أسئلة غير بريئة عن معركة الرقة وأمريكا والأكراد
صرح الرئيس الأمريكي قبل أشهر، أن المعركة مع الإرهاب طويلة، وقد تدوم عقود، فما الذي استجد، حتى دخلت الولايات المتحدة على خط «التحرير»، وما الذي دفع الجانب الأمريكي إلى السير على خط اختصار الزمن فيما يتعلق بوجود داعش، وتحديداً من الرقة، مع كل رمزيتها بالنسبة لداعش، حيث يعني طردها من «عاصمة الخلافة» عملياً انهيار الفزاعة الداعشية، هل انتهى دورها الوظيفي؟
يترافق الحديث الأمريكي عن تحرير الرقة، بالحديث عن دور أساسي لوحدات الحماية الكردية في العملية، ضمن تشكيلات «قوات سورية الديمقراطية»، في ظل ممانعة تركية صريحة وواضحة، و تجري العملية برمتها، بالتوازي مع تصعيد عسكري تركي يقترب من مستوى الحرب المفتوحة، ضد حزب العمال الكردستاني، بما يعنيه هذا الأخير من عمق ايديولوجي، ولوجستي بالنسبة لقوات الحماية، أليس في الامر مفارقة، هل هو لغز الشيطان؟، فهل هي محاولة لتوريط قوات الحماية، وزجها في معركة استنزاف طويلة الأمد، وإنهاكها، بغية وضعها في مأزق عسكري وسياسي، وابتزازها، ومن ثم احتوائها كلياً؟ هل ستقامر الولايات المتحدة، بعلاقاتها مع تركية، وتستمر في التنسيق مع قوات الحماية إلى نهاية اللعبة، أم سيكون هناك كبش فداء في سياق عملية «تحرير» مدينة الرشيد؟ ألم تكن الولايات المتحدة من تمارس سياسة التوريط بامتياز، خلال العقود الأخيرة؟
تشير التجربة مع الولايات المتحدة، في كل ساحات الحروب البينية «افغانستان – العراق – ليبيا ... » بأن انخراطها في العمل العسكري، كان دائماً، ضمن منطق إدارة الازمات وليس حلها، الأمر الذي نتج عنه على الدوام المزيد من خلط الأوراق، وخلق تناقضات جديدة، أو تحريك تناقضات مزمنة، و محاولة الإمساك بكل خيوط الصراع، وإنهاك الكل، و ترويض كل الخيول على الحلبة الأمريكية حصراً دون غيرها، ضمن استراتيجية الاحتواء المركب لكل القوى، ترهيباً أو ترغيباً، وإلا، فما السر في محاولة الولايات المتحدة الاستفراد بالعملية، والتهرب من مشاركة الروس في عملية التحرير؟
لاشك، أن عملية تحرير الرقة إذا جرت بشكل جدي، ستكون منعطفاً جديداً في الأزمة السورية، بعد تحرير تدمر، ولكن من الواضح أنه، تكتنف هذه العملية جملة تناقضات، وهي ما تعرقلها عملياً، تناقضات قد تكون عصية على الفهم، عند أصحاب الحسابات الضيقة، لكنها واضحة بالنسبة لمن يعرف، أو على الأقل لا يغمض عينيه عن حقيقة، أن الولايات المتحدة لم تكن جاده يوماً ما في محاربة الإرهاب، وأنها مضطرة إلى عمل يحفظ ماء وجهها، بعد عملية تحرير تدمر و بعد الإشارات الروسية عن النية في استكمال عملية التحرير، وأنها – أي الولايات المتحدة - في الوقت نفسه، لا يمكن أن تقامر بوزن تركية الجيوسياسي والعسكري، في صراعها الدولي مع القوى الصاعدة، كرمى لعيون أي كان، خصوصاً في ظل اختلال ميزان القوى الدولي في غير صالحها.
المعركة مع داعش كأحد الأذرع الفاشية الجديدة، والانتصار عليها، ليست مجرد عملية عسكرية، بل لا بد أن تكون ضمن عملية متكاملة يشكل الحل السياسي جزءاً لا يتجزأ منها، لإنهاء داعش بشكل حقيقي، أما بقاء المفرخة، و الاكتفاء بخنق الصيصان، لا معنى له من الناحية العملية، وبالتالي فإن كل عملية تحرير يجب ألا تتناقض مع الاسراع في عملية الحل السياسي، من حيث الأدوات التي تنجزها، وباعتبار أن الأداة هنا أمريكية، بالدرجة الأولى، فإنه ينبغي الحذر كي لا تصبح محاولة التحرير حسب الوصفة الأمريكية، مراوغة جديدة لتغيير إحداثيات الصراع، إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا.