العيطة: من المتوّقع أنّ القائمين على السلطة في سورية سيحاولون تحضير الاجتماع القادم بشكلٍ أفضل
عادل العوفي عادل العوفي

العيطة: من المتوّقع أنّ القائمين على السلطة في سورية سيحاولون تحضير الاجتماع القادم بشكلٍ أفضل

في اطار رصدنا لحيثيات وتفاصيل ما يعرف «بمنتدى موسكو» الذي اسدل الستار على لقاءاته قبل ايام, ولفرز الغث من السمين ونحن في وسط غارق في التصنيفات ولا يعترف الا باللونين الابيض والاسود حتى ضاعت الحقيقة بين هذين الطرفين، كان لنا لقاء خاص مع الدكتور «سمير العيطة» القيادي في «منبر النداء الوطني» و احد ابرز الاسماء المشاركة في المنتدى للحديث عن تقييمه للقاءات ونسبة الايجابيات التي خرجوا بها وكذا عن اللعظ الدائر حول البيان النهائي وكواليس اللقاءات مع وفد النظام بالإضافة الى الاخبار الرائجة عن لقاء اخر بعد شهر في نفس المكان ومدى الرهان عليه  وتفاصيل اخرى في هذا اللقاء الصريح الذي خص به قراء «راي اليوم».

برايكم كيف تقيمون لقاءات منتدى موسكو الاخير؟ وهل حققتم جزءا ولو بسيطا مما كنتم تأملون ؟

ما جرى بين 26 و29 كانون الثاني الماضي هو لقاء تشاوري أوّل ساحته موسكو بين ممثّلين للحكومة السوريّة وبين معارضين ينتمون إلى طيف واسع جدّاً وإن لم يكن شاملاً. أقيّمه إيجابياً، إذ أنّه سمح بطرح كثير من القضايا الإشكاليّة، ولنسمّها خلافات، بطريقة مباشرة وطبيعيّة، خلافاً لما حدث في مفاوضات مونترو المسمّاة جنيف 2.

وتكمن إيجابيّته أنّ توافقاً قد حصل على عدّة نقاط. أوّلاً أنّ هناك لقاء قادم سيكون بعد حوالي شهر، وفي موسكو بالتحديد وليس أيّ مكان آخر. وثانياً أنّ منتدى موسكو هو للحوار ولطرح الخلافات ومحاولة توضيحها، وليس للتفاوض. إذ أنّ مكان التفاوض هو جنيف. ويجب أن يكون اللقاء الثاني أكثر شموليّة، ليس فقط لجهة المكّونات والشخصيّات السياسية بل أيضاً لجهة المجتمع المدنيّ والمعارضة العسكريّة. وثالثاً التوافق أنّ الحوار ومن ثمّ التفاوض له ثلاثة أصعدة، السياسي العامّ والإنساني والميداني لوقف الحرب، يترابطون بعضهم ببعض. وأخيراً أنّ الأطراف قبلت الوساطة الروسيّة، فمثلاً تمّ التوافق أن ترسل لوائح المعتقلين السياسيين إلى الوسيط الروسي وأن تجيبه الحكومة السوريّة حول كلٍّ منهم.

الإيجابيّة الأخرى هي أنّ السلطة السوريّة خرجت محرجة من هذا المنتدى أمام مناصريها، إذ لم تتوصّل إلى شيء حتّى مع المعارضة التي تسمّيها وطنيّة. وهذا الإحراج هو أكبر بكثير من إحراج المعارضين أمام زملائهم ومناصريهم، من جرّاء الجلوس على طاولة واحدة مع ممثّل من أخذ البلاد إلى الخراب.

وفي الحقيقة، لم أكن أتأمّل الكثير من هذا اللقاء لأنّ السلطة السوريّة لم تقدّم شيئاً قبل انعقاده لبناء الثقة، حتّى تجاه الحكومة الروسيّة أو تجاه من جاؤوا من سورية ويعيشون تحت سقفها. وكان هدفي أنّ يتمّ في هذا اللقاء تحديد نقاط الخلاف على الأصعدة الثلاث، والبدء في إيجاد آليّات للتحاور حولها. هكذا تمّ توضيح كثير من نقاط الخلاف، من بينها أنّ الرئيس بشار الأسد موضوع خلافيّ، وكذلك بداية خلق بعض الآليّات. وهذا بحدّ ذاته تقدّم.

