بعد عام من سقوط سلطة الأسد... أين نحن الآن، وهل سقط النظام...؟!
يصادف صدور عدد قاسيون هذا، ذي الرقم 1255، يومَ الإثنين 8/12/2025، أي في الذكرى السنوية الأولى لسقوط سلطة الأسد. وإذا كان من حق السوريين، بعد عقود من الظلم والنهب والقمع، أن يحتفلوا بهذه الذكرى، فإن من حقهم أيضاً أن يدرسوا ما جرى خلال سنة ما بعد السقوط، على مختلف المستويات والصعد، الاقتصادية-الاجتماعية المعاشية، والديمقراطية، والوطنية، والأمنية، والثقافية... إلخ، ليحددوا هل يتم السير فعلاً في الاتجاه الصحيح المطلوب الذي يخدم الشعب السوري ويرفع المظالم عنه ويفتح أمامه طريق التطور والتقدم والازدهار، أم أن السير يجري باتجاه معاكس يعيد تعظيم المخاطر الكبرى التي تهدد وحدته وسلمه الأهلي واستقلال بلاده ووحدتها الجغرافية- السياسية.
في إطار المراجعة الضرورية لما جرى خلال عام، اخترنا في عدد قاسيون هذا، أن نجمع في مكان واحد، المواقف الأكثر أساسية التي عبر عنها حزب الإرادة الشعبية خلال عام مضى، من مختلف المحطات الكبرى التي مرت بها البلاد خلال هذه الفترة، ليكون هذا التجميع واحدة من أدوات البحث والتفكير في يد كل الوطنيين السوريين، وهم يمرون بالذكرى الأولى لسقوط الأسد، ويعملون من أجل سورية موحدة وحرة وسيدة ومستقلة حقاً وفعلاً.
في هذا الإطار، سنعرض بيانات وافتتاحيات ومقالات أصدرها الحزب، في 16 محطة أساسية مرتبة زمنياً من لحظة السقوط يوم 8/12/2024، وحتى يومنا هذا، وكالتالي:
- أولاً: يوم السقوط
- ثانياً: العدوان الصهيوني الذي تلا السقوط
- ثالثاً: حول «مؤتمر الحوار الوطني»
- رابعاً: مجازر الساحل
- خامساً: اتفاق 10 آذار
- سادساً: الإعلان الدستوري
- سابعاً: ملف السويداء
- ثامناً: الاعتداء «الإسرائيلي» على قيادة الأركان
- تاسعاً: حول المؤتمر الوطني العام
- عاشراً: كلمة حول المركزية واللامركزية
- حادي عاشر: حول «انتخابات» مجلس الشعب
- ثاني عشر: حول التوجه الاقتصادي للسلطات الجديدة
- ثالث عشر: الموقف من المباحثات مع «إسرائيل»
- رابع عشر: حول القرار 2799
- خامس عشر: المظاهرات في الساحل السوري
- سادس عشر: أهم أداة للتدمير الشامل: الطائفي
أولاً: يوم السقوط: بيان إلى الشعب السوري: نحو سورية الجديدة!

طُويتْ اليوم صفحة سوداء في تاريخ سورية والشعب السوري؛ صفحةٌ كان شعبٌ بأكمله محشوراً في هامشها الضيق، يعاني شتى صنوف العذاب والقهر والحرمان والآلام والتهجير والفقر والمعتقلات، بينما كان يحتل متنها بأكمله، الاستبداد والفساد والنهب والتغول على حقوق الناس وكراماتهم.
قطع الشعب السوري خلال السنوات والعقود السابقة، درب آلامٍ طويلة... وآن لتلك الدرب أن تنتهي، وآن للسوري أن ينظر إلى المستقبل عيناً بعين، بثقة وبرأس مرفوع، وبآمال عريضة بإعادة بناء البلاد العزيزة على أهلها وإنْ جارت، وما هي بجائرةٍ ولكن أولئك الذين تسلطوا عليها هم الجائرون.
الأمل الذي يملأ النفوس اليوم، هو أمل مشحونٌ بطاقات كبرى، وينبغي له أن يكون أملاً مسلحاً بالحذر والهدوء والحكمة والعقل... أملٌ تحتضنه قلوب حامية ملتهبة، وتحمله عقول باردة حكيمة.
الصعوبات والتحديات جسيمة وضخمة، ولكن السوريين أهلٌ لها، وكلمة السر الأولى في تجاوزها، هي وحدة الشعب السوري وتضامنه وتكافله وصيانته لمؤسسات دولته وحنوه على بعضه البعض، وتساميه عن عقليات الثأر والانتقام، واحتكامه لإرثه الأخوي العميق.
ما يطالبنا به وطننا اليوم، كسوريين، هو أن نعمل معاً لتأمين انتقال سلس وسلمي للسلطة، بحيث يتم في هذه المرحلة تشكيل مرجعية جامعة وظيفتها تأمين الوصول إلى الدستور الجديد والانتخابات الحرة النزيهة الديمقراطية، لتمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه، والاستناد في ذلك إلى القرار 2254 الذي ما يزال صالحاً تماماً كخارطة طريق لمرحلة انتقال سياسي سلمي وسلس نحو سورية موحدة بالكامل، شعباً وأرضاً.
تجارب الشعوب المختلفة تثبت أن رحيل السلطة لا يعني رحيل النظام، وأن عملية تغيير النظام تغييراً جذرياً شاملاً، سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً، هي عملية أشد تعقيداً بكثير من مجرد رحيل رئيس وقدوم رئيس.
الشعب السوري يستحق أن تكلل نضالاته بنصرٍ حقيقي مكتمل الأركان، وفي جوهر هذا النصر منع الانتقال من مستبد إلى مستبد ومن ناهب إلى ناهب... ولذا وبقدر ما يمكن لمساحة الفرح الراهن أن تكون واسعة، بقدر ما يمكنها أن تكون مؤقتة في حال لم ينتقل الشعب بشكلٍ فعلي من هامش التاريخ إلى متنه عبر استلامه الفعلي للسلطة.
الاستلام الفعلي للسلطة يعني امتلاك برنامج متكاملٍ لليوم التالي؛ نقطة العلام الفارقة في هذا البرنامج هي أي اتجاه اقتصادي-اجتماعي ينبغي أن تسير فيه البلاد، وجوهر هذه النقطة وغايتها، ينبغي أن تكون العدالة الاجتماعية الحقيقية بعيداً عن اللبرلة المتوحشة التي طبقتها السلطة السابقة، والتي تعدنا بمواصلتها قوىً متعددة من تلك التي ستتحول إلى جزء من السلطة القادمة.
نقطةُ علامٍ أخرى أساسية، هي الموقف الثابت المتجذر للشعب السوري من القضية الفلسطينية بوصفها قضيته، وموقفه الحاسم تجاه الجولان السوري المحتل، أرضاً سورية يجب استرجاعها بكل السبل.
إننا في حزب الإرادة الشعبية، وإذ نهنئ الشعب السوري على طوي صفحة سوداء من تاريخه، ونتمنى له أن تهنأ عيونه باستراحة المحارب التي يعيشها الآن، فإننا نؤكد أن النضال لتحقيق الحرية الكاملة للشعب السوري ولتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة إعمار البلاد وعودة المهجرين إليها، ما يزال طويلاً وشاقاً، ويحتاج إلى الجهود الصادقة المحبة لسورية وأهلها، ويحتاج بشكلٍ خاص للكفاءات الكثيرة التي تركت سورية مضطرة... وسورية اليوم تنتظر هؤلاء كلهم، وعلى أحر من الجمر...
