فكما قال أحد المناضلين اليونانيين أندرياس كاريتزيس: لا قيادة الحزب ولا النقاد الجذريون – وهم الأهم – قدموا خططاً صلبة لتعبئة طاقات الجماهير لتطبيق سياسات تقدمية.

يتطلب تخطي عقبات المؤسسات اللا ديمقراطية تحويل الدولة من خلال ربطها بالمبادرات الشعبية وتعزيزها. فمئات اللجان التي تمّ إنشاؤها أنتجت غموضاً في المواجهة السياسية بدل اتباعها خططاً تنفيذية محددة بحسب القطاع من أجل تخطي العقبات وإعادة هيكلة وظائف الدولة والمؤسسات ودفعها نحو التوجه الديمقراطي. فمن بين الكثير من الاحتمالات، كان بإمكان وزارة التعليم تحويل المدارس إلى «مراكز اجتماعية» لدعم جهود الناشطين المحليين وتقديم التعليم والتدريب التقني لقاطني الأحياء وللأهالي لتعبئتهم.

فمع عدم حشد أركان الحركة الجماهيرية والمنظمات العمالية في اليونان – ومع عزل الحكومة دولياً تبعاً لضعف علاقات القوة في الخارج بشكل ملحوظ – لم يكن مفاجئاً خضوع تسيبراس في النهاية للترويكا. وعلينا ملاحظة أنّ هذا السياق لا يبرر قرارات قادة سيريزا ولا يعطيهم العذر، ولكنّه يوجهنا لتعلم درس استراتيجي ذي أهمية كبيرة: الفوز في الانتخابات ليس كافياً، وكي تتمكن الحكومة اليسارية من تطبيق أجندتها عليها أن تعتمد على حشد الحركات العماليّة وتعزيز تنظيمها، وعليها أن تطلق النضال لدمقرطة الدولة لا أن تعمل وفق الأطر الرأسمالية المهيمنة.

كوربين والتيار الجذري في حزب العمّال

لن يتمكن الاشتراكيون من الذهاب بعيداً دون منظمات عمّال جماهيرية قادرة على تحفيز ملايين العمال وبناء منطق سياسي سليم جديد على الأرض. وقد كان اشتراكيو بريطانيا يناقشون هذا الأمر قبل أن تجعله هزيمة كوربين في عام 2019 واضحاً بشكل جلي.

فرغم فوز الجذريين بقيادة الحزب في 2015، فإنّ الكثير من أجنحة حزب العمّال البرلمانيين والمسؤولين المحليين وقواعد النقابات بقيت نفسها دون تغيير. في الواقع، هناك وثائق من 850 صفحة تمّ تسريبها مؤخراً تظهر كيفية قيام قادة حزب العمّال اليمينيين بقضاء معظم السنوات الخمس الماضية وهم يسعون بنشاط لتقويض كوربين من الداخل.

إنّ دفقاً من الأعضاء الشباب، متمركزين حول القوّة المحفزة الجديدة، دفعوا بشكل يثير الإعجاب ناحية اتجاه جديد. لكن المهمّة كانت صعبة على هؤلاء الناشطين غير المتجذرين وغير الخبيرين. فكما حاجج عضو حزب سالفورد توم بلاكبورن في 2017: كان التحدي أن «تجمع بنشاط الدعم الشعبي لإيجاد بديل سياسي جذري، وذلك عوضاً عن افتراض أنّ هناك دعماً كامناً بالفعل، ينتظر الاستفادة منه فقط». وبما أنّ الالتزام بالكوربينية لم يكن متساوياً بين الأجيال والأقاليم، فالأمر كان يحتاج الكثير من الصبر أثناء تنظيم العمل للفوز بولاء غالبية الطبقة العاملة.

كانت هناك حاجة لمبادرات من المستويات الأدنى ومن قيادة كوربين للتقدم بهذا المشروع الشاق، وكان على الأرجح سيؤدي إلى تصادم مع مسؤولي الحزب الأقوياء ونواب حزب العمال الوسطيين. سلّط بلاكبورن الضوء على الحاجة «للوضوح والصدق بشأن حجم المهمة التي تواجه يسار حزب العمّال الجديد، وطبيعة تلك المهمة أيضاً» ونادى من أجل إعادة «حزب العمال بوصفه قوّة فاعلة في مجتمعات الطبقة العاملة، ولدمقرطة هياكل صنع القرار وتأهيل الجيل الأصغر من كوادر يسار الحزب ومرشحيه وناشطيه».

وقد كان من الأسباب المتداخلة التي أدت لخسارة كوربين في أواخر 2019 هو غياب حركة عمّالية قوية كانت تلوح في الأفق. ففي المناطق ما بعد الصناعية تحديداً، والتي تركتها عقود من الهزائم والتهميش واختفاء حزب العمّال أو الهياكل النقابية مستسلمة ومتذمرة للغاية، كان للتوق لسماع رسالة كوربين الطموحة ولترديد صداها فاعلية كبيرة. عند الطرق على أبواب الناخبين، قوبل المتطوعون بشكوك مبررة عن إمكانية وفاء حزب العمّال بوعوده لهم. فقد أثبتت بضع سنوات قصيرة من الحملات الداخلية والخارجية أنّها غير كافية لإثبات وجود بديل قابل للحياة.

