مصيدة اوسلوستان
خلال ما لايزيد عن اسبوعين لاأكثر، صدر عن سلطات الإحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة خمسة اعلانات تهويدية متلاحقة، كان آخرها اضافة 256 وحدة سكنية لمستعمرة "نيفي برات" الصغيرة والمعزولة والواقعة ما بين القدس واريحا، أي مضاعفة حجمها الراهن ثلاث مرات، و5 وحدات أخرى لمستعمرة "اريئيل" الكبرى المحاذية لسلفيت شمالي الضفة.
ماسبق آخر هذهالاعلانات كان قد صدر قبل يومين فحسب منه،وهو اضافة 381 واحدة لمستعمرة "جفعات زئيف"، الواقعة شمال شرق القدس، وكان من شأنه أن دفع الدكتور صائب عريقات، كبير مفاوضي الأوسلويين الفلسطينيين، في مسلسل جلسات مفاوضاتهم الدائر راهناً مع العدو الصهييوني، أن يعيد اكتشاف ماسبق وأن كان قد اكتشفه مراراً واخبرنا به سابقاً في كثير المرات... وللتذكير، ماسمعناه منه قبلمالايزيد فقط عن مايفصلنا عن القرار التهويدي الذي أعقب اطلاق سراح ال26 اسيراً من اسرى ما قبل اوسلو، أو الدفعه الآخيرة من بينهم، أي الإعلان عن خط لبناء 1800 وحدة تهويدية إضافية في مستعمرات الضفة بينما كان يوالي خوض صولاته وجولاته التفاوضية المكتومة مع مفاوضته ليفني... مالذي اكتشفه الدكتور عريقات، او هو قد اعاد اكتشافه في هذه المرة ؟!
إنه ماصرَّح به كتعقيب على صدور الإعلان التهويدي الأخير المشار اليه بدايةً، والذي فحواه أنه يرى فيهمايعني له بأن حكومة الاحتلال، التي يفاوضها،منطلقاً من شعاره الشهير "المفاوضات حياة"، "تؤكد أنها ترغب فقط في استمرار الإستيطان الذي يدمِّر كل أفق السلام"... حسناً ، وعليه، ثم ماذا بعد ياكبير المفاوضين؟!
إنه ليس سوى العودة لمواصلة تليد حياته التفاوضية إياها، والتي لامن غيرها في قاموسه،ولابوسعهالإنفكاك منها،ما دام حالاً في بائس شركه الأوسلوي.وبالتالي، فهو سيواليحكماً مفاوضاته العبثيةبمعزلتامعن مكروراكتشافاته المستتبعة لما صدر وسيصدر من قرارات تهويدية، وكذا ما يتلازم معها من متواتراخبار الاعتداءات شبه اليومية والمتصاعدة لقطعان المستعمرين على القرى الفلسطينية المستضعفة، والمنكوبة بتجريدها من اراضيها، والتي حُوِّلت إلى شبه معتقلات كبيرة وباتت هدفاً سهلاً ودائماً لغاراتهم الهمجية المتكررة، وآخرها اقتلاعهم ل800 شجرة زيتون من اراضي قرية سنجل شمالي رام الله، وما سبقه من مهاجمة هذه القطعان لقرية ديراستيا المنتكبة بقربها من مستعمرة "اريئيل"، حيث أحرقوا مسجدها وكتبوا على جدرانه عباراتهم الحاقدة المتوعدة بالعبرية، من مثل، " العرب إلى الخارج"، ذلك بموازاة قيام جيش الاحتلال بهدم منازل ومنشئات زراعية في السفوح شمال شرق طوباس... بمعزل تام عن مايجري للقدس ولحرمها الشريف، الذي باتت ساحاته هدفاً يومياً مستباحا للتدنيس، وبعدما نبشوا ماتحته هاهم يتسلقونإلى ما فوقه ويعتلون قبة اقصاه، أو عملياً يمهِّدون لهدمه... كما ولن يلتفت الأوسلويين المفاوضون الى الغارات الدموية المتوالية على غزة المنكوبة بالحصار الإبادي، الصهيوني والعربي، من حولها، ولا لتهديدات نتنياهو الأخيرة باستباحة دماء الغزيين وتلقينهم درساً قاسياً و"قريباً جداً".
مشكلة الأوسلويين أنهم، ومنذ ادخالهم لأنفسهم في القفص الأوسلوي، قد باتو رهينة المحتل، أي اوقعوا انفسهم في المصيدة الأوسلوية فأمسوا من فئرانها، وإذ لم تعد لهم، وفق منطقهم التسووي ومنهجهم التفريطي،من خياراتتؤمن لهم استمراريتهم سوى تنازلاتهم، التي كرَّت مسبحتها ففتح توالي فصولها شهية الغزاة،فلاأحب لدى هؤلاءمن مطالبة من هم في داخل مصيدتهم بهل من مزيد ؟!وحيث أن أية حركة تسووية مع هكذا عدو، وفي هكذا ظروف، ووفق هكذا معادلات، أوفي ظل هكذا واقع عربي متردِّولم يسبق له المثيل في تراوحه بين التواطىء التصفوي المشين للقضية والعجز المقيت المعضد له، هى بالضرورة خطوة تصفوية للقضية الفلسطينية، تتضحاليوم لنا فداحة وخطورة ما قد تجره عليها مفاوضاتهم ... وحيث أن كافة مثل هذه الخطوات التسووية تعد أوتجري وفق السيناريوهات أومتطلبات الإخراج والإنتاج الأميركي، هى بالضرورة لن تشذعن مفهوم الحلول الصهيونية التصفوية للصراع ورؤية الصهاينة لكيفية إنهائه،فإن ساكني القفص الأوسلوي هم الآن في حال من باتوا وجها لوجه مع خطة كيري الصهيونية ومستحقاتها، أي لم تعد "اللعم" العتيدة تجدي رهائن مصيدة هم من سعوا للوقوع فيها، ناهيك أنمحاولة الخروج منها ليست في واردهم ولا من خياراتهم، إذ هى لن تكون، في رأينا، إلابحل هذه السلطة البائسة لنفسها، أو العودة لخيار المقاومة، أو ما هى تنسق مع المحتلين لكبحه، وهذا هو ماليس من المأمول ومن غير المتوقع منها... خطة كيريالغامضةالمتوالية التغيُّر والتبدُّل والتكيُّف وفق البارومتر الصهيوني، أو هذه التي حوَّلتها سيناريوهات الإستدراج للتنازلات الأوسلوية من اتفاقية حل إلى ورقة اطار لترسو حتى الآن على اتفاق مبادىء، على رأسها "يهودية الدولة"، والتخلي عن حق العودة، مقابل حلول مؤقتة في ظل مفاوضات دائمة، حتى استكمال تهويد ما لم يهوَّد بعد من كامل فلسطين من نهرها إلى بحرها، أو ما سوف يوالي الدكتور عريقات إعادة اكتشافه في كل مناسبة تهويدية يتم الإعلان عنها...