النص الكامل للحوار الذي أجرته قناة «روسيا 24» مع سيرغي لافروف
صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حوار أجرته معه قناة "روسيا 24" وأذاعته السبت 14 ديسمبر/كانون الأول، أنه يعتقد أن قضية مكافحة الإرهاب في سورية ستكون أساسية في مؤتمر "جنيف-2"، داعياً إلى إقامة تحالف بين الحكومة السورية والمعارضة الوطنية قادر على القتال ضد الإرهابيين الأجانب. كما تناول الحوار جملة من القضايا الإقليمية والدولية، بما فيها الوضع في أوكرانيا والعلاقات الروسية الأمريكية والملف النووي الإيراني. وإليكم نص الحوار كاملا:
لافروف: قضية مكافحة الإرهاب في سورية ستكون أساسية في جنيف-2
س – هل ناقشتم مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف خطوات أو نقاط ما محددة لإنهاء الأسئلة العالقة المتبقية في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني؟
ج – كل الأسئلة والمشاكل المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني تجري مناقشتها ضمن مجموعة "5+1" إلى جانب إيران وبإدارة وتنسيق المفوضة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون. لم يكن لدي أية صلاحيات نيابة عن هذه المجموعة لتطوير أي موضوع في طهران أو التفكير في الخطوات المقبلة. الزيارة الأخيرة الى طهران كانت ثنائية ولم تكن هناك حاجة لتطوير ما تم التوصل إليه. كل الخطوات التي يتوجب على طهران اتخاذها في الأشهر الستة القادمة مشروحة وموثقة تماما في وثيقة جنيف. بالدرجة الأولى هذا يخص تجميد كل المواقع النووية، وعدم تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 5%، وإيقاف التخصيب الى 20%، ووقف كل الأعمال في موقع إنشاء مفاعل "اراك" الذي يعمل على الماء الثقيل. وبالإضافة إلى ذلك هذه الوثيقة تتضمن عددا من الإجراءات الأخرى بما فيها ضمان الشفافية التي تسمح بتوسيع صلاحيات خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة وتفقد ما يجري. وفي المقابل، جرى التوافق على الإجراءات التي تعمل على تخفيف العقوبات المتخذة ضد ايران. كخطوة أولى يتوجب أن تقوم بهذه الإجراءات الدول التي اتخذت عقوبات أحادية الجانب على إيران خارج اطار مجلس الأمن. الحديث يدور حول الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. كل هذا يجب ان يطبق خلال فترة ستة اشهر. كذلك سوف يجري تحرير جزئي للأصول الإيرانية التي كانت مجمدة في الخارج في اطار العقوبات أحادية الجانب. كل هذه التفاصيل مكتوبة حرفيا ولا يوجد مجال للجدل فيها. أما بصدد الخطوات التالية فيتوجب بحثها في الإطار الجماعي وهذا ما جرى الاتفاق عليه، والتركيز على التوافق حول المعالم النهائية للبرنامج النووي السلمي الإيراني بما في ذلك نسب تخصيب اليورانيوم بهدف إنتاج الوقود مع القيام بنفس الوقت بإغلاق كل المسائل الموجودة حاليا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك وضع البرنامج النووي الإيراني تحت المراقبة الصارمة للوكالة. ولا يمكن القيام بهذا العمل إلا جماعيا. بالطبع تطرقنا الى هذا الموضوع في محادثاتنا مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ولدينا رؤية مشتركة بأن المرحلة الأولى المكونة من ستة اشهر مجدولة بالتفصيل الدقيق. في إطار تطبيق هذه الاتفاقيات يجب ألا يحاول أحد إعطاء تفسيرات عامة أو بالعكس تضيق المضمون. آمل أن هذا ما سيحدث. للأسف ثمة تباطؤ في تنفيذ المرحلة الأولى حيث ابلغنا الاتحاد الأوروبي أن هذه الاتفاقيات تحتاج الى موافقة جميع الدول الأعضاء عليها. والموعد الأقرب لذلك هو السادس عشر من الشهر الجاري. بالمناسبة سألتقي في اليوم ذاته جميع الوزراء الـ28 للاتحاد الأوروبي، و كاثرين اشتون وذلك في اطار مجلس الشراكة الدائم. لكن ثمة مؤشرات تدل على أن الاتحاد سيعجز عن إعطاء الموافقة على حزمة الاتفاقيات. وفي تلك الحالة سيتم تأجيل العملية إلى شهر يناير/كانون الثاني من العام المقبل. أي سيؤجل تنفيذ المرحلة الأولى لمدة شهر إضافي. هذا الأمر يقلقنا وسنحاول أن نحصل على إيضاحات من زملائنا في الاتحاد الأوروبي حول ماهية العواقب التي لا يمكن التغلب عليها والتي تؤجل لأسابيع عديدة تنفيذ الاتفاقية التي اعتبرها الجميع اختراقا تاريخيا ويريدون تحقيقها.