حزب الإرادة الشعبية
دمشق 8/12/2024
ثانياً: العدوان الصهيوني الذي تلا السقوط - نداء إلى الشعب السوري

لم تكد تمر ساعات قلائل على رحيل السلطة الغاشمة السابقة، حتى سارع «الإسرائيلي» إلى توسيع عدوانه الشامل على الأرض السورية والشعب السوري، من قصفٍ وهجمات جوية هي الأعنف منذ حرب تشرين عام 1973، استهدفت مقراتٍ ومعداتٍ وأسلحةٍ هي ملك الشعب السوري وجزء من عوامل قوته، إلى التغول على جبل الشيخ العزيز ومناطق متعددة ضمن محافظة القنيطرة، والقفز فوق القرار 338، وإنهاء اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 من طرف واحد، ناهيك عن الاستمرار في احتلال جولاننا السوري.
إنّ جوهر السلوك «الإسرائيلي» العدواني الراهن، يكمن في النقاط التالية:
أولاً: السعي إلى تنغيص فرح السوريين وتثبيطهم وإحباطهم والفت في عزائمهم، ومحاولة «ترويضهم» بشكلٍ استباقي؛ لأن «الإسرائيلي» يعلم علم اليقين أن عدوه الحقيقي كان وما يزال هو شعوب المنطقة بأسرها، وبينها الشعب السوري الذي دفع الغالي والثمين طوال عقود في مواجهة هذا الاحتلال.
ثانياً: يعكس سلوك «الإسرائيلي» قناعته العميقة بأن ما جرى في سورية يوم أمس قد أفقده أحد «ضمانات» أمنه؛ حيث تاجرت السلطة السابقة بالقضية الوطنية بالكلام والشعارات طوال عقود، بينما كان سلوكها في إضعاف سورية وشعبها على كافة الصعد أحد أفضل الهدايا التي تم تقديمها للعدو، ناهيك عما يمكن التكهن به، وسيكشفه التاريخ لاحقاً، من علاقات من تحت الطاولة وفي الغرف المغلقة.
ثالثاً: إذا كان أحد أهم دوافع نضال الشعب السوري ضد السلطة السابقة هو رفضه الضيم والذل والاعتداء على سيادته وكرامته ولقمة عيشه من جانب سلطة غاشمة، فإنه لم ولن يقبل أن يعيش صاغراً ذليلاً أمام احتلال إجرامي حاقد يكن للشعب السوري ولكل شعوب المنطقة أشد مشاعر البغض والكره والتعالي والتكبر والتجبر والحقد. وسلوك «الإسرائيلي» يعكس فهمه لارتباط الشعب السوري بأرضه وحرصه على كل ذرة من ترابها، وحرصه على كرامته وسيادته، وفهمه أنّ عداء الشعب السوري للاحتلال «الإسرائيلي»، كان دائماً أصدق وأنبل من كل ما تم إلقاؤه من شعارات مجانية من جانب السلطات المختلفة. وإنْ كان شعار المقاومة قد تمت الإساءة إليه عبر الإتجار الرخيص به لمصالح شخصية ضيقة، فهذا لا يعني بحالٍ من الأحوال أن السوريين أضاعوا أو سيضيعون البوصلة التي تتجه دائماً صوب الجولان وصوب القدس.
أيها الشعب السوري الكريم
علينا أن نحافظ على النصر المنجز والذي ما يزال غير مكتمل، عبر التضامن والتكافل فيما بيننا، وتجهيز العديد والعدة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً، لمنع الأفعى الصهيونية من لدغنا في قلب فرحنا، وعلينا أن نبقي نصب أعيننا أن أحد معايير حكمنا على أي سلطة قادمة، مؤقتة ومن ثم منتخبة، ينبغي أن يكون الموقف الواضح اللفظي والعملي من الاحتلال «الإسرائيلي».
على المجتمع الدولي أيضاً أن يتخذ مواقف واضحة وعملية في الدفاع عن القانون الدولي، وعلى مؤسسة الأمم المتحدة أن تخرج من حالة السبات وانعدام الحيلة والتواطؤ الفعلي مع الكيان، وأن تلعب دورها، وإلا فإنها تراكم عوامل نهايتها القريبة.
وعلى الدول الضامنة للتحولات الجارية في سورية، وضمناً تركيا وروسيا على الخصوص، وتلك التي لها نقاط مراقبة عند خط فك الاشتباك، ونقصد روسيا بالذات، أن تضطلع بدورها وأن تتحمل مسؤولياتها القانونية بأسرع وقت وبشكل عملي وحاسم.
إن التوازن الدولي الجديد، والتغيرات الكبرى التي تحصل، تعيد التأكيد على أن «الإسرائيلي» ومعه الأمريكي، ذاهبون باتجاه خسارة استراتيجية في منطقتنا، وعلينا كسوريين أن نسرع هذه العملية وألا نسمح للصهيوني بتنغيص فرحنا وتهديد المستقبل الجديد لبلادنا الذي ما يزال في طور الولادة...
حزب الإرادة الشعبية
دمشق 9/12/2024
ثالثاً: حول «مؤتمر الحوار الوطني»

تناولت افتتاحية قاسيون ذات الرقم 1216، والصادرة بتاريخ 2 آذار 2025، مؤتمر الحوار الوطني الذي كان قد عقد يوم 25 شباط. حملت الافتتاحية عنواناً هو: («مؤتمر الحوار الوطني» ما له وما عليه)، وجاء فيها:
انتهى «مؤتمر الحوار الوطني» الذي عُقد يوم الثلاثاء الماضي، 25 شباط 2025، إلى بيان ختامي ضمّ 18 بنداً، قاربت عدداً من القضايا الأكثر أساسية التي تشغل الشارع السوري. ومع صدور البيان وانتهاء الاجتماع الذي انحصر في يومين، يومٌ للتعارف ويوم للعمل، بات من الممكن تقديم تقييم إجمالي للتجربة. ولعل من المفيد أن نرتب عملية التقييم عبر حصر الإيجابيات والسلبيات الأساسية، وصولاً إلى الخلاصات.
الإيجابيات
كل حوارٍ بين السوريين هو أمرٌ إيجابي؛ فالحوار هو السبيل الوحيد للوصول إلى توافقات حقيقية تُعيد لَمّ شمل الشعب والبلاد، بعد سنوات من الحرب والتهجير وتقسيم الأمر الواقع.
عبّر عدد من المشاركين الذين استقصينا آراءهم عن رضاهم العام عن التجربة، وعن أنهم تمكنوا من التعبير عن آرائهم بحرية كاملة، وأثنوا على عمليات التيسير، وعلى الجوانب الرمزية ضمن المؤتمر، بما في ذلك انعقاده في قصر الشعب.
حملت البنود التي خرج بها البيان الختامي سماتٍ إيجابية رغم عموميتها وبعض السلبيات ضمنها، وجاءت متوافقة إلى حد ما مع محصلة النقاشات التي جرت خلال المؤتمر.
نَصّ البند الأخير في البيان الختامي على أن عملية الحوار يجب أن تستمر، ويجب أن يتم البحث عن الآليات المناسبة لذلك. وهو أمرٌ إيجابي يمكن البناء عليه باعتبار ما جرى خطوةً أولى نحو «المؤتمر الوطني العام» الذي ما يزال مهمة ملحة على جدول الأعمال الوطني.
السلبيات
المقدمات تؤثر بالضرورة على النتائج النهائية، ولذلك فإن تشكيلة اللجنة التحضيرية التي جاءت منخفضة التمثيل السياسي والاجتماعي، انعكست على تشكيلة الاجتماع نفسه، وجعلته مؤتمراً غير مكتمل الأركان، غابت عنه قوىً وتيارات أساسية ضمن البلاد، سواء في الشمال الشرقي، أو غيره من مناطق البلاد، ما أدى لإضعاف قدرته على تحقيق وظيفته كأساس لاستعادة الوحدة الوطنية ولاستكمال توحيد سورية.
التعجّل والفوضى في طريقة إجراء الحوارات الفرعية، وفي طريقة إرسال الدعوات قبل 24 ساعة، تسببت بغياب عدد مهم من المدعوين، ما عزز وفاقم من مشكلة سعة التمثيل وشموله.
