أوباما مندوبا للمبيعات
حين يعلن الرئيس الامريكى "حسين باراك أوباما" نيته دعوة دول الخليج لنشر منظومة دفاع صاروخية تغطى المنطقة لحمايتها من الصواريخ الباليستية الإيرانية، فنحن فى الحقيقة بصدد تاجر او سمسار سلاح، يقوم بالتسويق لشركات الاسلحة الأمريكية، لا يختلف كثيرا عن اى مندوب مبيعات فى اى شركة تجارية، فيما عدا نوع وقيمة البضاعة التى يسوق لها، وطبيعة منصبه كرئيس لأقوى دولة فى العالم.
قال ذلك فى معرض الحديث عن جدول اعمال اجتماعه المرتقب مع القادة الخليجيين فى كامب ديفيد، هذا المنتجع الشرير، الذى كان مطبخا لغالبية مصائبنا الكبرى.
يدَّعى أوباما انه يستهدف طمأنة دول الخليج القلقة من الاتفاق النووى الايرانى، بينما هو فى الحقيقة يُبشر و يُطمئن شركات السلاح الامريكية.
ان تكلفة القبة الفولاذية لاسرائيل (فلسطين 1948) التى لا تتعدى مساحتها 21 كيلو متر مربع، ستبلغ بعد الانتهاء منها، مليار دولار.
فكم ستتكلف الدروع الصاروخية الامريكية المراد انشائها لحماية الجزيرة العربية التى تزيد مساحتها عن ثلاثة ملايين كيلو متر؟
وهل كانت ضمن المكاسب الإضافية المستترة فى بنك الاهداف الامريكية فى الاتفاق النووى مع ايران؟
ان الحقيقة وراء ما يحدث فى منطقتنا، ترتبط ارتباطا وثيقا بمبيعات وأرباح ومصالح شركات السلاح الامريكية ومثيلاتها.
فلا يمكن أن يوجد اى تفسير منطقى لكل هذه الصراعات الطائفية والحروب الاهلية المجنونة التى ضربت العراق وسوريا واليمن وليبيا فى أوقات متزامنة، سوى نفوذ وعبقرية ونشاط ادارات المبيعات فى هذه الشركات، وشبكة العلاقات والمصالح المرتبطة بها فى المؤسسات الرسمية الامريكية، او المتحالفة معها والمرتشية منها فى انظمتنا العربية.
انهم يخدعونا ويضللون الرأى العام العالمى، فيختفون وراء عناوين ومنظومات دولية وأمنية وسياسية مثل الامن والسلم الدوليين، والامن القومى الامريكى، والامن الاقليمى للشرق الاوسط، ومكافحة الارهاب والقاعدة وداعش....الخ
ولكن الحقيقة هى انهم انما يبيعون أسلحتهم ويوسعون تجارتهم، ويراكمون أرباحهم، ويحلبون ثرواتنا، ويتواطئون مع حكامنا وأنظمتنا لاستهلاك وتفريغ المخازن العربية من السلاح المتراكم الذى قارب على الصدأ، لشراء غيره.
وهم يبيعون للجميع، لكل من يدفع، لا فرق فى ذلك بين الانظمة والمعارضة، أو بين السنة والشيعة والأكراد، بين داعش والحشد شعبى والبيشمركة ، ولا بين الحوثيين وقوات التحالف السعودى، الجميع يتقاتل ويَقتل ويُقتل بأسلحتهم. الفرق فقط فى علانية الصفقات او سريتها. هل تتذكرون "الكونترا ـ جيت". وهم لا يقلقون من النتائج، فبإمكانهم دائما التدخل فى الوقت المناسب، لزيادة او تقييد المبيعات والدعم العسكرى، لإمالة الميزان لصالح طرفا عن آخر، حسب الظروف ووفقا للأجندات السياسة وتكتيكاتها.
وهم يقيسون مدى نجاح الادارات الامريكية المتعاقبة بمدى قدرتها على خلق الاضطرابات والأزمات والحروب التى تزيد من مبيعاتهم.
يشاركهم فى ذلك بطبيعة الحال "كارتلات" صناعية ونفطية أخرى، من اهمها فى مجال "بيزنس الحروب" شركات المقاولات العالمية التى تتوافق وتتكامل ادوارها ومصالحها مع شركات السلاح وفقا لقاعدة "اليوم قتلٌ ودمار وغداً إعمار".
اما عن الطريقة التى يروجون بها لبضاعتهم، فهم يفعلونها من خلال "معارض للقتل الحى" على الهواء، يعرضون ويختبرون فيها القدرات التدميرية والقاتلة لمنتجاتهم على شعوبنا.