س – لننتقل الى حدث تاريخي آخر. أعني المشكلة السورية. الآن يجري تحضير نشيط لمؤتمر "جنيف-2" الذي ينبغي أن يعقد في العام القادم. الموضوع الأهم هو مشاركة إيران. في ضوء محادثاتكم مع الطرف الإيراني والتحضير لهذا المؤتمر، برأيكم هل هناك احتمال كبير لتأجيل هذه الفعالية مرة أخرى؟ وهل ستشارك إيران في المؤتمر؟ ومن سيشارك من جهة المعارضة؟
ج - سؤال صحيح جدا ومعقد للغاية. بدايةً جرى تأجيل مؤتمر "جنيف 2" أكثر من مرة. واذا كنتم تتذكرون فإن مبادرة عقد المؤتمر اقترحت في 7 مايو/أيار من هذا العام خلال زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري الى موسكو. منذ ذلك الحين التقينا مرات عديدة وفي كل مرة في خضم القضايا التي نناقشها كنا نبحث موضوع تحديد موعد عقد هذا المؤتمر. من المنطقي أن يكون لدينا تفاهم مشترك بأن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هو من يجب ان يعلن تاريخ عقد المؤتمر بالاتفاق مع المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي. لكن الجميع يدرك أننا نحن والجانب الأمريكي أيضا نناقش موضوع تحديد الموعد، لأن هذا الموعد يجب ألا يكون شكليا بل يكون ملائما لكي تستطيع كافة الأطراف أن تكون جاهزة للقدوم الى جنيف و البدء بالحوار الجدي. فورا بعد 7 مايو/أيار حصلنا على موافقة الحكومة السورية لإرسال وفد الى المؤتمر. ومنذ فترة قريبة جدا أكدوا لنا على موافقتهم. أما من جهة المعارضة السورية فتأتي إشارات متناقضة تماما، تارة رئيس المعارضة يقول إنهم اتخذوا قرارا بالذهاب والمشاركة وتارة أخرى يقول إنه لا معنى للذهاب الى المؤتمر قبل ان يحققوا توازنا "على الأرض". وهناك مثال آخر، أعلنت المعارضة في البداية أنه لن تكون هناك شروط مسبقة. أما منذ وقت قريب فقد أعلنت قيادة ما يسمى "المعارضة الوطنية" أن "مجموعة أصدقاء سورية" (هي الدول الغربية ودول المنطقة ودول أخرى مؤيدة لهذا الائتلاف الوطني) اجتمعت منذ عدة أشهر في لندن ووضعت صيغة دعم "للائتلاف الوطني" تنص على مطالبته في المؤتمر بتغيير النظام. وهذا بحد ذاته يعتبر شروطا مسبقة يجب ألا تكون موجودة. المؤتمر يجب ان يحتوي على جدول أعمال موحد وهو بيان جنيف الذي اقر في يونيو/حزيران من العام الماضي، والذي ينص على أن السوريين أنفسهم يجب أن يقرروا مصير بلادهم في إطار المفاوضات بين الحكومة وكافة فئات المعارضة على أساس الاتفاق المشترك. وعلى كافة اللاعبين الخارجيين حث السوريين على ذلك. من الواضح أن الوضع معقد. نحن طبعا ندعم الجهود التي يبذلها الأمريكيون لإقناع المعارضة بالذهاب الى المؤتمر بدون شروط مسبقة كما كانوا قد اخذوا على عاتقهم هذا العمل. أيضا نقوم بالعمل ليس مع الحكومة السورية فحسب بل ومع المعارضة بما فيها