_ لماذا برايك هناك تضارب حول البيان الذي اصدره البروفسور “فيتالي نؤمكون ” ؟ وهل هذا يزكي بالفعل الطرح الذي يفيد بانحياز الروس للنظام ؟

دفع ممثّل الحكومة السوريّة بورقة “مبادئ موسكو”. ومن الطبيعي أن يضعها الوسيط الروسي على الطاولة. كما وضع البعض “إعلان القاهرة” الذي صدر مؤخّراً، وكما وضعت بنفسي وثائق القاهرة التي كانت المعارضة قد توافقت عليها. كلّها أضحت أوراق مرجعيّة. الوسيط الروسي قرأ بياناً غير ملزم من 11 نقطة، سمّاه “مبادئ موسكو” على أساس أنّ هذه خلاصته. والحكومة السوريّة قرأت “مبادئ موسكو” من 8 نقاط. مما يدلّ على الاختلاف وأنّ كلّ يعطي رأيه. والمشاركون المعارضون لم يتبنوّا شيئاً إذ أنّ الوثائق الموضوعة على طاولة الحوار، بما فيها ما سمي “مبادئ موسكو” لم تتمّ أصلاً مناقشتها. وعندما لا يحدث توافق كلّ طرف يبرز وجهة نظره في الإعلام. ولو كان الروس فعلاً منحازون لقالوا أنّ التوافق قد حصل.

_ لماذا برايك فشلت المعارضة في توحيد الصف والاراء حول وثيقة تضم مطالبهم وشروطهم قبل لقاء وفد النظام ؟

قبل أيّام من منتدى موسكو، صدر ما يسمّى “إعلان القاهرة” الذي وقّع عليه عددٌ من أطياف المعارضة. أنا لست شريكاً فيه، ولكنّي في الورقة الخلفيّة التي قدّمتها إلى طاولة الحوار كتبت وقرأت أنّه يمكن أن يبنى عليه. وفي الحقيقة، إنّه يتناول في طبيعته بعض البنود التي تطرّق إليها مشروع “مبادئ موسكو”. وكذلك هو الأمر بالنسبة للعهد الوطنيّ في “وثائق القاهرة”.

كلّ هذه الوثائق ليست مطالباً وشروطاً، بل رؤية للحلّ السياسيّ وسورية المستقبل. ويمكن أن يطرح الحوار حول هذا الأمر في اللقاء القادم. لكن إذا كان الهدف هو إصدار وثيقة مبادئ فسنكون قد وصلنا إلى مرحلة تفاوض وليس فقط حوار، كي تخرج الوثيقة بموافقة الجميع. وإذا كان الحضور أكثر شموليّة في هذا اللقاء الثاني فأتوقّع أن يأخذ هذا حيّزاً كبيراً من الوقت.

أخيراً، لماذا تريد توحيد المعارضة بشكل مطلق. نحن نتحدّث عن حريات وديموقراطيّة، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلافات وخلافات. ما يجب توحيده هو التوافق حول المشروع الوطني ورؤية الحلّ والبرنامج للخروج من الصراع. وبما أنّ أغلب أطياف المعارضة، كما الحكومة السوريّة، يقولون اليوم أنّ الحلّ السياسي هو على أساس بيان جنيف 1 فالتوافق يجب أن يخرج حول توضيح ما هو معنيّ “بجسم حكم انتقالي كامل الصلاحيّات”، وما يعني تعبير “المعارضة” في التفاوض، وما يعنيه أيضاً “أعضاء في الحكومة يتمّ التوافق على مشاركتهم في المرحلة الانتقاليّة”.