الوقت القصير جداً المخصص لنقاش وحوار مشكلات متراكمة منذ عقود، جعل من المستحيل الدخول في حوارات ونقاشات حقيقية تنتج توافقات وحلولاً إبداعية، هي في الحقيقة ضرورة قصوى للخروج من الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد على المستويات كافة، وحوّل الاجتماع إلى منصة يقول ضمنها المدعوون ما يريدون، ولكن لا يجري تفاعل حقيقي بين آرائهم، ولا توجد ضمانات أن يتم الالتزام بما يتم الوصول إليه من نتائج، باعتبارها توصيات غير ملزمة... هذا كله يرجح كفة الشكلانية والاستعراض، على كفة التعامل الجدي المسؤول مع الوضع الخطير في البلاد، وضرورة البحث عن حلول حقيقية وسريعة.
غابت عن البيان الختامي أمورٌ شديدة الأهمية لحاضر سورية ومستقبلها، بينها: الديمقراطية كمطلب حقٍ للشعب السوري، وأداة في الدفاع عن مصالحه وحريته، وكذلك الفصل بين السلطات كأداة من أدوات الحكم، ناهيك عن أن أولوية الأولويات المتعلقة بالوضع المعيشي للسوريين لم تأخذ الحيز الذي تستحقه وتحتاجه، لا من حيث النقاش، ولا من حيث النتائج.
الخلاصات
يتوهم البعض أن عقد مؤتمر للحوار بهذا الشكل المقتضب المتعجل، يمكنه أن يحقق «شرعيةً» ما، وخاصة خارجية، ولكن الحقيقة هي أن الشرعية داخلية قبل كل شيء، وتأتي من الشمول والتشارك، وسعة التمثيل والتوافق الحقيقي على قضايا البلاد الكبرى، ومن ثم عبر العمل الحقيقي، لا الشكلاني الاستعراضي، على حل المشكلات وتكريس السلم الأهلي، وإعادة إنتاج السوق السورية الواحدة لتأمين إعادة إقلاع الاقتصاد الوطني. وأما السعي وراء «الشرعية» الخارجية، والغربية خصوصاً، على أمل رفع العقوبات، فهو قبضٌ للريح وسعي وراء السراب. وكل تأخير في حسم الخيارات الوطنية الداخلية بانتظار عطف الخارج من شأنه أن يزيد من التوترات والتهديدات والمخاطر بأشكالها المختلفة.
الاجتماع الذي جرى هو خطوة أولى، تحتاج لعمل جدي كي لا يتحول إلى فرصة ضائعة؛ الأمر الذي يتطلب استكماله بشكلٍ حقيقي وسريعٍ بالاتجاه نحو البحث عن الشرعية في الداخل، ومن خلال برنامج عمل واضح، تشاركي، واسع التمثيل، يشعر من خلاله السوريون، كل السوريين، بأنهم ممثلون بشكلٍ حقيقي.
رابعاً: مجازر الساحل - بيان من الإرادة الشعبية

تواصل المشاهد المؤلمة القادمة من الساحل السوري تدفقها على رؤوس السوريين في كل مكان في سورية وخارجها، لتبعث فيها أشباح الماضي القريب؛ ماضي الاقتتال والموت والدمار والمعاناة المريرة، والاحتمالات الخطرة والقاسية على البلاد وأهلها بمختلف انتماءاتهم واصطفافاتهم ومواقفهم.
إنّ دروس التجربة المرة السابقة،
والتي دفع السوريون ثمنها أنهاراً من الدماء، ينبغي ألا تُنسى، وينبغي أن تكون نصب أعيننا جميعاً للاستفادة منها في التعامل مع اللحظة الخطرة التي نعيشها.
انطلاقاً من هذه القناعة، نؤكد ما يلي:
أولاً: ينبغي للمعالجات الأمنية أن تكون حكيمة وواعية، وينبغي للسلطة ألا تنزلق لتكرار سلوك سلطة الأسد، ما يعني أن عليها أن تتحمل المسؤولية التاريخية أمام الشعب السوري بأكمله في منع وقمع الانتهاكات والجرائم بكل أشكالها ومن أي طرفٍ جاءت، وفي منع وقمع السلوك الطائفي والانتقامي الحاقد وعديم البصيرة، الذي لا يقود إلا نحو الخراب والتقسيم وإنفاذ أحلام ومخططات الأعداء التاريخيين للبلاد وعلى رأسهم «إسرائيل».
ثانياً: الحلول الأمنية البحتة لم تستطع في يومٍ من الأيام أن تقدم حلاً لأزمات البلاد، بل كانت دائماً ما تزيد من اتساع الأزمات وعمقها وخطرها؛ فالحل الحقيقي هو حلٌ سياسي أولاً وقبل كل شيء، وينبغي أن تخضع المعالجات الأمنية المختلفة، بما فيها ملاحقة فلول النظام وملاحقة من يسعى للتخريب، للمنطق العام للحل السياسي الذي يقوم على أوسع مشاركة سياسية واجتماعية، تخلق اطمئناناً حقيقياً لدى كافة فئات الشعب السوري، وتغلق الثغرات التي يتسلل منها أعداء الداخل والخارج على حد سواء... وهو ما يتطلب، وعلى وجه السرعة، إنشاء حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل، تساهم بشكلٍ مباشر في وضع البلاد على السكة الصحيحة نحو الاستقرار.
ثالثاً: ينبغي الوصول إلى حصرٍ حقيقي للسلاح بيد مؤسسات الدولة، وضبط السلاح المتفلت، بما في ذلك السلاح المتبقي بين يدي فلول النظام، وأيضاً السلاح الفصائلي، والوصول إلى ذلك يتطلب بالضرورة بيئة حوار وطني وحل سياسي شامل يقدم فيه المجتمع دعمه الحقيقي لهذه العملية التي لا يمكن أن تتم دون هذا الدعم.
رابعاً: ينبغي الانتهاء من أي أوهام حول «تدخلات خارجية إيجابية» وحول «حماية دولية» لهذه الفئة أو تلك؛ كما ينبغي تحييد دعوات حمل السلاح بحجة الدفاع عن النفس، لأن التاريخ القريب والبعيد لبلدنا، يعلمنا أن التدخلات الخارجية، وتحت أي مسمى كان، وحمل السلاح بغرض «الدفاع عن النفس»، كلاهما لم يؤديا إلا إلى رفع فاتورة الدم وتأخير الوصول إلى الحلول. الحل ينبغي أن يكون سورياً-سورياً، وسلمياً. وتتحمل السلطة القائمة مسؤولية أساسية أمام الشعب السوري في الدفع بهذا الاتجاه.
الرحمة لشهداء سورية
والشفاء العاجل لجرحاها
دمشق
8/3/2025
خامساً: اتفاق 10 آذار

تصريح صحفي من الإرادة الشعبية
وقع كل من السيد أحمد الشرع، رئيس الجمهورية، والسيد مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، اليوم 10 آذار 2025، اتفاقاً مهماً يشكل خطوةً كانت منتظرةً باتجاه استكمال توحيد الأراضي السورية والشعب السوري.
إننا في حزب الإرادة الشعبية وإذ ننظر بإيجابية عالية لهذا الاتفاق، ونرى فيه عملاً مهماً لقطع الطريق على نوايا ومخططات التقسيم «الإسرائيلية»، فإننا نؤكد على أن هذا العمل ينبغي أن يتم تعزيزه واستكماله عبر منع تكرار أي أحداثٍ ذات طابع طائفي، من نمط الأحداث المأساوية التي جرت في الساحل السوري خلال الأيام الماضية.
