غادر صابر وبقي «أبناء البسطاء» ممنوعين من المنصة!
رغم أن حديث وزير العدل المصري محفوظ صابر عن صعوبة تعيين أبناء عمال النظافة في السلك القضائي، أدى إلى إقالته ــ استقالته، فإن ما قاله لا يزال حقيقة واقعة رسّخها مجلس القضاء الأعلى منذ سنوات، فبينما غادر الوزير منصبه بعد الاحتجاج الشعبي على موقفه، بقي المنع المذكور دون تعديل
لم يكن رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، جاداً كفاية عندما أعلن من باريس قبول استقالة وزير العدل، المستشار محفوظ صابر، استجابة للمطالب الشعبية التي انطلقت منادية بإقالته بسبب تصريحاته «الطبقية» عن منع تعيين أبناء عمال النظافة في السلك القضائي، واشتراط أن يكون المرشحون للوظيفة من أبناء الأسر ذات المستوى الجيد.
الاستجابة للمطالب الشعبية بإقالة وزير العدل، التي صاغتها الحكومة باعتبارها استقالة وليست إقالة، مرتبطة بالرغبة في تهدئة الرأي العام ضد التصريحات التي وصفت بالعنصرية من مسؤول تنفيذي مسؤول عن تحقيق العدالة الناجزة بين المواطنين.
لكن الحقيقة أن منع تعيين أبناء عمال النظافة وغيرهم من أصحاب المهن البسيطة، مثل المزارعين وعمال البناء، هي قاعدة أقرها مجلس القضاء الأعلى بصيغة رسمية منذ سنوات، واعتمدت في اختيار المتقدمين لشغل مناصب «معاوني النيابة» من متخرجي كليات الحقوق والشريعة والقانون للالتحاق بالسلك القضائي، وهي الشروط التي أُقرّت باشتراط حصول الوالدين على مؤهل عال، وقد ألغي هذا الشرط خلال تولي محمد مرسي الرئاسة، ثم عاد العمل به بصورة غير معلنة، رغم مخالفته الدستور الذي ينص على «عدم التمييز بين المواطنين».
عملياً، ليس لوزير العدل سلطة على اختبارات قبول أو استبعاد المرشحين للمناصب القضائية، فالأمر من اختصاص مجلس القضاء الأعلى الذي يتكون من أقدم نواب رؤساء محاكم الاستئناف والنقض، فيما تعتمد الأسماء عبر رئيس الجمهورية، ويقتصر دور «العدل» على إرسال الأسماء فحسب. أيضاً، أطلق عدد كبير من القضاة تصريحات مماثلة لتصريحات صابر من أجل دعم موقفه، ومن بينهم المستشار رفعت السيد، وهو رئيس نادي قضاة أسيوط السابق، إذ قال إنه لا يجوز تعيين أبناء عمال النظافة، نظراً إلى أن آباءهم يربونهم من «أموال الشحاذة»، إلا أن عدداً محدوداً من القضاة انتقدوا تصريحات الوزير، مؤكدين أن والد رئيس نادي القضاة (المستشار أحمد الزند) كان يعمل «حلاقاً» ولم يكن من أصحاب المؤهلات العليا.
وبالتأكيد، عبرت تصريحات صابر عن رأي غالبية القضاة الذين يرون في أبناء «الطبقات الاجتماعية الدنيا» إساءة إلى الوسط القضائي، رغم أن غالبية القضاة ينتمون إلى أسر فقيرة علمت أبناءها مجاناً بالاستفادة من مكتسبات ثورة 1952 التي رسخها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ومن بينهم الوزير المستقيل الذي أكد أن والده لم يكمل تعليمه الجامعي واكتفى بالحصول على الثانوية الأزهرية، بل كان يعمل مزارعاً بسيطاً.
فور قبول الاستقالة، أطلق صابر تصريحات لعدة وسائل إعلامية، أكد فيها أن كلامه حقيقة واقعة ليست في القضاء فحسب، ولكن في الشرطة والجيش، وأن استقالته لن تغير الواقع. ويمكن التأكد من ذلك بمعرفة أنه يجري استبعاد أبناء العمال غير الحاصلين على مؤهل عال من المناصب القضائية والشرطية في اختبارات المقابلة الشخصية.
وبينما حرص مجلس الوزراء على تأكيد أن ما حدث من الوزير «زلة لسان» لا علاقة لها بالحقيقة، أكد صابر لـ«الأخبار» أنه تقدم باستقالته بسبب الهجوم عليه، رغم عدم اختصاصه بتعيينات القضاة، مشيراً إلى أنه فضل الاستقالة كي يريح جميع منتقديه رغم تمسكه بتصريحاته وتأكيده أنها حقيقة غير عنصرية، بل هي «مرتبطة بطبيعة منصب القاضي الذي يجب أن يكون من أسرة كريمة حتى يستطيع الحكم بالعدل».وفي كانون الأول 2013، أطاح مجلس القضاء الأعلى عشرات من شباب القضاة ممن كانوا قد عينوا في مناصبهم رغم أن آباءهم لا يحملون مؤهلات مرتفعة، وهي الدفعة التي اعتمدها محمد مرسي، كذلك رفضت التظلمات التي قدمها المستبعدون في عهد عدلي منصور الذي يترأس المحكمة الدستورية، الأمر الذي أصاب الشباب الحاصلين على تقديرات مرتفعة.
إلى ذلك، قدمت عدة منظمات حقوقية بلاغات ضد الوزير المستقيل تطالب بمحاسبته على التصريحات وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية الذي ينص في المادة 161 مكررة منه على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف (من 6500 إلى 13 ألف دولار أميركي)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا ارتكب الموظف العام عملاً من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد بسبب الأصل وترتب عليه إهدار مبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير السلم العام.
المصدر: الأخبار