_ انتشرت اقاويل عن مناوشات اثناء لقاءكم وفد النظام ولغة التعالي التي قابلكم بها ,الا يعني هذا استهتارا من قبلهم بالمنتدى وجدواه من الاساس ؟

المناوشات طبيعيّة في لقاء كهذا، ليس فقط مع وفد النظام بل أيضاً بين أطياف ما يسمّى المعارضة. الصراع أخرج كلّ مشاكل الشعب السوريّ إلى السطح، ويجب أن توضع على الطاولة وتواجه بالتحاور والاحتكام إلى العقلانيّة والشعور بالمخاطر التي تحدق بالوطن. لم ألحظ تعالي من ممثّل الحكومة السوريّة، بل ربّما بعض الشعور بالمفاجأة من الطروحات، ودخوله سجالات مع أطراف كثيرة، حتّى تلك التي تتّهم بأنّها تتحالف معه. وفي الحقيقة، أصبح ممثّل الحكومة طرفاً مثل غيره من الأطراف، كما هو الحال في البلد، إذ لا تسيطر إلاّ على جزء من الأرض والشعب. ولذا لا أقول أيضاً استهتار بل طرف له طروحاته الخلافيّة مع الكثيرين.

بالمناسبة، لقد طلب منّا ألاّ نتوجّه له بتعبير “نظام”. وأنا شخصيّاً ليس لديّ مشكلة في ذلك، إذ استخدم تعابير “سلطة” و”دولة”. أنا حريص على الدولة، ومشكلتي هي مع السلطة المستبدّة التي تحتكر الحكم وتقتل المواطنين. وهذا كما يعرف الكثيرون حتّى قبل الثورة.

_ هل بدا العمل بمتابعة بعض القرارات الصادرة قصد الاعداد للمنتدى القادم الذي يدور الحديث عن انعقاده بعد شهر تقريبا ؟ وهل ستشاركون فيه انتم في “المنبر الديمقراطي ” ؟

أتصوّر أن جميع الأطراف التي حضرت باتت تراجع ما حدث في هذا اللقاء الأوّل وتهيّئ لما ستطرحه على طاولة التشاور في اللقاء الثاني. كما أشهد أنّ بعض الأطراف المدعوّة تراجع موقفها الذي كان بالمقاطعة، وأطراف أخرى لم تكن مدعوّة تحاول جلب دعوات لها. ومن المتوّقع أنّ القائمين على السلطة في سورية سيحاولون تحضير الاجتماع القادم بشكلٍ أفضل لإحراجنا، بعد أن خرج الوفد الحكومي محرجاً من اللقاء الأوّل.

بالنسبة للمنبر، الذي أضحى اسمه في الحقيقة “منبر النداء الوطنيّ”، فقد أخذ مكتبه السياسيّ قراراً بالمشاركة ونحن نعدّ رسالة بهذا الخصوص إلى المسؤولين الروس. وأتوقّع أن تبقى روسيا على الصيغة الشخصيّة للدعوات، مع تغطيتها بدعوات للكيانات. وإلاّ سيدخلون في سجال لا نهاية له حول وزن هذا الكيان أو ذاك.

_ وسط هذا الحراك الاخير ,هل اضحى الجميع على يقين بان الحوار هو الحل الامثل لتجاوز هذه الماساة؟

تجاوز المأساة التي يعيشها الشعب السوريّ تبدأ بوقف الحرب على الصعيد الميدانيّ. على الأقلّ كي يبقى الجهد متوجّهاً نحو مقارعة داعش وأخواتها. ولكنّ وقف الحرب لن يحصل برأيي إلاّ من خلال التقدّم بالتوازي وإن بخطوات محدودة وليست شاملة على الصعيدين الإنسانيّ أوّلاً ومن ثمّ السياسيّ. الحوار هو السبيل لطرح هذه القضايا وإيجاد آليّات لحلحلتها. وإذا لم تتوقّف الحرب ولم يحدث تقدّم على الصعيد الإنسانيّ فلن تأتي العودة إلى السياسة، أي إلى ظروف الحلّ السياسيّ. الحوار هو أحد السبل كي تقتنع السلطة أنّها واهمة حين تريد التوصّل إلى صيغة سياسيّة للتفاوض قبل أن توقف المظالم التي ترتكبها. كي تدرك أنّه يجب أن تضع الحصان قبل العربة حتّى نتقدّم إلى الأمام. ليس هي فقط وإنّما بعض أطياف المعارضة السياسيّة أيضاً.

 

 المصدر: رأي اليوم

آخر تعديل على الخميس, 05 شباط/فبراير 2015 13:20