لولا الهدنة «كنا خربنا الدنيا»!
تحمل بعض المواد الصحفية المحسوبة هي وكتابها وصحفها موالاة للنظام السوري، قدراً لا بأس به من الفكاهة، من ذلك القول بأنّ محور «إيران، سورية، حزب الله» أصيب خلال الأشهر الماضية بـ«خذلان» مصدره الروس!
المرة الأولى كانت بفرضهم (أي الروس)، لوقف الأعمال العدائية في 27 شباط الماضي، الذي لولاه لكنا الآن على موعد مع «الحسم العسكري». والمرة الثانية أن معركة حلب الكبرى، و«نيران جهنم» التي تم الإعلان عن إطلاقها خلال جولة جنيف الأخيرة، وهو ما نفاه الروس، هذه المعركة لم تجر بالطريقة المطلوبة، وأوقعت ضحايا كثراً لأن الروس لم يشتركوا فيها «كما يجب»..
أول ما ينبغي للمرء الوقوف عنده في هذا الكلام، هو تعبير المتشددين عن رفضهم العميق للهدنة بغض النظر عن الطريقة التي يبررون بها ذلك الرفض.. فالقول، عن قناعة، بإمكانية «تخريب الدنيا» و«الحسم العسكري»، وبعد كل ما جرى خلال سنوات خمس، وفي ظل التوازن الدولي القائم، هو محض جنون.. وبما أن المتشددين ليسوا مجانين، بهذا المعنى على الأقل، فإنّ احتجاجهم ضد الهدنة هو في نهاية المطاف احتجاج على الحل السياسي ككل، فالهدنة لم تكن يوماً مع داعش أو النصرة أو حلفائهما، بل مع فصائل قبلت بالحل السياسي، وبين أفرادها وجماعاتها من عقدت الدولة معهم اتفاقات مصالحة، ومنهم من اشترك في الجهد الروسي ضد داعش..
وأما المسألة الثانية التي تستحق الوقوف عندها، هي طريقة هجوم المتشددين عبر صحفيين مأجورين على الروس، فما يفهم من حديث هؤلاء أن على الروس أن يعملوا تحت لوائهم! بكلام آخر، ينبغي لبوتين أن يعمل تحت إمرة أمراء الحرب على الأرض السورية، من ذبيحة وشبيحة وعفيشة وخطيفة وفاسدين كبار.. لماذا نقول ذلك؟
إنّ الفرق كبير جداً بين دفع الأمور نحو معركة كبرى في حلب مع جميع المسلحين المتواجدين فيها بفصائلهم المختلفة، وبين التركيز على النصرة وداعش، والتركيز على غذ السير باتجاه الرقة معقل داعش. يتلخص الفرق بالنقطتين التاليتين:
أولاً: معركة حلب شديدة التعقيد نتيجة التداخل الهائل بين الفصائل الإرهابية وغير المصنفة إرهابياً، بما يعكس لوحة معقدة تتمثل فيها جميع الدول الإقليمية إضافة إلى التيار الفاشي العالمي الجديد، وكل ذلك في مساحة جغرافية صغيرة تحوي كثافة سكان مدنيين عالية.. هذا التعقيد يجعل من فتح معركة شاملة في حلب باباً لحرب إقليمية ودولية وهو ما لن يسمح به الروس تحت أي ظرف كان، وقبل ذلك ففتح معركة كهذه لا يصب نهائياً في مصلحة سورية والشعب السوري، فالذهاب بهذا الاتجاه لا يهدد الهدنة على كامل الأرض السورية، بما يعنيه ذلك من هدر دماء سورية جديدة، ولا يهدد الحل السياسي في سورية ومستقبلها كبلد موحد فحسب، بل ويهدد المنطقة والعالم بأسره.. وذلكم لعب دولي كبير لا شأن ولا سلطة للمتشددين الداخليين والإقليميين به.
ثانياً: إنّ التوجه صوب الرقة، والإجهاز على داعش هناك، وهو ما بقي الروس يدفعون باتجاهه منذ ما بعد تحرير تدمر، هو توجه لا تستطيع أية جهة دولية أو إقليمية انتقاده ولو بكلمة، ولذلك فطريقه سالك، وهو في العمق ضرب لمختلف الدول الإقليمية التي تسعى لنسف الحل السياسي، وضرب لمن وراءهم، أي المركز الفاشي العالمي.. وضربة كهذه كفيلة بتحويل معركة حلب المعقدة والصعبة، إلى معركة أكثر سهولة وبساطة، فمن شأن انهيار داعش الإسقاط في يد النصرة وتطويقها وإنهاء مشروعها، وعندها سيشتغل «الركض» ابتعاداً عن النصرة وعزلاً لها.
إنّ الهجوم العلني على الروس، لا يقتصر اليوم على معارضة الرياض وأشباهها، بل ويشترك به قطاع واسع من «الإعلام الموالي» للنظام السوري، والتفسير الأعمق لهذا التلاقي هو رفض المتشددين للحل السياسي، وهو ما يدفعون ثمنه يوماً بعد آخر مزيداً من التراجع السياسي.