السعودية في مصر: «كش إخوان»
مع صدور نتائج الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، تستكمل المؤسسة العسكرية المصرية خطواتها نحو تكريس ميزان القوى المستجد وتثبيت قواعده. وبموازاة ذلك يتأكد أن موجة «الإخوان المسلمين» قد بلغت الشاطئ زبداً لا يمكث في الأرض. بالنسبة للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، مصر هي بمثابة «أم القرى»، أي أن سقوطهم هناك يعني تضعضع نفوذهم ومشروعيتهم في العالم «العربي- السني» كله.
هنا ينبغي النظر الى دور النظام السعودي بالتحديد حيث أضعف «الإخوان» بما يمثلون من شرعية سياسية في «الفضاء السني» وعزل الأزهر بما يمثل من شرعية دينية، فتشكَل فراغاً تملأه المدرسة الوهابية من السياسة الى الفقه والإفتاء.
تاريخيا، خاض النظام السعودي صراعاته الخارجية على محورين: الأول مرتبط بدوره كوكيل للولايات المتحدة في مواجهة القوى المعادية لهيمنة واشنطن (السوفيات، عبد الناصر، إيران الإسلامية)، والثاني مرتبط بسعيه لشرعنة تسلطه على «الفضاء العربي - السني» عبر منع قيام شرعية موازية، بالتحديد حركة «الإخوان المسلمين». ما غاب عن كثيرين في ظل الحديث المكثف عما يُسمى «التنافس الشيعي ـ السني»، وجود تنافس يفوق الأول في قدرته التفسيرية ألا وهو «التنافس السني ـ السني»، وهو ما يبرز في علاقات الثلاثي مصر - السعودية - تركيا.
إن نفوذ السعودية الإقليمي وقوة دورها مرتبطان بمدى نجاحاتها على هذين المحورين، وفيما تفشل السعودية اليوم فشلاً ذريعاً في أداء دورها كوكيل، إلا أنها تمكنت من تحقيق نجاح ملموس على المحور الآخر.منذ الموجة الشعبية الأولى التي أسقطت مبارك، أطلق النظام السعودي انتقاداته القاسية لواشنطن لتركها مبارك يواجه مصيره المحتوم بل والتلميح لدور أميركي متواطئ أيضاً. مع وصول مرسي للحكم وصعود نجم «الإخوان» وبظل تمدد الدور القطري ـ التركي، أدرك السعوديون خطورة هذا المسار الذي كان لا بد من تفكيكه بالتدريج في موازاة خوض المعركة السورية. استفادت السعودية من الفشل القطري - التركي في تحقيق انتصار حاسم في سوريا، للضغط على الولايات المتحدة لإعادة الدولتين للخطوط الخلفية، فيما تنطلق هي الى منصة القيادة.
بالتزامن، وفي ذروة الانصياع «الإخواني» لرغبات السعودية بملفي الأزمة السورية والعلاقات مع إيران، دعم السعوديون علنا، بالسياسة والاقتصاد والإعلام والدعاة الدينيين، «شبه النقلاب» العسكري المستند لتحرك شعبي واسع لإطاحة محمد مرسي.
انقسم السعوديون والأميركيون حول ثنائية الثورة ـ الانقلاب، وفيما كان موقف السعوديين متماسكاً صلبا، كان الموقف الأميركي مربكاً ومنقسماً بين تيار وزارة الخارجية ـ البانتاغون «الواقعي» الداعي للانخراط مع النظام المصري الجديد والإقرار بالوضع القائم، وبين رؤية سوزان رايس «المثالية» المتشددة في ربط العلاقة مع النظام المصري بمقدار التقدم الذي يحرزه في مجال «الحريات السياسية والديموقراطية والانتقال نحو حكومة منتخبة ووقف الاعتقالات بحق الإخوان». فيما كان كيري ينجز التوافق مع الروس حول ملفي إيران وسوريا، تيقن أن «إعادة التموضع» الأميركي في كلا الملفين لا بد أن يجري تعويض السعودية عنه في ملف مصر. في تلك اللحظة أطلق جون كيري جملته المدوية بنهاية تشرين الأول الماضي: «الإخوان سرقوا الثورة من شباب مصر».
تمكنت السعودية من قضم نفوذ وقوة «الإخوان» من جهتين، داخلية لها علاقة بماهية الجماعة وثقافتها عبر رعايتها لتيار سلفي داخل الجماعة انعكس جملة انشقاقات وترهلات (راجع: حسام تمام، تسلف الإخوان: تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين)، وخارجية من خلال خلق توازنات وتحالفات تحول دون وصول الإخوان الى السلطة بشكل مستقر ومستدام. مثلا، تمكن مراقبة أداء حزب «النور» السلفي المصري وانقلابه على «الإخوان» بعد تأييد السعودية لعزل مرسي، حيث حمَل «الإخوان» مسؤولية العنف والدماء وقلة العقلانية والعبث، ودعاهم على لسان رئيسه مؤخرا إلى أن «يتوبوا الى الله».
سعى «الإخوان المسلمون» لكسب الوقت من خلال مساكنة الرياض ومسايرتها من خلال ملفي إيران وسوريا طمعاً بضماناتها المالية واستقطاباً للسلفيين وردعاً للجيش. ولكن بدل أن تكون سوريا ثمناً إخوانياً لرضى السعودية، تحول «الإخوان» أنفسهم الى «جائزة ترضية» أميركية للسعودية تعويضاً عن التراجع في سوريا.
ورد في الحديث الشريف أن «المؤمن لا يلدغ من جُحر مرتين»، أما «إخوان» مصر، فيحفرون الجُحر ويضعون به الأفعى ثم يمدون يدهم فيه ليُلدغوا منه مرة تلو المرة. حالُ «الإخوان المسلمين» بعد 3 سنوات من سقوط مبارك، ينطبق عليه قول المؤرخ الروماني بابليوس تاسيتُس: « اليوم الأول بعد وفاة إمبراطور سيئ هو دائماً اليوم الأفضل»، بإشارة أن الأمور تسوء بعد ذلك.
المصدر: السفير