إنّ تعزيز السلم الأهلي، واستكمال توحيد سورية شعباً وأرضاً، وإعادة إقلاع اقتصادها، وعزل المخربين من مختلف الأطراف الداخلية والخارجية، يتطلب المضي سريعاً نحو المؤتمر الوطني العام، ونحو حكومة وحدة وطنية شاملة ووازنة وواسعة التمثيل بحيث يشعر كل سوري بأنه ممثلٌ تمثيلاً حقيقياً.
الاتفاق الموقع اليوم، يؤكد ما سبق أن قلناه مراراً، وهو أن الطريق الوحيد الصحيح للخروج بسورية من الكارثة ولنهوضها مجدداً، هو طريق الحوار بين السوريين، وليس طريق القتال والاقتتال والدمار الذي لم يجلب على سورية والسوريين إلا الكوارث.
دمشق
10/03/2025
سادساً: الإعلان الدستوري
بيان من الإرادة الشعبية حول الإعلان الدستوري

وقع رئيس الجمهورية للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، يوم أمس الخميس 13 آذار 2025، «الإعلان الدستوري» المكون من 53 مادة، والذي أنتجته لجنة كان قد عينها السيد الشرع، بالطريقة نفسها التي تم بها تعيين الحكومة المؤقتة واللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني؛ أي دون تحقيق تمثيل واسع وحقيقي على المستوى السياسي والاجتماعي العام في سورية.
التفاصيل الموجودة ضمن هذا الإعلان، والتي لا ترتقي برأينا لمتطلبات وخطورة المرحلة التي تعيشها البلاد، هي تفاصيل عديدة، ولكن بين أه سادساً: الإعلان الدستوري
مها ثلاثة أمور أساسية:
أولاً: تحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات، وترك البلاد كل هذه الفترة دون دستور دائم ينتج عن مؤتمر وطني عام حقيقي وواسع التمثيل، يكرّس المخاطر التي تعيشها الوحدة الوطنية للبلاد، ويرفع من مخاطر التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة، ويعرقل ويصعّب رفع العقوبات. في حين إن صياغة الدستور على أساس مؤتمر وطني عام، يمكن أن تُنجز ضمن سنة واحدة على أكبر تقدير، بحيث تكلل نضالات الشعب السوري بإنفاذ حقه في تقرير مصيره بنفسه قولاً وفعلاً عبر انتخابات شفافة ونزيهة على كل المستويات.
ثانياً: تغيب عن الإعلان الدستوري بأكمله، من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، الفكرة الأثمن والأكثر أساسية القائلة بحكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب، التي تشكل المضمون الحقيقي لفكرة الديمقراطية، والثمرة الحقيقة لنضالات السوريين الممتدة لعقود طويلة متتالية.
ثالثاً: مع أهمية مركزة السلطات ضمن مرحلة خطيرة كالتي نعيشها، إلا أن المركزة تصبح هشة وضعيفة بالمعنى العملي حين لا تقوم على التوافق العام بين السوريين، وحين تقوم على الاستئثار وحيازة السلطة التنفيذية، ومقام الرئاسة ضمناً، لصلاحيات تمتد للسيطرة على السلطات الثلاث بشكلٍ كامل، ضمن تكرارٍ للدستور السابق الذي يكرس الهيمنة على مختلف السلطات.
بالمحصلة، فإن الإعلان الدستوري الذي تم الإعلان عنه، جاء مخيباً للآمال، وأقل من أن يكون أساساً صالحاً لانتقال سلسٍ يحمي وحدة البلاد وأهلها ويغلق الباب على التدخلات الخارجية بمختلف أشكالها.
وعلى هذا الأساس، فإننا في حزب الإرادة الشعبية، ما نزال نرى أن المهمة الملحة الملقاة على عاتق كل السوريين، بمن فيهم السلطة القائمة، هي العمل السريع من أجل مؤتمر وطني عام يكون أداة الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه وفي تحصين وحدته الوطنية، وفي حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل، تكون الأداة التنفيذية لتوحيد البلاد، وللوصول بها إلى بر الأمان.
سابعاً: ملف السويداء
تصريح من حزب الإرادة الشعبية حول العنف المتصاعد في محافظة السويداء

تواصل المشاهد المؤلمة القادمة من الساحل السوري تدفقها على رؤوس السوريين في كل مكان في سورية وخارجها، لتبعث فيها أشباح الماضي القريب؛ ماضي الاقتتال والموت والدمار والمعاناة المريرة، والاحتمالات الخطرة والقاسية على البلاد وأهلها بمختلف انتماءاتهم واصطفافاتهم ومواقفهم.
يتابع السوريون، داخل سورية وخارجها، بقلق وألم بالغين أحداث العنف المتصاعدة في محافظة السويداء السورية، والتي تزيد الجرح السوري عمقاً وتنذر بأخطار أكبر وأوسع على السلم الأهلي السوري وعلى وحدة البلاد وأهلها.
إننا في حزب الإرادة الشعبية، وإذ ندين أي تدخل خارجي في البلاد، وأي تلويح أو تهديد بالتدخل الخارجي، وخاصة التدخل العدواني «الإسرائيلي» الذي يبتغي تعميق التناقضات بين السوريين ودفعهم نحو الاقتتال عبر تحريض بعضهم على بعض، فإننا في الوقت نفسه نرى أن ما يسمى «حلولاً أمنية» هو الوصفة المثالية للفشل ولتعميق الأزمة والشقاق بين أبناء البلد الواحد وبما يضر بمصالحهم جميعاً ويصب في مصلحة أعداء البلاد الخارجيين.
إن الحل كان وما يزال سياسياً، ويتطلب وقفاً فورياً لإطلاق النار، وتحريماً فعلياً لإراقة الدم السوري. الحل الحقيقي ليس أمنياً أو عسكرياً، وإنما سياسي يقوم على حوار وطني حقيقي يجمع أبناء البلد الواحد عبر مؤتمر وطني عام يعالج كل القضايا العالقة عبر عقود ويفضي إلى حكومة وحدة وطنية بعيدة عن الاستئثار أو الإقصاء، كخطوة ضرورية لترسيخ السلم الأهلي ووحدة البلاد وتمليك الشعب السوري لحقه في تقرير مصيره بنفسه.
نضم صوتنا إلى أصوات العقلاء في مختلف الأطراف السورية، والداعية إلى تحكيم العقل والحكمة للوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتوجيه الجهود كلها نحو الحلول السلمية الوطنية القائمة على المشاركة والاحترام المتبادل، صيانة لدماء الناس وحقوقها وصيانة للبلاد ووحدتها وسلمها الأهلي.
دمشق
١٤تموز٢٠٢٥

تصريح صحفي من الإرادة الشعبية
حول الحصار غير المعلن لمحافظة السويداء
مرّ أسبوعان على اشتعال الأحداث الدموية والمأساوية التي حلّت بمحافظة السويداء السورية، ومرت بضعة أيام على انتهاء الطور العسكري الساخن منها؛ ومنذ اشتعال الأحداث وحتى اليوم، تعاني المحافظة من نقص كبير في كل المواد الأساسية، من طحين ومحروقات وخضروات ومواد غذائية وأدوية، إضافة إلى استمرار التردي الكبير في وضع الكهرباء والمياه والاتصالات.
الحديث عن دخول المساعدات عبر الهلال الأحمر والمنظمات الدولية، وانطلاقاً من قرى في محافظة درعا، هو حديث صحيح؛ ولكن هذه المساعدات بمجموعها، أقل بكثير من الحاجة اليومية للمحافظة، خاصة مع استمرار نزوح عشرات الآلاف من أبناء المحافظة من قراهم في شمال المحافظة خاصة، وباتجاه المدينة والقرى الجنوبية.
إن الحاجات اليومية للمحافظة، لا يمكن تأمينها عبر المساعدات الشحيحة التي تصل إليها عبر محافظة درعا، ويمكن تأمينها فقط عبر الطريق الأساسي الواصل بين دمشق والسويداء، وليس كمساعدات، بل كتبادل تجاري طبيعي... هذا الطريق الذي ما يزال مقطوعاً اليوم من جهة دمشق.
