افتتاحية قاسيون 1237: ماذا بعد زيارة موسكو؟

افتتاحية قاسيون 1237: ماذا بعد زيارة موسكو؟

شكلت زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين إلى موسكو يوم الخميس 31 تموز، ولقاؤهما مع وزيري الخارجية والدفاع الروسيين، ثم لقاء وزير الخارجية السوري مع الرئيس الروسي، نقطة مهمة ضمن مسار الأحداث في سورية ما بعد فرار الأسد، بل ويمكن القول إنها شكلت مفاجأة غير متوقعة بالنسبة للكثيرين.

السياق الموضوعي الذي مهّد الطريق نحو هذه الزيارة، وما يمكن أن يترتب عليها، لا ينحصر بالأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد على مختلف المستويات فحسب، بل ويمتد إلى طبيعة التدخلات والتأثيرات الخارجية في سورية خلال الأشهر الثمانية الماضية، والتي كان بين عناوينها الأبرز: النفاق الأمريكي والعربدة «الإسرائيلية»؛ فضمن المشهد الذي بدا فيه أن الأمريكي هو سيد المشهد في سورية، لم يطل الوقت حتى ظهرت الأفعال الحقيقية للأمريكي، بعيداً عن وعوده وتصريحاته السياسية والاقتصادية؛ فلا العقوبات تم رفعها فعلياً، ولا الدعم السياسي تحول إلى دعم حقيقي للاستقرار، وربما الأهم هو إطلاق يد «الإسرائيلي» ليعربد كما يشاء في الساحة السورية، مع تقديم الأمريكي لنفسه بدور «الوسيط»، تماماً كالدور الذي يلعبه في الصراع الفلسطيني مع المحتل؛ فهو «الوسيط النزيه» المشرف على إبادة الفلسطينيين عبر القتل والتجويع.

كبح التأثيرات السلبية والتفجيرية التي يقوم بها الأمريكي و«الإسرائيلي»، عبر علاقات جيدة مع روسيا، أمر مهم للغاية إنْ تم استثماره بشكل صحيح؛ فالمطلوب من الروسي اليوم هو دعم سورية في مسألتين أساسيتين واضحتين، الأولى: هي تحقيق ردع للعربدة «الإسرائيلية» ضد سورية، سياسي في المقام الأول، مع عدم استبعاد المقامات الأخرى. والثانية: هي دعم مسار الحل السياسي الشامل للوصول إلى تنفيذ حقيقي لجوهر القرار 2254، وصولاً إلى إنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه.

ينبغي على الروس أن يستفيدوا من الفرصة الجديدة؛ فسورية يمكنها أن تكون صمام أمان للمنطقة ككل، ويمكنها أن تتحول إلى صاعق تفجير لها، وهو ما يصب بشكل مباشر بالضد من مصلحة روسيا وتركيا وكل بلدان الإقليم (عدا «الإسرائيلي»). موازنة الضغط الأمريكي-«الإسرائيلي»، بعلاقات جيدة مع روسيا، هي أيضاً مصلحة تركية واضحة، لأن تركيا ترى نفسها مهددة ليس بمعنى النفوذ وتقاسمه ضمن سورية كما يروج الإعلام، بل مهددة بتفجيرها داخلياً عبر المسائل القومية والدينية والطائفية انطلاقاً من سورية، وعلى يد «الإسرائيلي» والأمريكي.

كي تستفيد روسيا من الفرصة، وكي نستفيد كسوريين منها، ينبغي على روسيا أن تتعلم من أخطاء الماضي في التعامل مع الوضع السوري، وهي أخطأت في كثير من الحالات، ومنها الثقة التي أولتها روسيا لكلام بشار الأسد ووعوده، سواء بما يخص التسوية مع تركيا أو السير بالحل السياسي، والتي تسببت بخسائر كبرى بالمعنى السياسي لكل من سورية وروسيا.

 

الثقة مطلوبة، ولكن ينبغي أن تستند إلى الأفعال، وأن تتطور مع الوقت وعلى أساس التجربة، وأن يكون صراطها هو مصلحة الشعبين؛ والشعب السوري ليست لديه لا الإمكانية ولا الرفاهية الكافية للركون إلى الوعود والكلمات لسنوات إضافية من الآلام والعذابات.

المطلوب، هو التركيز على أمرين كما أسلفنا، ردع العربدة «الإسرائيلية»، ودعم السير الحقيقي نحو المؤتمر الوطني العام الجامع والشامل لجميع المكونات السياسية أولاً، ومن ثم الاجتماعية والأهلية والمناطقية بما يراعي مختلف المكونات، ويقود تالياً نحو حكومة وحدة وطنية حقيقية وليست شكلية، ونحو دستور دائم وانتخابات.

الحل السياسي، وردع «إسرائيل»، أمران متلازمان لا يمكن ولا يجوز السير بأي منهما دون الآخر؛ فلا حل سياسياً دون ردع التخريب الصهيوني، ولا إمكانية لاستدامة ردع التخريب الصهيوني دون توحيد السوريين عبر الحل السياسي الحقيقي، بوصفهم إخوة متساوين في الحقوق والواجبات.

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237
آخر تعديل على الأحد, 03 آب/أغسطس 2025 19:24