الائتلاف الوطني. جرت دعوة ممثلي المعارضة أكثر من مرة لزيارة موسكو واغلبهم زار موسكو على مستوى قيادي. الآن قدمنا دعوة للائتلاف الوطني وأعلن رئيسه السيد احمد الجربا بأنه سيستجيب للدعوة ويزور موسكو. إجراء الحوار معه أيضا ضروري. ولكن بموازاة محاولات ممولي الائتلاف الوطني تقديمه كأهم قوة يمكن ان تمثل كل خصوم النظام في المفاوضات فإن هذه "القوة الهامة" بدأت "تتشقق". توجد معلومات "نريد التأكد منها"، أن الإخوان المسلمين الذين يدخلون ضمن الائتلاف الوطني يريدون إبداء مواقف خاصة بهم. لا أدري أكانوا خرجوا من الائتلاف أو انعزلوا بشكل ما. هناك معلومات تقول ان مجموعات مقاتلة لما يسمى "الجيش السوري الحر" في أغلبيتها خرجت من تحت إمرة الائتلاف الوطني. هذا في حال انهم فعلا كانوا تحت إمرته. وحسب معلومات حديثة جدا (وهي بالمناسبة مؤكدة) توحدت حوالي عشرين مجموعة تحت ما يسمى "الجبهة الإسلامية". هذه المنظمة لا تعترف لا "بالجيش السوري الحر" ولا "بالائتلاف الوطني" ولا "بالقاعدة"، لكنها شكلت من مجموعات قريبة جدا في روحها من "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" والمجموعات الجهادية المتطرفة التي تعمل بنفس روح "القاعدة". هذه "الجبهة الإسلامية" أعلنت هدفها تشكيل خلافة على الأراضي السورية وكما يقال في بلاد الشام. توجد معلومات متناقضة حول ممولي هذه البنية. سنقوم باستيضاح كل هذه الأمور. سيعقد لقاء في 20 ديسمبر/كانون الأول في جنيف، وكما رسم له سيكون آخر لقاء تحضيري بيننا وبين الأمريكيين والأمم المتحدة بالإضافة الى مشاركة أخرين من أعضاء مجلس الأمن الدائمين وجامعة الدول العربية وتركيا. لكن كل هذه المسائل يجب توضيحها لأنه يقولون لنا بأن الائتلاف الوطني سوف يمثل الجميع. وبنفس الوقت تحدث مثل هذه العمليات التشرذمية على "الأرض". ومن جهة أخرى الخصوم الآخرون للأسد المكونون من غير المهاجرين أي من الذين كانوا دائما ولا يزالوا يعيشون في سورية "هيئة التنسيق الوطنية"، "المجلس الكردي السوري الأعلى" هم أيضا لا يوافقون على الدور القيادي للائتلاف الوطني لأنهم لا يتفقون مع مواقفه التي كما يعتبرونها متطرفة جدا. كل هذه الأمور يجب النظر فيها. دليلنا الوحيد هو قرار مجلس الأمن 2118 الذي أيد عملية إتلاف الأسلحة الكيميائية السورية. العملية تجري على قدم وساق ولن يكون هناك أي تعطيلات. وهذا القرار نفسه أيد عقد مؤتمر "جنيف -2" مؤكدا مشاركة ممثلي كافة أطياف المجتمع السوري في هذا الحوار. بالتالي يجب العمل كي تكون المعارضة ممثلة على المستوى المطلوب وليس ببنية وحيدة تثير الشك بإمكانية فعاليتها والتقلب والاهتزاز بداخلها وأيضا التقلب بين المشاركة وعدم المشاركة عندما الحديث يدور حول "جنيف-2".