إن مفاقمة أوضاع الناس عبر ما يشبه حصاراً غير معلن، وأياً يكن المسؤول المباشر عنه، هي خدمة مباشرة ومجانية للعدو «الإسرائيلي»، الذي يتحين الفرص لتكريس تحريض السوريين ضد بعضهم البعض، ولتحويل الحديث عن التقسيم إلى وقائع على الأرض باستخدام الجوع والدم.
إن السلطات السورية مطالبة بقطع دابر الفتنة والتحريض بمختلف أشكاله، وبإعادة فتح الطريق بين دمشق والسويداء بشكل طبيعي وعلى وجه السرعة، وتأمينه وتأمين مرور البضائع عبره بشكل طبيعي.
إن الحفاظ على وحدة البلاد ووحدة أهلها وحياتهم هي مسؤولية وطنية كبرى، والطريق نحوها هو الحوار والحوار فقط، أما التفكير بمنطق القسر والإجبار والحلول الأمنية، فلن يشكل إلا خدمة مباشرة لأصحاب مشاريع التقسيم، في الخارج وفي الداخل.
الإرادة الشعبية
دمشق
28/7/2025
ثامناً: الاعتداء «الإسرائيلي» على قيادة الأركان
أصدر حزب الإرادة الشعبية تصريحاً حول الاعتداء «الإسرائيلي» على قيادة الأركان في دمشق، والذي تزامن مع العنف المتصاعد في السويداء في حينه، وحمل التصريح عنواناً هو «مواجهة المخاطر تتم بوحدة داخلية حقيقية»، وجاء فيه:
يؤكد «الإسرائيلي» باعتدائه الذي شنه اليوم ضد قيادة الأركان في دمشق، وهي أحد رموز السيادة السورية بغض النظر عمن يجلس فيها، وبتدخلاته التخريبية والتحريضية في السويداء وغيرها من المناطق السورية، أنه -وداعمه الأمريكي- عدو لكل أبناء الشعب السوري، وأن هدفه في سورية كان وما يزال تحريض أهلها على قتل بعضهم البعض باتجاه تفتيتها وإنهائها.
إن هذه الرسالة الواضحة، ينبغي أن تُفهم جيداً من السوريين جميعاً، وتتحمل السلطة السورية القائمة المسؤولية الأولى والأساسية عن فهمها والتصرف سياسياً على أساسها، بعيداً عن أية أوهام تتعلق بالخارج والاستناد إليه، وخاصة الخارج الغربي، ويشمل هذا أيضاً مسؤولية الأطراف السورية المختلفة عن عدم الوقوع في الخطيئة الوطنية باستدعاء الخارج وخاصة «الإسرائيلي» الذي لا يريد خيراً بأي من السوريين، دولة ومجتمعاً.
الوقوف في وجه الصلف والاعتداءات «الإسرائيلية» له طريق واحد لا بديل عنه، تتحمل المسؤولية الأولى في المضي نحوه السلطة القائمة؛ وهذا الطريق هو طريق عقد المؤتمر الوطني العام فوراً وصولاً لحكومة وحدة وطنية شاملة وانتخابات حرة ونزيهة، والتخلي عن عقلية الاستئثار والغلبة والحلول الأمنية المجتزأة، وكبح وقمع العقليات الثأرية والطائفية التي تنتهك كرامات الناس وأرواحهم وأرزاقهم، ومحاسبة المرتكبين فوراً بشكل شفاف وعلني وحازم دون تسويف أو تأجيل أو مماطلة؛ ما يتطلب الوقف الفوري لإطلاق النار في السويداء، والامتثال للغة العقل والحوار، وتأمين الغذاء والماء والطبابة على وجه السرعة لمنع المأساة من التفاقم، ولإيقاف الأخطار المتدحرجة والمتعاظمة على سلم البلاد ووحدتها.
إن الحفاظ على السلم الأهلي ووحدة البلاد هو مسؤولية عظيمة تتطلب إغلاق الثغرات التي تتسرب منها التدخلات الخارجية التخريبية، وعلى رأسها «الإسرائيلية»، ولا مجال لتحقيق ذلك دون توحيد الشعب السوري والاستقواء به لا عليه، والاستقواء به كله لا بقسم منه على قسم... توحيده على أساس مواطنة متساوية حقة، تحفظ كرامة السوري وحقه بغض النظر عن أي انتماء آخر، وتجمع السوريين عبر الأمان والثقة والشراكة الحقيقية في بناء المستقبل المنشود.
دمشق
16 تموز 2025
تاسعاً: حول المؤتمر الوطني العام

نادى وينادي حزب الإرادة الشعبية بـ«المؤتمر الوطني العام» بوصفه أداة أساسية في إنفاذ حق السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وربما أهم من ذلك، بوصفه أداة في توحيدهم وفي تحييد الفوالق والصراعات الداخلية التي يجري العمل خارجياً وداخلياً على تفجيرها. نختار هنا افتتاحية قاسيون ذات الرقم 1236 المنشورة بتاريخ 27 تموز 2025، والتي حملت عنوان: «المؤتمر الوطني العام؛ جوهره، ماهيته، مهمته»، وجاء فيها:
تحوز فكرة «المؤتمر الوطني العام»، يوماً وراء الآخر، إجماعاً أوسع فأوسع ضمن مختلف الأوساط السورية؛ وهذا أمر طبيعي ومتوقع في إطار حرص السوريين على بلادهم ووحدتها وسلمها الأهلي، في ظل تصاعد المخاطر والتحريض الطائفي والأحداث الدموية الفظيعة في مناطق متعددة من البلاد، آخرها ما جرى في محافظة السويداء السورية، والذي لم يصل إلى نهاية واضحة ومستقرة بعد، وما يزال خطراً وقابلاً للانزلاق نحو مزيد من المخاطر الكبرى.
إن فكرة «المؤتمر الوطني العام»، هي في جوهرها، تأمينٌ للمنصة الوطنية الجامعة المشتركة التي يمكن للسوريين من خلالها إنفاذ حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، ويمكنهم من خلالها طرح كل المشكلات العالقة والمتراكمة لوضع أسس حلها بشكل توافقي وعبر الحوار والتفاهم فيما بينهم بوصفهم مواطنين أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات.
والمؤتمر الوطني العام بهذا المعنى، هو منصة أعلى من مجرد «مؤتمر حوار وطني» شكلي ومقتضب وبلا صلاحيات ويجري تشكيله فوقياً، على غرار ما جرى سابقاً؛ المؤتمر الوطني العام هو بمثابة مؤتمر إنقاذ للبلاد ولوحدتها الوطنية، وفي الوقت نفسه هو بمثابة جمعية تأسيسية تنتج حكومة وحدة وطنية جامعة، ولجنة لصياغة دستور دائم للبلاد، وتؤمن الأرضية لانتخابات حرة ونزيهة على مختلف المستويات تكون نقطة النهاية في الانتقال بسورية موحدة نحو بر الأمان.
وكي يتمكن المؤتمر الوطني العام من تحقيق هذه المهام الكبرى، فإنه ينبغي أن يتم تشكيله بشكل صحيح ودقيق؛ وتبدأ هذه العملية من طريقة تشكيل اللجنة التحضيرية له، والتي ينبغي أن تقطع مع طريقة تشكيل لجنة الحوار الوطني السابقة، التي كانت طريقة فوقية واستثئارية وشكلية إلى حد بعيد، وانعكست على المؤتمر نفسه ونتائجه في نهاية المطاف.
اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العام، يجب أن تضم عدداً معقولاً من الشخصيات الوازنة والمحترمة والحكيمة وذات المصداقية، والقادرة على تمثيل مختلف التيارات الأساسية السياسية والاجتماعية في البلاد؛ بحيث تتمكن عبر التوافق فيما بينها، ومع مختلف التيارات السياسية والتكوينات الاجتماعية في البلاد، من تأمين تمثيل واسع وشامل قدر الإمكان، يمنح المؤتمر ثقة الشعب السوري.
