صوت جنيف3 يعلو.. ويُخفت ضجيج الحرب
يقارب اليوم الثالث من اجتماعات جنيف3 المعنية بالمفاوضات السورية على الانتهاء. وخلال الأيام الثلاثة أتت مجمل التصريحات من جميع الأطراف الدولية، والأممية، والسورية المعنية بالمفاوضات متفائلة، وتقول بأن المفاوضات (تسير قدماً)..
يصل إلى الإعلام من المفاوضات الجارية في جنيف، مجموعة من التصريحات التي يدلي بها ميسر العملية، مبعوث الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا، والوفود التي قابلها حتى الآن: أي وفد الحكومة السورية، ووفد مؤتمر الرياض، بينما يجتمع ديمستورا مع وفد الديمقراطيين العلمانيين في مساء الأربعاء 16-3.
مجموع المؤشرات التي تأتي من تصريحات المعنيين مباشرة، والدول الكبرى التي دفعت المفاوضات نحو الأمام، كالروس بالدرجة الأولى، تشير إلى إيجابية الأجواء، (فالمحادثات بناءة ومفيدة) بحسب الجعفري رئيس الوفد الحكومي المفاوض، وعلى الضفة الأخرى تم الإعلان عن: (الاستعداد للمفاوضات المباشرة) وفق المتحدث باسم وفد (معارضة الرياض).
وتأتي إيجابية هذه التصريحات، مقارنة بسلوك الطرفين في اجتماعات جنيف2، حيث كانا قد تمترسا وراء أحادية جدول الأعمال، ليطالب وفد الائتلاف المعارض في حينه بمناقشة انتقال السلطة، والمرحلة الانتقالية فقط، ويطالب وفد الحكومة السورية بوضع مسألة مكافحة الإرهاب نقطة أولى مطروحة للنقاش، ما أدى إلى بتر المفاوضات التي لم تكن الظروف الدولية قد نضجت تماماً لإنجاحها، و(تليين) الأطراف التي كانت متصلبة سابقاً.
تم حل جملة من المشاكل بين جنيف2، وجنيف الحالي، أهمها مشكلتي تمثيل المعارضة وإلغاء حصريتها بوفد الائتلاف، وعدم استبعاد أطراف إقليمية فاعلة ومؤثرة مثل إيران، والأهم الوصول إلى وقف إطلاق النار، الذي جعل قوائم الإرهاب تحدد وفق قبول المجموعات المسلحة بالالتزام بالهدنة الدائمة، والحلول السياسية، أو رفضها وتصنيف نفسها مع الإرهاب.
انعكست هذه المتغيرات بسرعة التجاوب والحضور في هذه الجولة، مقابل التمنع والمماطلة السابقة، يضاف إلى ذلك أن الأطراف لم تستطع في هذه الجولة، أن تصعّد في شروطها المسبقة –رغم أن بعض الأطراف المتشددة لا تزال تستخدمها من حين لآخر مع محاولة (تغليفها)- لأن وضع الشروط المسبقة أصبح مخالفاً للشرعية الدولية، بعد أن بات قرار مجلس الأمن 2254، أرضية داعمة للمفاوضات، تمنع الشروط، وتحدد شكل الوفود، ومهمة المفاوضات، التي تبدأ بجدول عمل قدمته الأمم المتحدة، واضطر الجميع إلى التجاوب معه، والبناء عليه، وتقديم أوراق عمل ورؤى للمفاوضات بناء على ما تم تحديده من الأمم المتحدة، ليقول ديمستورا بعد استلامه لورقتي الطرفين، بأنه (يستطيع أن يجد العديد من نقاط الالتقاء بين الأوراق المقدمة).
وفي مساء الأربعاء 16-3، بدأ اجتماع ديمستورا وفريقه كاملاً، مع وفد الديمقراطيين العلمانيين المعارض، الذي يشمل منصتي موسكو والأستانة، وجزء من منصة القاهرة، وقد صرح د.قدري جميل أحد أعضائه في وقت سابق، بأن الوفد سيقدم ورقة عمل ورؤية بالنقاط الرئيسية للمبعوث الدولي، موازية لورقتي الحكومة، ومعارضة الرياض، مع العلم أن محاولة البعض تجاهل هذا الوفد، وتعطيل حضوره عبر تأجيل دعوة الأكراد، كانت ولا تزال محاولة للإبقاء على مشاكل جنيف2، بأحادية تمثيل المعارضة، الذي كان الهدف منه، وضع خطاب متطرف وحيد ومرهون بأطراف إقليمية، في مواجهة خطاب حكومي لم يكن أكثر مرونة وأقل اشتراطاً، ودعوة المعارضة السورية بطيفها الواسع، سيجعل احتمالات النجاح أعلى، وتحديداً أنها تضم قوى سياسية كانت أول الداعين إلى الحلول السياسية، والرافضين للحلول العسكرية.
لقاء اليوم مع المبعوث الدولي، يرمم هذه الثغرة، وسيستكمله لاحقاً دعوة الأكراد، أي تخلص الأمم المتحدة من الضغوط، وتطبيقها لما جاء في قرار مجلس الأمن، القاضي بتوسيع طيف المعارضة، من المنصات المختلفة على قدم المساواة: الرياض، وموسكو، والقاهرة، والأستانة وغيرها..
العملية السياسية في جنيف3 تتقدم، والظرف متاح لتحقيق خروقات في الحل السياسي للمسألة السورية، وفق ما تؤكده تصريحات وزيري الخارجية الروسي والأمريكي، خلال أيام المفاوضات الثلاثة الاولى، وعندما يتقدم حل مسألة معقدة كالأزمة السورية، تتكثف فيها اتجاهات الصراع الدولي اليوم، ويحدد شكل حلها، نموذجاً لحل أزمات العالم الذي تتغير توازنات القوى فيه، فمن الطبيعي أن تشهد الساحة العالمية أحداثاً تهدف للتأثير على سير عمل المفاوضات وتلقي بظلالها عليها، إلا أن الثابت الأكيد بأن كل تقدم للمفاوضات سيزيد الضجيج المحيط بها، ولكنه قد يقلل من أثرها أيضاً، إلى أن يلغي وقع خطوات التقدم الكبرى كل الأصوات المشوشة المرافقة..