س - ذكرتم المجموعات الأكثر نشاطا التي تعتبر إرهابية وتشكل قوة أساسية لما يسمى المعارضة المسلحة. هل ستُناقش في جنيف مسألة مكافحة الإرهاب؟ لأن المجموعات التي ذكرتموها عبارة عن جزء من الإرهاب الدولي. مثلا "جبهة النصرة" خلية من القاعدة في سورية. هل سيتم في جنيف بحث أساليب مكافحة مثل هذه المجموعات؟
ج - أعتقد أن هذه القضية ستكون أساسية. عندما صدر بيان جنيف في يونيو/حزيران عام 2012، كان من الواضح أنه في سورية الى جانب المعارضين السوريين غير الراضين بالنظام لهذه الأسباب أو تلك يتدفق الى سورية عدد متزايد من المرتزقة الأجانب والجهاديين الذين يقاتلون الجميع. يقاتلون النظام ومعارضيه ويحاولون بسط سيطرتهم على مناطق مختلفة وإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية فيها. كانت هذه الظاهرة محدودة جدا ولم تُعتبر هدفا أساسيا. أما المهمة الأساسية فهي كانت وقف إراقة الدماء وتجنيب الشعب السوري الوقوع في الهاوية المأسوية ومن وقوع ملايين من الناس في الكارثة الإنسانية والخ... وفي الوقت الحالي بعد مرور سنة ونصف السنة على إصدار بيان جنيف وبعد مرور أقل من سنة على إطلاق المبادرة لعقد المؤتمر يتزايد عدد شركائنا بمن فيهم من الغرب الذين يقولون لنا أثناء المحادثات بصراحة انهم يرون الخطر الأساسي ليس في نظام الأسد كما كان عليه مؤخرا حسب تصريحاتهم العلنية، وإنما في استيلاء الجهاديين على سورية وغيرها من الأراضي الواسعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإقامة سلطة إرهابية متعددة الجنسيات هناك. ويبدو أن هذا أمر بالغ الأهمية الآن. وليس من قبيل الصدفة أن أدرجت في بيان قمة لوخ أرن قبل أربعة أشهر دعوة جميع قادة مجموعة الثماني للحكومة والمعارضة السوريتين الى التوحد وطرد الإرهابيين من الأراضي السورية ومكافحتهم بالجهود المشتركة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفقرة أُدرجت في البيان بمبادرة من ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني. وعندما نناقش الآن مع شركائنا الغربيين الأمور المتعلقة بعقد المؤتمر وجدول أعماله تحتل هذه القضية مكان الصدارة دائما ونتحدث عن ضرورة بذل كل ما في وسعنا لتشكيل تحالف بين الحكومة والمعارضة الوطنية قادر على القتال ضد الإرهابيين الأجانب الذين تدفقوا من جميع أنحاء العالم الى سورية وكأنها لقمة سائغة بهدف تنفيذ مخططاتهم المغرضة. وهناك الكثير من الدلائل على أن "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" وغيرها من المجموعات المسلحة تتنازع، وتحصل بينها اشتباكات ومحاولات للاستيلاء على البلدات. على سبيل المثال سيطر الإخوان المسلمون على بلدة ما، لكن الجهاديين الآخرين الذين لا يشاطرون راديكالية الإخوان يريدون فرض النظام الخاص بهم. وبطبيعة الحال تجري مواجهات مستمرة بين الجهاديين والحكومة وبين الجهاديين والجيش السوري الحر. إذاً تتهيأ الظروف التي تفرض على كل الوطنيين السوريين أن يفهموا ما هو الأهم بالنسبة لهم – القتال إلى جانب أولئك الذين يرغبون بتحويل سورية إلى خلافة أم الاتحاد واستعادة صورة وطنهم كما عرفت على مدى القرون، وهي صورة دولة علمانية متعددة القوميات والأديان والطوائف، حيث يعيش الجميع في وفاق.
س - في أوكرانيا تحول تخلي الحكومة عن توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الى احتجاجات شعبية وتظاهرات للمعارضة. ما هو السيناريو المحتمل لتطور الأحداث هناك وما هو موقف روسيا؟
ج - علّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيره من ممثلي قيادتنا على هذا الوضع مرارا. يوجد وراء هذه الأحداث مُخرج، وقد بدأ إعدادها منذ فترة طويلة، وكان رد الفعل على القرار السيادي للسلطات الأوكرانية الشرعية قريبا من الهيستيريا. هذا مثير للدهشة. ماذا فعلت حكومة يانوكوفيتش؟ هل انسحبت من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟ أو أعلنت نيتها في صناعة قنبلة نووية مخالفة التزاماتها؟ أو قتلت أحدا بالرصاص؟ استخدمت الحكومة صلاحياتها الشرعية، لأن السلطة التنفيذية هي التي تقرر توقيع أو عدم توقيع الاتفاقيات الدولية. فإذا وقّعت الحكومة تُحوّل الوثيقة إلى البرلمان للتصديق، وهناك يمكن إعلان الاعتراضات وطرح الأسئلة وتأييدها أو عدم تأييدها ويمكن الاحتجاج، كل ذلك في إطار الدستور. الحكومة أعلنت أن الدراسة المفصلة لهذه الاتفاقية أوصلتها الى نتيجة بأنها غير مجدية بالنسبة لأوكرانيا، والحكومة بحاجة إلى وقت إضافي للتفكير، ولن توقع عليها الآن وستتابع دراستها. أثار هذا الحدث الطبيعي للغاية رد فعل جنوني، وخروج عدد غفير من المتظاهرين الذين يحملون شعارات حادة جدا إلى الشارع، كأن البلاد أعلنت حربا على دولة محبة للسلام خلافا لإرادة الشعب الأوكراني. هذا لا يتحمله العقل البشري، ولا شك أن استفزازيين يقفون وراء هذه الأحداث، ويبدو أن شركاءنا الغربيين فقدوا الشعور بالواقع، الأمر الذي يثير لدي حزنا شديدا. تصوروا... لو ذهبت أنا إلى ألمانيا في غمرة الأحداث عندما نشأ هناك حزب جديد من المتشككين الأوروبيين، وكسب هذا الحزب خلال بضعة أشهر شعبية واسعة نسبيا تحت شعارات "كفى إطعام أوروبا" و"على ألمانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي". ولو أني تجوّلت بين المتظاهرين الذين يؤيدون هذا الحزب ويدعون الى تغيير موقف ألمانيا من الاتحاد الأوروبي وانفصالها عنه. فما رد الفعل الذي يمكن انتظاره؟ أعتقد أن البرلمان الأوروبي والجمعيات البرلمانية للناتو والمجلس الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية كانت ستتخذ فورا قرارات تدين بشدة تدخل الروس في الشؤون الداخلية لألمانيا المستقلة. إذا كيف يمكن تفسير ما يحدث في أوكرانيا التي يزورها ممثلو وزارات الشؤون الخارجية والمفوضة العليا للاتحاد الأوروبي، ويطالبون بأن يختار الشعب الأوكراني الشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟ لاحظوا الفرق بين الموقف الروسي وموقف الاتحاد الأوروبي. وقال رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين مرارا إنه يجب على الجميع احترام سيادة الدولة الأوكرانية، وينبغي على الجميع احترام خيار الشعب الأوكراني. أما الأوروبيون الغربيون فيقولون: يجب على الجميع احترام خيار الشعب الأوكراني لصالح أوروبا، بمعنى أنهم اختاروا عوضا عن الأوكرانيين، وعلى الآخرين احترام خيارهم. هذا مؤسف. كما قلت، سيعقد في 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري اللقاء الشهري لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وصادف أننا اتفقنا في السابق على عقد اجتماع مجلس الشراكة الدائم على مستوى وزراء خارجية روسيا والاتحاد الأوروبي هناك. ويشوقني الحديث في هذا الموضوع مع شركائنا الذين يدافعون عن مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام الدول ذات السيادة ويدعون الى عدم رسم خطوط فاصلة جديدة على نمط: إما أنتم مع الاتحاد الأوروبي أو ضده. اقترحنا مرارا بناء المجال الاقتصادي الإنساني المشترك بصورة جماعية وبتأن من لشبونة إلى فلاديفوستوك، وهذا ما أكده الرئيس بوتين مجددا، وهذا ما سُجل في نظرية السياسة الخارجية الروسية. والاتحاد الجمركي الذي أسسناه ليس محاولة للابتعاد عن هذا الهدف، بل هو شكل لتعاون ثلاث دول هدفه زيادة القدرة التنافسية لصناعتنا وزراعتنا والقطاعين المصرفي والمالي وقطاع الخدمات بشكل عام، وذلك من أجل إجراء مباحثات مع الاتحاد الأوروبي مثلا حول منطقة التجارة الحرة على أساس المساواة وبشروط أفضل، إذ لا يمكن إجراؤها الآن عندما يحاول الاتحاد الأوروبي فرض موقفه على ما يسمى دول الشراكة الشرقية التي لا تتحمل منافسة الأغلبية الساحقة للبضائع الأوروبية، لكن أوروبا تجرّها إلى منطقة التجارة الحرة للحصول على الأسواق بهدف ملئها على الفور ببضائع أكثر منافسة ستقتل الإنتاج المماثل في الدول التي ستوقع اتفاقيات الشراكة، الأمر الذي سيخلق مشاكل بالنسبة لروسيا بسبب عدم وجود حدود جمركية بينها وهذه الدول، وهنا يكمن سر المشكلة. ويشعر شركاؤنا من الاتحاد الأوروبي بالقلق لأنهم يخسرون إضافة رخيصة إن لم تكن مجانية إلى أرباحهم خاصة في ظل الأزمة. والسبب الثاني توجه أيديولوجي. أولائك الذين فكروا بمبدأ "إما...أو..." وراهنوا عبر مشروع الشراكة الشرقية على فصل جيراننا عن روسيا ولو بطريقة اصطناعية وبابتزاز فهموا أن هذه المهمة غير بسيطة. سيكون بيننا حديث جدي في هذا الموضوع، وآمل أن يشارك فيه شركائي بصورة نزيهة دون التملص بهذه الحجة أو تلك.