الأزمات التي تعيشها البلاد على المستوى الأمني والاقتصادي، لا حل أمنياً لها؛ فالحلول الأمنية سابقاً واليوم، أثبتت فشلها، بل وأثبتت أنها تفاقم الأزمات وتفجرها وتجعلها أكثر خطورة، ولا حل اقتصادياً لها، فلا العقوبات تم رفعها بشكل فعلي ولا الوعود الخارجية والاستثمارات التي يجري الحديث عنها ستتحول إلى واقع ما دام الوضع الأمني خطيراً ومتوتراً، وستبقى حبراً على ورق وصوراً على التلفزيونات...
الحل الحقيقي للأزمات المتراكمة هو بالجوهر حلٌ سياسي يقوم أولاً وقبل كل شيء على توحيد السوريين. وعبر توحيدهم، إغلاق الثغرات الكبرى التي ينفذ منها التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة. والمؤتمر الوطني العام والحل السياسي، يعنيان في جوهرهما أن توضع الثقة كلها في الشعب السوري، وأن يتم الركون إليه في تقرير مصيره بنفسه؛ فمن يستند إلى الشعب السوري ويستقوي به، كله، لا قسماً منه على قسم، سيصل بالضرورة إلى بر الأمان...
عاشراً: كلمة حول المركزية واللامركزية

أفردت قاسيون على صفحاتها عدداً كبيراً من المقالات لنقاش الطروحات المتعلقة بالمركزية واللامركزية، وإضافة إلى المصدر المرفق بالرابط والذي يتضمن تجميعاً أوسع لطروحات الإرادة الشعبية في هذه المسألة، نختار هنا موقفاً موجزاً عبر عنه المحرر السياسي لقاسيون في مقال تم نشره بتاريخ 14 آب 2025، جاء فيه:
يتصاعد الحديث في سورية مجدداً عن المركزية واللامركزية، على خلفية ما يجري من أحداث من جهة، وعلى خلفية الحاجات الموضوعية المتراكمة عبر عقود.
بعيداً عن الاستقطاب الحاد والمدمر الذي يجري استخدامه إعلامياً لتعميق الانقسامات، فإن ما يمكن تثبيته بشكل مكثف هو التالي:
أولاً: المركزية المفرطة، وإنْ كانت لها أسبابها الموضوعية في بداياتها المرتبطة بنشوء قطاع الدولة وتوسعه الكبير ومركزة السلطة بعد الاستقلال، إلا أنها بسبب انخفاض مستوى الحريات لاحقاً، أدت إلى نشوء الفساد والنهب الواسع، مما حول المركز إلى نقيضه، الذي يستنزف الأطراف ويضعفها على حساب نمو سلطته وثروته عبر تحويل الأطراف إلى بقرة حلوب. وهذه الصيغة لم تعد قابلة للحياة موضوعياً، وانتهت صلاحيتها مما قبل 2011.
ثانياً: اللامركزية ضمن إطار وحدة البلاد والشعب، هي ضرورة موضوعية لتطور البلاد منذ عقدين وأكثر. وهي حاجة على المستوى التنموي الاقتصادي والديمقراطي، بما يسمح للسوريين بتطبيق رقابتهم المباشرة على أجهزة الدولة في المركز والأطراف.
ثالثاً: لا مركزية دون مركز، تعني ضرب اللامركزية نفسها، بل وتعني ضرب الدولة ككل وإنهاءها؛ فلا توجد لامركزية دون وجود مركز. واللامركزية تكون قوية حين يكون المركز قوياً، والعكس بالعكس، أما أن يكون أحد جانبي المعادلة ضعيفاً فالثاني سيكون ضعيفاً أيضاً بالضرورة.
رابعاً: المركزية في الشؤون الأساسي ينبغي الحفاظ عليها وتعزيزها، وتحديداً في الدفاع والخارجية والليرة السورية.
خامساً: اللامركزية في شؤون مثل التعليم والصحة وإدارة الخدمات والرقابة المباشرة على أجهزة الدولة والإدارة المحلية الديمقراطية القائمة على الانتخابات المباشرة، هي أمور ضرورية وينبغي تثبيتها.
سادساً: تبقى أمور عديدة بين ما هو مركزي وما هو لامركزي، تحتاج نقاشاً أخوياً بين السوريين، وبحثاً عن حلول إبداعية، بما في ذلك الاستناد إلى الميزات المطلقة العديدة في سورية، وصولاً إلى توافقات حقيقية وعميقة. على سبيل المثال ينبغي الوصول إلى حلول إبداعية للعلاقة بين الموازنات المحلية والموازنة العامة، تركيبة كل منهما وطبيعة العلاقة بينهما، وكذا في موضوع التخطيط الاقتصادي الشامل والجزئي... وهنالك عشرات القضايا الشبيهة على مختلف الأصعدة تحتاج إلى نقاش وتوافق بين السوريين.
المدخل الوحيد لبناء النموذج الجديد هو التوافق بين السوريين، عبر مؤتمر وطني عام وشامل، يحول خارطة الطريق الموجودة في 2254 إلى واقع عملي عبر إنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه
حادي عشر: حول «انتخابات» مجلس الشعب
كتب المحرر السياسي لقاسيون يوم 28 آب 2025، المقال التالي حول «انتخابات» مجلس الشعب:
تتحدث المصادر الرسمية عن أن «انتخابات مجلس الشعب» ستجري خلال شهر أيلول القادم، وستترك مقاعد ثلاث محافظات سورية فارغة لملئها في وقت لاحق بسبب «ظروف أمنية».
تحديد موقف موضوعي من هذه الانتخابات، ينبغي أن يُبنى على مدى تحقيقها للوظيفة الوطنية المطلوبة منها ضمن الظرف الراهن الصعب من جهة، وعلى مدى توافقها مع مسار الانتقال الديمقراطي المنشود من سلطة مستبدة احتكرت الحكم والثروة، إلى سلطة الشعب، من جهة أخرى.
ضمن هذين المعيارين، يمكن تسجيل النقطتين التاليتين، بما يخص هذه الانتخابات:
أولاً: المشكلة الأكبر في العملية المقترحة، أنها إلغاءٌ كاملٌ لمبدأ الانتخاب المباشر، وإبدالٌ له بمبدأ التعيين والاختيار من فوق، ليس بما يخص ثلث عدد الأعضاء المعين من الرئيس الانتقالي فحسب، بل وأيضاً بما يخص الثلثين الآخرين المعينين عملياً من السلطة عبر اللجنة العليا للانتخابات واللجان الفرعية واللجان الناخبة التي تختارها؛ ما يعني نكوصاً كبيراً إلى الوراء في قدرة الشعب على اختيار ممثليه، وفي المشاركة السياسية للمجتمع ككل.
ثانياً: لا تستثني «الانتخابات» ثلاث محافظات فحسب، بل وتستثني كل السوريين الذين خارج البلاد والنازحين داخلياً، وتستثني الأغلبية الساحقة من الشعب السوري في سورية نفسها من المشاركة؛ فمن يشترك كناخبين في هذه الانتخابات لا يتجاوز عددهم 7000 شخص (هم المجموع التقريبي لأعضاء الهيئات الناخبة المسؤولة عن انتخاب 140 عضواً من أصل 210 بافتراض نسبة تمثيل 1 إلى 50 وفقاً لما عبرت عنه اللجنة العليا للانتخابات)، أي ما نسبته 0.03% من الشعب السوري، أي 3 أشخاص من كل 10 آلاف شخص!
