قدري جميل معارض في الحكومة والمعارضة
خلافاً لما يعتقده كثيرون في سوريا وخارجها، ليس قدري جميل لغزاً . لم يكن لغزاً عندما وافق على المشاركة في الحكومة برتبة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ولم يكن كذلك عندما غادر مع عائلته إلى موسكو قبل 20 يوماً من تاريخ اقالته . الحقيقة أن قدري جميل كان معارضاً قبل مشاركته في الحكومة، وظلّ معارضاً داخلها، وعاد معارضاً بعدما أخرج منها .
أهل النظام يعرفون، بطبيعة الحال، وضع قدري جميل . فقد عينوه في منصبه لأنه معارض . فعلوا الأمر نفسه مع زميله في “الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير” علي حيدر (وزير المصالحة الوطنية) يوم كان عنوان المرحلة آنذاك تنفيذ أحكام قوانين الإصلاح التي تمّ إقرارها مطلع العام 2012 . الأحداث الميدانية والسياسية اللاحقة تجاوزت تلك المرحلة وسياستها، فكان لا بد من تغيير في سياسة النظام كما في سياسة معارضة الداخل ومعارضة الخارج .
قدري جميل اعتبر نفسه معارضاً داخل الحكومة، وأهل النظام غضوا النظر عن ذلك طوال الفترة التي سبقت تفاهم واشنطن وموسكو على عقد مؤتمر “جنيف-2” بعد رسوخ هذا التفاهم، تغيّرت نظرة قدري جميل إلى دوره، وكذلك نظرة أهل النظام . قدّر قدري جميل أن مستقبل سوريا بعد مؤتمر جنيف-2 سيكون غير ما كان قبله وبالتالي يجب أن يكون له دور غير دوره السابق . هو لا يستطيع أن يكون في عداد وفد النظام لأنه معارض . مكانه ودوره يجب أن يكونا، اذاً، في صفوف المعارضة . لكن، ما السبيل كي تقبل به المعارضة؟ علي حيدر معارض لبعض سياسات النظام، لكن معه في أن الأحداث والممارسات تطورت على نحوٍ أصبحت معها سوريا، كياناً ودولة وجيشاً، في خطر التفكيك والتقسيم، وأن المهمة الأساس أضحت المحافظة على وحدة البلاد بالتصدي للهجمة الخارجية الواسعة التي ترتدي لبوس “الإسلام الجهادي” . ليس أدل على موقفه ذاك من أن مقاتلي الحزب الذي يرأسه (السوري القومي الاجتماعي) كان لهم دور فاعل في معركة تحرير بلدة صدد من قبضة الإسلاميين “الجهاديين” قبل أيام . قدري جميل سلك طريقاً مغايراً . تقرّب من وزير خارجية روسيا لافروف ومساعديه، ويبدو أنه أقنعهم بقدرته على إقناع بعض فصائل المعارضة في الداخل والخارج بتأليف وفد موحد للمشاركة في مؤتمر “جنيف-2” في هذا السياق، غادر دمشق إلى موسكو مع عائلته وفي تقديره أنه سيبقى طويلاً في الخارج لينجز مهمته الآنفة الذكر ويحقق طموحه . طموح قدري جميل أن يصبح رئيس الوفد الموحد لمعارضتيّ الداخل والخارج في مؤتمر “جنيف-2” فهو مقبول من النظام لكونه مشاركاً في الحكومة (ولو لفترة من الزمن) وسيكون مقبولاً من معارضة الداخل إذا تعذّر على هذه الاخيرة إقناع “غريمتها”، معارضة الخارج، بترؤسها الوفد الموحد . ولضمان عدم رفض معارضة الخارج بدوره الجديد المفترض، اجتمع قدري جميل في جنيف، بتسهيل من أصدقائه الروس، الى السفير الامريكي المتغيّب عن دمشق روبرت فورد لتسويق نفسه لاعباً أساسياً في وفد المعارضة الموحد وربما رئيساً له . هل كان ما فعله قدري جميل في موسكو وجنيف بعلم دمشق وموافقتها؟ ظاهر الحال يشير إلى أن دمشق غير راضية عن سلوكية قدري جميل . فقد تضمّن قرار إعفائه الصادر عن الرئيس بشار الأسد أسباباً لافتة: “تغيبه عن منصبه وقيامه بنشاطات خارجية من دون التنسيق مع الحكومة” .
هل اجتماعه الى السفير فورد من دون علم الأسد وموافقته؟ بعض المراقبين يقولون إن أهل النظام لم يكونوا معجبين بأداء قدري جميل في الحكومة ما حملهم على إقصائه عن وزارة شؤون التموين وحصر صلاحياته بنيابة رئاسة الوزراء، وهو منصب شبه فخري، وإنهم كانوا يشعرون دائماً بأنه “يخبّص” كثيراً في علاقاته مع فصائل المعارضة الداخلية والخارجية، وأنه تجاوز حدوده على نحوٍ ما عاد بإمكان أهل النظام احتماله . بعض العالمين ببواطن الأمور يعتقدون أن سلوكية قدري جميل فيها بعض “التخبيصات”، لكنها هفوات ممكن احتمالها وقد تكون متفقاً عليها مع أهل النظام من أجل تسهيل تسويقه لدى فصائل المعارضة، وإن للروس وربما للأمريكيين دوراً في عملية التسويق بغية تأمين نجاحهم جميعاً في تكوين وفد موحد للمعارضة السورية يكون مؤهلاً ومقبولاً للمشاركة في مؤتمر “جنيف -2” . فوق ذلك، فأن رجلاً كقدري جميل يلبي مطلباً أساسياً للنظام كان عبّر عنه وزير الخارجية وليد المعلم عقب اجتماعه إلى المبعوث الأممي الاخضر الإبراهيمي بقوله: “سوريا ستشارك في هذا المؤتمر انطلاقاً من حق الشعب السوري الحصري في رسم مستقبله السياسي واختيار قيادته، ورفض أي شكل من اشكال التدخل الخارجي، وإن الحوار في جنيف سيكون بين السوريين، وبقيادة سورية” .
حسناً، رئاسة وفد الحكومة السورية ستكون، بطبيعة الحال، لسوري، ولن تحزن دمشق اذا ذهبت رئاسة وفد المعارضة إلى سوري آخر هو قدري جميل . بذلك يتحقق مطلبها الاساس بأن “الحوار في جنيف سيكون بين السوريين وبقيادة سورية” . نقلا عن صحيفة "دار الخليج"