أكدت هزائم العمّال في 2019 على الحدود التي يمكن الوصول إليها دون إحداث تغييرات جوهرية في الحزب نفسه، وهو الأمر الذي شهدنا قليلاً منه أثناء سنوات كوربين، وتحديداً من حيث الدخول بشكل مباشر في الصراع والأنشطة على مستوى المجتمع وكذلك في أماكن العمل، وتعزيز الشبكات الاجتماعية وكذلك السياسية لخلق روابط على طول مجتمعات الطبقة العاملة وأماكن عملها. إنّ النسبة الكبرى من الزيادة في عضوية الحزب أثناء سنوات كوربين قد حدثت من خلال الدخول على المستوى القومي وليس من خلال دوائر الحزب الانتخابية. وقلّة من هؤلاء، ومن بينهم النشطاء القياديون محلياً، قد حضروا اجتماعات منتظمة للحزب المحلي.

حتّى لو فاز كوربين بالغالبية في الانتخابات، لكان ضعف الحركة العمالية والمعارضة الداخلية لنواب حزب العمال الوسطيين ليشكّل عقبة هائلة يتعين التغلب عليها أثناء محاربة طبقة الرأسماليين القوية. فكما أظهرت التجربة اليونانية، الأسوأ من خسارة الانتخابات هو أن يفوز من انتخبهم وتشهد قيامهم بتطبيق سياسات أعدائك الطبقيين.

الاشتراكية الديمقراطية في الولايات المتحدة

عكس نهوض الحركة الاشتراكية الديمقراطية في الولايات المتحدة ذات نقاط القوة والقيود الأساسية التي حكمت مثيلاتها في بقية الأماكن من العالم. كان ترشّح بيرني ساندرز في 2016 و2020 مغيراً لقواعد اللعبة في الثقافة السياسية للبلاد، ليمثل قطعاً كبيراً عن الليبراليين المؤيدين للشركات أمثال هيلاري كلينتون وجو بايدن والذين كان الإعلام الأمريكي يتناولهم دوماً بوصفهم من قوى «اليسار» في مواجهة الجمهوريين من «اليمين». يمكننا ملاحظة أنّ اللامساواة الطبقية يجب أن تكون هي الموضوع الرئيس لحملة سياسية تريد أن تتوسع وتخترق الانقسامات العرقية والجنسية حتّى الانتهاء من بناء قوّة طبقية أكثر تماسكاً.

أعاد ساندرز شرعنة خطاب الاشتراكية وأعاد تقديم سياسة الصراع الطبقي للجماهير على نطاق واسع «ولو بشكل قاصر»، الأمر الذي فتح الباب ليس لاحتمالية فوزه بالانتخابات وحسب، بل وأيضاً لبناء حركة عمّالية مستدامة. لقد نمت الاشتراكية الديمقراطية بشكل هائل في أمريكا، وساعد نشطاؤها في تنظيم العمال وبناء القيادة وتوزيع الأدوار في إضرابات المعلمين منذ عام 2018.

لكن علينا أن نكون واضحين في معرفة الحدود الهامّة لحملة بيرني. فعلينا مثلاً أن نشير لجهود ساندرز الغريبة «لاستعادة الحزب الديمقراطي»، والتي امتصت طاقة وموارداً كان الأجدى توظيفها في بناء جهاز سياسي جديد مستقل دائم. يحتاج الاستقلال عن مؤسسة «الحزب الديمقراطي» إبقاء المتطوعين منظمين لأبعد من الدورة الانتخابية، ما يتطلب منظمات قوية ذات نهج ديمقراطي في عضويتها. لقد كان صعباً جداً فوز ساندرز بالانتخابات العامة وهو تحت ظلّ الاشتراكية الديمقراطية، ناهيك عن قدرته على تطبيق البرنامج الاشتراكي لو تمّ انتخابه. فكما حدث في المملكة المتحدة، تم ترك الكثير من مناطق وأقسام الطبقة العاملة معزولة وبعيدة عن السياسة كما دائماً.

تقلل الادعاءات من أن بيرني كان ليفوز لولا هذا الخطأ التكتيكي أو ذاك من قوّة الخصوم، وتترك دون نقد لازم ضرورة تنظيم اليسار بشكل أفضل لهزيمة المؤسسة الحاكمة. ليس هناك حتّى الآن حلّ سريع لتخطي التفاوت الاجتماعي وبناء الاتجاه اليساري الجذري وإعادة إطلاق الحركات العمالية الفاعلة. فالتخلص من أزمة الطبقة العاملة ليس في حقيقته مسألة تكتيكات. هناك تحديات تنظيمية لتسهيل تشكيل عملية طبقية جديدة متجذرة في مختلف أبعاد حياة العمال وهوياتهم ومجتمعاتهم المتعددة.

كيف يمكن تحقيق هذا الأمر والمضي قدماً؟ فلنتخيّل تحويل النقابات القائمة إلى جذرية بحيث يمكنها قيادة الإضرابات على طول البلاد من خلال تنظيم الملايين من العاملين في أمازون وولمارت وهول فودز بنجاح، وترسيخ المعارك التي تدور حول العدالة العرقية وتغير المناخ وحقوق السكن. هكذا حركة عمّالية جذرية ستكون قادرة عند إعادة تنشيطها على دعم مئات المرشحين الاشتراكيين الجدد في المكاتب المحلية والوطنية، والاعتماد عليهم بنشاط لإدخال تحسينات ملموسة في حياة الطبقة العاملة. بهذا لن يكون من التخيلي رفع التوقعات الجماعية وحسب، بل سيكون هناك قدرة تنظيمية للبدء بتحويل الأحلام إلى حقيقة.

*إيريك بلانك: ناشط سياسي ومدرّس سابق، له عدّة كتب منها: ثورة الولاية الحمراء: موجة إضراب المعلمين وسياسات الطبقة العاملة.

بتصرّف عن: jacobinmag

آخر تعديل على الأربعاء, 01 تموز/يوليو 2020 12:50