دفاعاً عن الاستعمار..!

دفاعاً عن الاستعمار..!

من ضمن عقد النقص والدونية التي استطاعت المنظومات الاجتماعية غير مكتملة النمو أن تؤسس لها في مجتمعات ما بعد الاستعمار، نجد دعاة لعودة الاستعمار كوجه للحضارة، ومدافعين عن بياض صفحته في فترة وجوده. ونجدهم يقارنون مقارنات غير بريئة بين ما يسمى غزو أحد «الأديان» الهمجية المتوحشة و«دين» آخر إنساني وحضاري، في ترسيخ لفكرة أن الاستعمار هو نوع من «الفتوحات الدينية».

وتبدأ كذلك مقارنات لسلوك الحكومات الوطنية المتعاقبة ما بعد الاستقلال، مع سلوك الاستعمار نفسه للبرهان على أن سلوك الاستعمار كان أفضل..!

في بداية تجليات الأزمة السورية تحدث الكثيرون عما يسمى: «متلازمة ستوكهولم» وهي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف.

لكن هذا يفترض حسن النوايا والجهل والضغوطات النفسية فحسب، لكن الظاهرة التي نتعامل معها هنا أعقد من ذلك، فعندما يكتب أحدهم: «الاستعمار الأوروبي جلب معه إلى بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية الفنون والثقافة والعلم والأدب. إننا نشعر بالفرق العظيم بين الاستعمار الأوروبي الذي استعمرنا في الدول العربية الإسلامية وبين استعمار العرب المسلمين لنفس تلك الدول، الاستعمار في مصر بنى السكك الحديدية والمطارات والموانئ وشق قناة السويس وأرسل الشباب ليتعلموا في أفضل الجامعات الفرنسية، الاستعمار الإنكليزي جلب معه الخير كله: من أطباء ومهندسين وعبّدوا الطرق ونظموا الأحواض السكنية وحفظوا حقوق الناس.»

تفوح من هذه الكتابة رائحة مختلفة، إنها تعكس الرغبة في استمرار إيجاد مجموعات تقبل بالتدخل الاستعماري بكافة أشكاله وتتقبله بصدر رحب بل وتدافع عنه، في سعي محموم لرفض أي خيار بديل، على طريقة « إما صدّام وإما الأميركان»! بل ويرافق ذلك تمجيد لمنجزات الأمريكي «الرحيم»، وكأن ليس أمام الشعوب خيار يمكنها أن تصنعه بنفسها.. أو أنّ خياراً كهذا يقض مضجع المتيمين بحب الاستعمار والتسبيح بحمده..

(الصورة من «مجاعة أوريسا»عام 1866.. حين تركت بريطانيا أكثر من مليون هندي للموت جوعاً)