ضمن هذه الإحداثيات، فإن ما سينتج هو مجلس أعيان ووجهاء معين من فوق، مع قدر قليل من «الاستئناس» بمن هم تحت. ومجلس كهذا لا يمكنه أن يعبر في نهاية المطاف إلا عما تريده الجهات التي عينته، لا عما يريده عموم السوريين.
وبهذا المعنى، فإن هذه «الانتخابات» لن تسهم بحال من الأحوال، لا في توحيد السوريين، ولا في حل المشكلات الكبرى التي يواجهونها، ولا في السير ضمن عملية الانتقال الديمقراطي المنشودة.
ثاني عشر: حول التوجه الاقتصادي- الاجتماعي للسلطات الجديدة

أفردت قاسيون عدداً كبيراً من مقالاتها، وبشكل أسبوعي، لمعالجة القضية الاقتصادية-الاجتماعية، ولمواجهة التوجهات الليبرالية التي يجري تطبيقها من السلطات الجديدة، والتي تصب في نهاية المطاف بالضد من مصالح أكثر من 90% من السوريين، المفقرين والمنهوبين. نختار هنا مقالين يعالجان بعض الجوانب الأساسية في هذه المسألة...
هل عدنا إلى «محاربة الفساد»؟
تم نشره بتاريخ 2/11/2025، وجاء فيه:
أثار تقريران لوكالة رويترز حول الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأسد، قدراً كبيراً من التساؤلات والنقاشات؛ التقرير الأول نُشر بتاريخ 25 تموز الماضي وحمل عنوان «تقرير خاص سوريا تعيد هيكلة اقتصادها سراً... وشقيق الرئيس يقود المهمة». والثاني نُشر يوم الجمعة الماضي 31 تشرين الأول وحمل عنوان «عن كثب-لا غنائم حرب... الشرع يطبق القانون على الموالين».
ورغم أنه من المعروف تماماً أن وكالة رويترز هي مثال نموذجي على الألعاب السياسية العميقة تحت قناع الحيادية والاستقصاء، (الألعاب السياسية التي يمكن لها أن تلعب أدوار ضغط سياسي غير مباشر، وأحياناً أدوار تلميع وتشجيع ضمن الأسلوب الذي سمته العرب قديماً المديح في معرض الذم)... رغم ذلك كله فإن المشترك بين التقريرين، وبغض النظر عن مدى دقة ما جاء فيهما، هو الحقيقة الواضحة المعروفة، المتعلقة بغياب الشفافية في التعامل مع الشأن الاقتصادي السوري من جهة، ومن جهة أخرى، بأن عملية إدارة الاقتصاد وموارد البلاد تتم بعيداً عن أي رقابة شعبية أو سياسية، وتجري وفق ما تراه السلطة مناسباً، وعبر دوائرها الضيقة على الخصوص.
بالتوازي مع التقرير الأخير، انتشرت حكاية مشوقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتحدث عن اجتماع جرى في إدلب مؤخراً وترأسه الرئيس الانتقالي، وفيه -وفقاً للحكاية- تم توجيه تهديد عالي اللهجة للمسؤولين الجدد بما يخص الفساد، وتم الاستيلاء على السيارات الفخمة التي يركبونها لصالح الدولة... وجرى نفي الحكاية نفسها بأشكال شبه رسمية، وعلى الأقل لم يتم تأكيدها بشكل علني.
مغزى الحكاية وتوقيتها؟
مجرد الحديث عن حملة لـ«محاربة الفساد»، وإن عبر حكايات من نمط الحكاية المشار إليها، هو قبل كل شيء إشارة إلى أن هنالك فساداً بالفعل، وأن مستوى هذا الفساد قد بات مرئياً ومحسوساً، وبالتالي فإن من الضرورة بالمكان، على الأقل، الحديث عن ضرورة محاربته... ولكن السياق العام لما يجري في البلاد على الصعد المختلفة، أوسع وأعقد بكثير من مجرد الحديث عن فساد وعن محاربة فساد...
يمكن تلخيص اللوحة الاقتصادية في سورية خلال الأشهر الماضية، بالنقاط التالية:
أولاً: رغم الاحتفالات المتكررة برفع العقوبات الأمريكية، إلا أن الوقائع الملموسة تقول إن العقوبات لم يتم رفعها حتى اللحظة، وأن رفعها بشكل كامل ليس مرتبطاً بأي موعد معروف في المستقبل، ولكن مرتبط بشروط سياسية تجري محاولة فرضها على سورية والسوريين، وعلى رأسها شروط تخدم الحليف الوحيد للولايات المتحدة في المنطقة، أي «إسرائيل»، وعلى حساب سورية والسوريين والسيادة السورية، بل وحتى على حساب وحدة سورية نفسها إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً...
ثانياً: السياسات التي تتبعها السلطة المؤقتة في المجال الاقتصادي، هي في الجوهر استكمال وتسريع للسياسات الليبرالية السابقة؛ من استكمال عمليات رفع الدعم في الخبز والمواصلات ورفع الدعم عن الزراعة والصناعة، ووصولاً مؤخراً إلى ملف شديد الحساسية والخطورة هو ملف الكهرباء... بالتوازي مع عمليات خصخصة شبه معلنة في القطاعات السيادية بمجملها.
ثالثاً: ضمن السياسات نفسها، جرى فتح الحدود للبضائع الأجنبية دون حسيب أو رقيب، ما أسهم ويسهم بإغلاق ما كان قد تبقى من ورشات ومعامل، بسبب انعدام إمكانية المنافسة، خاصة مع الارتفاع الإضافي في تكاليف الإنتاج الناجم عن عمليات رفع الدعم... يضاف إلى ذلك تدهور القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من السوريين، ما يعني شل الدورة الاقتصادية ومنع تجديدها، لأن القاعدة الأولى في تدوير عجلة الاقتصاد هي استكمال الدورة من الإنتاج إلى التبادل والتوزيع ووصولاً إلى الاستهلاك، فإن لم يكن هنالك استهلاك فإن الدورة تتوقف بالضرورة ولا يمكن بالتالي إعادة تجديد الإنتاج لا بشكل بسيط ولا بشكل موسع.
رابعاً: عمليات الفصل الواسعة النطاق لموظفين في المؤسسات العامة، والتي لم يجر التراجع إلا عن جزء يسير منها، تعزز شلل العجلة الاقتصادية، عبر تعزيز الشلل في الاستهلاك لدى مئات الآلاف من السوريين، بل ولدى الملايين إن أضفنا لهؤلاء البطالة الجديدة الناتجة عن إغلاق عدد كبير من الورش والمعامل في طول البلاد وعرضها.
خامساً: كل الكلام عن الاستثمارات المليارية الكبرى القادمة إلى سورية، ما يزال كلاماً وحسب، بل ومن غير المتوقع أن يتحول إلى أي شيء ملموس بغياب استقرار أمني وسياسي حقيقي، ناهيك عن غياب بنية تشريعية وقانونية واضحة وشفافة يحتكم إليها الناس ويضمنون حقوقهم.
سادساً: استمرار حالة تقسيم الأمر الواقع على حالها من حيث الجوهر، يعني استمرار غياب السوق الوطنية الواحدة. وغياب سوق وطنية واحدة يعني غياب أي إمكانية فعلية للنهوض بالاقتصاد وبالبلاد... وما ينبغي أن يكون واضحاً ومفهوماً هو أن حالة تقسيم الأمر الواقع بالمعنى الاقتصادي هي أكثر تعقيداً من التقسيمات السياسية التي تظهر على السطح؛ فقد يقول قائل إن في سورية منطقة الشمال الشرقي من جهة ومنطقة في الجنوب، وبقية البلاد، كل منها منطقة منفصلة جزئياً عن المناطق الأخرى، وتعيش حالة خاصة بها بالمعنى الاقتصادي والسياسي. وهذا صحيح إلى حد ما، ولكنه لا يعبر عن الصورة كاملة؛ فمناطق تقسيم الأمر الواقع اقتصادياً هي أكثر من 3 مناطق بكثير؛ فعملية الاندماج السياسي والعسكري والانتقال من الحالة الفصائلية نحو الدولة، لم تتم بعد، بل وما تزال في خطواتها الأولى، ما يعني أن هنالك فصائل متعددة في سورية ما تزال تسيطر على اقتصاد مناطقها، رغم وجودها الرسمي ضمن مرتبات وزارة الدفاع... الأمر الذي يعزز غياب الشفافية، ويجعل عقلية الغنيمة متغلبة على عقلية الدولة في مناطق متعددة من البلاد...