ونجم اعلاناتهم الاول، هو هذا الكيان الارهابى المتوحش المسمى باسرائيل، والذى يقدم عرضه شبه السنوى فى غزة، ومن قبلها لبنان، عرضا يستعرض فيه قوة ودقة الاسلحة المطلوب التسويق لها وبيعها. ويستخدم هؤلاء المجرمون اهالينا وأطفالنا، كفئران تجارب لفنون القتل والإبادة.
وللأسف، استطاعوا بالفعل تحقيق نجاحات باهرة، فالسلاح الامريكى والغربى هو السلاح الاول المطلوب والمرغوب فيه اليوم فى غالبية الجيوش العربية.
أسلحة يقتلنا بها الصهاينة فى فلسطين ولبنان وسيناء والجولان، ويقتلنا بها الامريكان فى العراق وافغانستان ... الخ، فنهرول نحن للتعاقد مع قاتلينا لشراء مثلها وتخزينها، وتوزع العمولات على المتعاقدين من المسئولين.
ولكنهم بالطبع لا يبيعون لنا ذات الأسلحة، بل يعطونا الفرز الثالث والرابع، ويشترطون عدم استخدامها فى مواجهة اسرائيل او اى من حلفاء أمريكا، ويضمنون ذلك من خلال قدراتهم على تعطيلها الكترونيا عن بعد، وفقا لما ورد فى عديد من دراسات الخبراء العرب.
ولا يقتصر الامر بالطبع على عمولات القادة والمسئولين، بل ان الاعتراف الامريكى بالأنظمة وبالحكام العرب والرضاء عنهم وحمايتهم، مرهون ومرتبط الى حد كبير، بتمكينهم للولايات المتحدة من احتكار تسليح جيوشهم وأمنهم وتدريبهم.
ان اى قراءة لتسليح الجيوش العربية فى الاربعين عاما السابقة، تكشف حقيقة هذه المهزلة، والمثل الابرز بالطبع هو ما قام به نظام كامب ديفيد فى مصر منذ السبعينات بإحلال السلاح الامريكى محل الغالبية الغالبة من السلاح السوفيتى.
يرتبط هذا الموضوع بطبيعة الحال، بملفات الفساد والعمولات والرشاوى فى الانظمة العربية، والتى تمثل بئرا عميقا، لا تزال أسراره وحقائقه محرمة وخافية عن الرأى العام، فيما عدا ما يتسرب بين حين وآخر من وسائل الاعلام الغربية، ومن امثلتها ما ذكره نيكولاس جيلبى فى كتابه (الخداع فى الاماكن العالية)، من حصول أسر سعودية على أكثر من 60 مليون جنيه استرليني في شكل فوائد ونقدية من شركة بي ايه اي بين عامي 1989 و 2002"
وكذلك ما تم الكشف عنه فى الشهور الاولى لثورة يناير، من عمولات حسين سالم وآخرين الخاصة بالمعونة الامريكية العسكرية لمصر، البالغة 1.3 مليار دولار سنويا، والتى تم ادانتها وتجريمها من محاكم امريكية.
وكلها تسريبات لا تتعدى نقطة فى بحر العالم السرى والخطير لتجارة السلاح.
ولهواة الأرقام والإحصائيات، فان هناك عشرات الدراسات والتقارير المنشورة التى كشفت عن حجم وتفاصيل سوق التسليح فى العالم وفى المنطقة، من أهمها ما ينشره معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم (SIPRI)، ومن أمثلة ما ورد بها ما يلى:
بلغ الإنفاق العسكري العالمي 1.75 تريليون دولار في 2013.
فى 2012 بلغت مبيعات أكبر مائة شركة 395 مليار دولار و 402 مليار دولار فى 2013، ومثلت مبيعات شركات السلاح الموجودة فى الولايات المتحدة 58%، بينما كانت نسبية مبيعات شركات غرب أوروبا 28%.
من بين أكبر 100 شركة، هناك 44 شركة أمريكية، 10 شركات بريطانية، 9 شركات فرنسية، و8 شركات إيطالية، و7 شركات روسية، و4 ألمانية، و5 كورية جنوبية، و3 إسرائيلية إلى جانب شركات كندية وبرازيلية وأوروبية أخرى.
أنفقت بلدان الشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا، نحو 170 مليار دولار على الدفاع في عام 2013.
أنفقت المملكة العربية السعودية أكثر من 80 مليار دولار على الأسلحة في 2014، وهو أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من فرنسا أو بريطانيا، وأصبحت رابع أكبر سوق للدفاع في العالم.
بحلول 2020، سيصل سوق الدفاع في الشرق الأوسط إلى نحو 820 مليار دولار.
وفى الختام، علينا ان ندرك اننا نتقاتل ونسفك دماء بعضنا البعض وندمر بلادنا، ليس دفاعا عن مصلحة وطنية أو قومية، وانما نفعلها، فى الأغلب الأعم، كجزء من خطط التسويق والمبيعات السنوية لشركات الاسلحة الامريكية وأخواتها.