س - هل فتح الباب لدخول أوكرانيا الى الاتحاد الجمركي؟
ج - باب الاتحاد الجمركي مفتوح لأي دولة مستعدة للتوقيع على جميع الوثائق التي تشكل أساسه وعلى الوثائق التي بالإضافة إلى الاتحاد الجمركي تشكل قاعدة المجال الاقتصادي الموحد. لغاية مايو/أيار القادم سيستكمل إعداد معاهدة الاتحاد الأوراسي الاقتصادي التي سترفع جميع العوائق وستؤمن الحركة الحرة والكاملة من دون عوائق للبضائع والأموال واليد العاملة والخدمات.
س - هناك عدد من البلدان، حتى التي ليست لديها حدود مباشرة مع روسيا، أعربت عن رغبتها على الأقل في التقرب من الاتحاد الجمركي مع آفاق الدخول فيه. هل يعني ذلك أن نموذج الاتحاد الجمركي أصبح مثيرا للاهتمام في فيتنام والهند؟
ج - هذه سوق كبيرة. لا بد من الإدراك الدقيق أنه لا الهند ولا فيتنام ولا تركيا طلبت العضوية في الاتحاد الجمركي، ولم تكتب أية رسائل بهذ الشأن. ذكرت بدء المحادثات حول إنشاء منطقة التجارة الحرة. أمر ليست له أية أهمية من ناحية وجود الحدود المباشرة، وهناك الكثير من الأمثلة. لقد بدأت المحادثات حول إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الاتحاد الجمركي وفيتنام، ونتوقع في حال نجاحها، وهناك فرص واعدة لهذا الإنجاز، أن يصبح نموذجا لمثل هذه المحادثات حول منطقة التجارة الحرة بين الاتحاد الجمركي ومنظمة التعاون في آسيا والمحيط الهادي. وفي الوقت نفسه تقريبا الذي تجري فيه المحادثات مع فيتنام، تجري أيضا المحادثات حول إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الاتحاد الجمركي و نيوزيلاندا، وبين الاتحاد الجمركي والجمعية الأوروبية للتجارة الحرة التي تدخل فيها بلدان اوروبا الغربية، بما فيها سويسرا والنرويج غير العضوتين في الاتحاد الأوروبي. هناك اهتمام بالموضوع وهو مشترك. لدينا اقتصادات تكمل بعضها مع أغلبية البلدان التي يهمها تطوير مثل هذه العلاقات مع الاتحاد الجمركي، ما عدا بعض الأنواع من السلع التي يجب التوافق بشأنها، وأعتقد أن هذا الأمر له آفاق واعدة.
س - وردت مؤخرا معلومات حول احتمال اختطاف سنودين ونقله من روسيا. هل يضر حصوله على اللجوء السياسي في روسيا وإقامته فيها على العلاقات بين موسكو وواشنطن؟
ج - هذا لا يضرنا. لسنا نحن من خلق هذه المشكلة، ولسنا نحن من حرم سنودين من جواز سفره، وهي الوثيقة الضرورية لسفره في العالم، كما لم نقم باختيار اتجاه رحلته بل هو الذي قام بذلك بنفسه، ولم نلعب لعبة "الترهيب" مثل عملية الهبوط الإجباري لطائرة رئيس بوليفيا موراليس. اتبعنا قبل كل شيء أحكام القانون لأنه ليست لدينا معاهدة مع الولايات المتحدة حول تسليم وتسفير المتهمين بانتهاك القانون، غير أننا اقترحنا عقدها مع الولايات المتحدة منذ أعوام. وأقول بصراحة تامة كان هدفنا قبل كل شيء هو تسليم الأشخاص المتهمين في روسيا بارتكاب جرائم خطيرة بما في ذلك جرائم إرهابية والذين وجدوا ملاذا لهم في أراضي الولايات المتحدة والذين لا يقومون بتسيلمهم ولن يسلموهم أبدا. على أية حال فالواقع هو الواقع، ولا وجود بيننا وبين الولايات المتحدة لمعاهدة تسليم هؤلاء الأشخاص، ولا أسس قانونية لذلك. واسترشدنا أيضا بالمفاهيم الأخلاقية والإنسانية في هذه القضية، إذ تقدم شخص بطلب اللجوء المؤقت، واستوعبنا جيدا حالته، وهو مهدد بمحاكمة يصعب أن تكون عادلة، فاتخذنا قرارا يتفق تماما مع أحكام القانون الإنساني الدولي بشأن تقديم اللجوء. ولا أستطيع أن أقول ما مدى التأثير الضار لذلك على المصالح الأمريكية. أحيانا يتكون تصور وكأنهم مزعوجون جدا لهذه القضية، ويضخموها على النطاق العالمي ولا يفهمون توضيحاتنا المقنعة سواء كانت قانونية أو إنسانية. ولا أعتقد أنه يوجد في البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية أو ربما في بقية أقسام الإدارة الأمريكية أفراد راغبون في إيذائنا ردا على ذلك.
س - أرجو التعليق على فضيحة الدبلوماسيين الروس المتهمين بالحصول على تأمين صحي غير شرعي والحصول على تعويضات عن تكاليف الولادة عبر مؤسسة "ميديكايت" وقد وصف ذلك في وزارة الخارجية الروسية كمحاولة واشنطن لخلق نزاع جديد مع موسكو؟
ج - لقد حققنا في ذلك. أولا، أود القول إن الاعتقاد بأنهم جميعا لا يملكون الحق بذلك لأنهم أجانب اعتقاد خاطئ. توجد في الولايات المتحدة قوانين صادرة في ولايات مختلفة تسمح باستخدام أموال مؤسسة "ميديكايت" من قبل الأجانب. وثانيا، التأكيد على أن الديبلوماسيين الروس الذين حصلوا على الموارد من مؤسسة "ميديكايت" لا يحق لهم الحصول عليها، وفقا لحجم دخلهم، ليس صحيحا تماما. بحثنا بشكل خاص ملفات زملائنا المذكورين أعلاه وتأكدنا أن بعضهم على الأقل حين طلبوا التعويضات، كانوا يتقاضون راتبا على المستوى الذي يسمح لهم بطلب مثل هذه التعويضات من الصندوق الأمريكي. بالطبع لا يدور الحديث حول جميع الموظفين بل حول جزء ضئيل جدا منهم. وقد وقع كل ذلك منذ عشرة أعوام، حيث بدأ الأمريكيون مراقبة هذا الموضوع اعتبارا من عام 2004. هذا بالمناسبة جانب خاص للوضع يميّز الأمريكيين. منذ ذلك الحين ازدادت رواتبهم الشهرية، علما بأن أغلبهم كان يحصل في عام 2004 على رواتب أعلى من تلك التي سجلوها في أوراق طلب تعويضات الولادة. هذه مخالفة إدارية يعاقب عليها والآن تجري المعاقبة. من 49 شخصا، غادرت الأغلبية الولايات المتحدة منذ أمد بعيد، وبقي 11 شخصا لحظة إعلان هذا النبأ، وهم إما عادوا أو يعودون قريبا إلى روسيا. وأكرر مجددا أن هذه عبارة عن مخالفة إدارية، لأنهم في الحقيقة خالفوا قوانين بلد إقامتهم، عن طريق الغش في تسجيل الطلبات، بكتابة أرقام غير صحيحة من أجل الحصول على تسهيلات مادية، وهذا أمر لا يحق دبلوماسي إتيانه، وأكرر مجددا أن بعضهم عوقب والبعض الآخر سيعاقب. هناك مسألة أخرى. إذا اكتشفت مخالفة دبلوماسيين لمعايير وقوانين بلد إقامتهم لماذا انتظار عشرة أعوام قبل الإعلان عن ذلك؟ راقبوا الموضوع في الخفاء منذ عام 2004؟ ربما أرادوا تكديس مثل هذه الحالات لتكون الارقام أكبر. لو أبلغونا عام 2004 أن أحد موظفينا يحاول الحصول على ما ليس من حقه لوجدنا أسلوبا نتفاهم به مع هذا الموظف، لكنهم كدسوا حوالي خميسن حالة، ربما لتضخيم الفضيحة بأكبر شكل ممكن، وانتظروا عشر سنين. إن الدبلوماسيين الأجانب بمن فيهم الأمريكيون كثيرا ما يخالفون القوانين الروسية، لكننا لا نحاول أن نصنع من ذلك قنبلة إعلامية، بل نتوجه مباشرةً إلى السفارات ونسعى إلى حل المسألة دون تحريض الإعلام ودون تصعيد. أعتقد أنه كان على الأمريكيين أن يتصرفوا كذلك لكنهم اختاروا طريقا آخر. هناك جانب آخر مرتبط. ربما كانت وكالة التحقيقات الفيديرالية والهيئات الأمنية المعنية الأخرى لا تعرف معاهدات فيينا حول الحصانة الدبلوماسية وحصانة الملكية الدبلوماسية والعاملين الدبلوماسيين. المعاهدة تسمي الدبلوماسيين الذين يتمتعون بالحصانة بما في ذلك حصانة الحياة الخاصة والمراسلة والملكية والخ. في حالتنا هذه تعرضت جميع الحسابات المصرفية لتفتيش كامل، وكانت مفتوحة للمخابرات. لا ندري إن كانت قد صدرت قرارات قضائية سمحت بمثل هذه التصرفات من قبل المخابرات، وحتى لو صدرت لست أدري هل أبلغت الإدارة الأمريكية الهيئات القضائية عن حصانة الدبلوماسيين؟ بلا شك كان على وزارة الخارجية الأمريكية أن تعرف حق المعرفة الحقوق والواجبات النابعة من معاهدات فيينا. تحدثنا في هذا الموضوع مع زملائنا. وأشير إلى الجوانب الأخلاقية والحقوقية لتصرفات شركائنا الأمريكيين ليس لتبرير موظفينا، وأولئك الذين أقدموا عمدا على الخداع خالفوا في الحقيقة قواعد السلوك في الخارج، فلا بد من احترام قوانين دولة الإقامة ولا يجوز تقديم معلومات غير صحيحة. بالنظر إلى هذا الموضوع من مختلف الجوانب لا يمكننا أن نهمل العنصر الإنساني المتعلق بالمعيشة وهو غلاء عملية الولادة في الخارج، بغض النظر عن وجود عيادات خاصة حتى في روسيا لا تقل أسعارها عن الأمريكية. وحق الحصول على الخدمات الطبية المجانية أثناء الولادة مؤمن لكل مواطن روسي بما في ذلك الدبلوماسي، وكان عليهم حينئذ التوجه إلى موسكو للوضع فيها أو في مدينة أخرى. حين تعمل حامل بعيدا عن الوطن تظهر صعوبات إضافية لأن عليها أن تختار: إما أت تترك الأسرة المقيمة في الخارج في الأشهر الأولى للحمل (تعود إلى أمها إذا كان الوالدان على قيد الحياة، أو توفر بطريقة ما الظروف الملائمة للولادة في الوطن) أو تنتظر حتى آخر لحظة من أجل البقاء مع الأسرة، وتسافر في اللحظة الأخيرة، رغم الخطر الذي قد يهدد الولادة. لكن هذا ليس مبررا لما ارتكبوه، بل مجرد توضيح لتلك الأفكار التي كانت تظهر لدى الأسر التي أقدمت على مثل هذه الخطوة. ندرك هذه المشكلة جيدا. ووقفت القيادة الروسية من مسألتنا هذه بتفهم وتأييد. وبمبادرة من الرئيس بوتين أقر مجلس الدوما قانون خصوصيات الخدمة المدنية الحكومية في وزارة الخارجية الروسية بتاريخ 9 يوليو/تموز2010. ووفقا لهذا القانون تقوم الدولة الروسية لمدة عامين بتغطية التكاليف المالية الخاصة بعمليات الولادة في دولة الإقامة لموظفي وزارة الخارجية. أتوقع أن "الأدلة الرهيبة" التي كان يكدسها زملاؤنا من وراء المحيط اعتبارا من عام 2004 لن تفيدهم، وسنبذل قصارى جهدنا مستقبلا لئلا يبحث مواطنونا أثناء عملهم خارج الوطن عن أية طرق للالتفاف على القانون، فهم يستطيعون الاعتماد على دولتهم.
المصدر: روسيا اليوم