سابعاً: في ظل هذه الظروف كلها، وبنتيجتها وبنتيجة التراكمات والأزمات السابقة التي خلفها نظام الأسد، تعيش الغالبية الساحقة من السوريين أوضاعاً شديدة الصعوبة بالمعنى الاقتصادي الاجتماعي، وهذه الأوضاع مستمرة بالتدهور، ولا تشهد أي تحسن حقيقي. هذه الأغلبية الاقتصادية، المنتمية إلى كل الأديان والقوميات والطوائف، ترى بأم عينها أثرياءً جدداً، يعيشون الحياة طولاً وعرضاً، ويركبون أحدث السيارات المستوردة، ويسرفون ويبطرون ويبذخون، بينما الأغلبية تعيش الضنك والفاقة وحتى الجوع.
«محاربة الفساد»؟
ضمن وضع له الصفات التي ذكرناها، يصبح من المفهوم والمتوقع أن تظهر أصوات تقول بضرورة محاربة الفساد؛ لأن الناس تعرف، ودون فذلكات اقتصادية وسياسية، أنه «ما اغتنى غني إلا بفقر فقير».
المشكلة هي حين يكون خطاب محاربة الفساد، تكراراً في الجوهر لخطابات بشار الأسد ونظامه حول محاربة الفساد؛ حيث السوبر مان المسمى بشار الأسد كان طوال الوقت شخصاً جيداً وقلبه على الشعب، ولكن المشكلة كانت دائماً في من هم حوله... وأنه شخصياً يسعى لمحاربة الفساد، وأنه سيصل إلى غايته في يوم من الأيام.
بعيداً عن المقارنات، ومع افتراض حسن النوايا لا سوئها، فإن القاعدة التي لا يمكن لأحد القفز فوقها هي ما يلي: لا يمكن محاربة الفساد في الظلام، وفي الغرف المغلقة وعبر أفضال سوبر مان ما... الفساد يزدهر في الظلام والغرف المغلقة. محاربة الفساد بشكل حقيقي لا يمكن أن تتم إلا حين نفتح الشبابيك والأبواب لأشعة الشمس الكاشفة المطهرة، أي للشفافية ولرقابة الشعب المباشرة على موارده وثرواته. وهذه الرقابة تعني المشاركة السياسية الحقيقية المباشرة للناس في صنع قرارهم، والمدخل كما قلنا مراراً وتكراراً هو المؤتمر الوطني العام... بغير ذلك، فإن الفساد سيزداد ويتعمق ويقضي على ما تبقى من البلاد والعباد؛ فما سقط حتى اللحظة هو السلطة، أما النظام بوصفه طريقة لتوزيع الثروة وإدارة البلاد فما يزال قائماً، ولن يسقطه إلا تكاتف الشعب السوري وتوحده وعمله ونضاله المشترك من أجل مصالحه...
افتتاحية العدد 1253 (23/11/2025): لماذا صندوق النقد الدولي من جديد؟

كانت التصريحات الرسمية التي خرجت في شهر تموز الماضي، وعلى رأسها ما قاله حاكم مصرف سورية المركزي الذي أكد أنه، وفقاً لتوجيهات رئاسة الجمهورية، فإن البلاد لن تلجأ إلى الديون الخارجية ولن تستدين من صندوق النقد أو البنك الدوليين، مطمئنةً للسوريين الذين خبروا جيداً وصفات هاتين المؤسستين، وعرفوا أثمانها الباهظة جيداً. فالسياسات التي جُربت في سورية سابقاً، تحت مظلة «الإصلاح» و«الانفتاح»، لم تنتج سوى تدمير ممنهج لمعيشة الفقراء، وتراجع متسارع لدور الدولة، وانفجار اجتماعي هائل ما زالت البلاد تدفع فواتيره حتى اليوم.
لكن، في السابع عشر من الشهر الجاري، أصدر صندوق النقد الدولي بياناً صحفياً كشف فيه أن فريقاً من الصندوق زار دمشق بين العاشر والثالث عشر من الشهر نفسه، بهدف تقييم الوضع الاقتصادي، وأنه تم الاتفاق مع السلطة السورية على «برنامج تعاون مكثف للمرحلة القادمة»، بما في ذلك تمهيد الطريق لاستئناف مشاورات المادة الرابعة، وهي المراجعات السنوية التي يجريها الصندوق لتقييم سياسات الدول الأعضاء، وتعمل عملياً كأداة رقابية وسياسية تخدم مصالح دول المركز. وهذه المشاورات بالذات كانت قد توقفت في سورية منذ عام 2009، أي قبيل انفجار عام 2011.
تزامن هذا البيان مع تصريحات لوزير المالية أكد فيها أنه سيكون هناك ممثل مقيم لصندوق النقد في دمشق، وأن البنك الدولي بدوره سيفتتح مكتباً فيها. وهكذا، يعاد فتح الباب على مصراعيه أمام المنظومة العالمية ذاتها التي كانت شريكاً أساسياً في تقويض الاستقرار الاجتماعي في سورية خلال العقدين الماضيين.
إن تاريخ صندوق النقد الدولي ليس سراً، ووصفاته الاقتصادية باتت معروفة للقاصي والداني: تقليص الدعم الاجتماعي، ورفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتجميد الأجور، وتخفيض النفقات الاستثمارية العامة، وتصفية القطاع العام وخصخصته، والإعفاءات الضريبية الواسعة لرؤوس الأموال والشركات الكبرى. وكانت النتيجة دائماً واحدة: ازدياد الفقر، وانهيار الإنتاج الوطني، وتراجع قدرة الدولة على حماية مجتمعها.
من أميركا اللاتينية إلى إفريقيا، ومن آسيا إلى أوروبا الشرقية، جربت عشرات الدول هذه «الوصفات»، وكانت النتيجة تصب دائماً في مصلحة إثراء نخب الفساد الكبير وإفقار الأكثرية الساحقة من الناس. وسورية ذاتها ليست بعيدة عن هذا النموذج. فمنذ مطلع الألفية، وتحت شعارات زائفة من قبيل «اقتصاد السوق الاجتماعي» و«الإصلاح الاقتصادي»، بدأت سلطة الأسد بتطبيق تدريجي لسياسات الصندوق، حيث تخلت الدولة عن قطاعات إنتاجية أساسية، وقلصت الدعم التمويني وصولاً إلى إنهائه، ورفعت الأسعار بشكل متسارع، وقلصت الاستثمار العام، ما أدى إلى سحق غالبية الشعب السوري ودفعها نحو تخوم الفاقة والعوز. ومع تدهور المعيشة وانعدام العدالة، لم يكن أمام السلطة الساقطة سوى تشديد القبضة الأمنية لقمع الأصوات المطالبة بالتغيير.
اليوم، يعاد فتح الباب ذاته من جديد، وكأن أحداً لم يتعلم شيئاً. هل يمكن لسورية أن تسير في الطريق نفسه وتنتظر نتائج مختلفة؟ أليس من واجبها أن تتعلم من تجارب الآخرين ومن تجربتها السابقة هي ذاتها؟ إن العودة إلى صندوق النقد تعني العودة إلى دائرة جهنم ذاتها: المزيد من الإفقار، والمزيد من الاحتقان، والتجهيز لانفجارات قادمة، في ظرف هو الأخطر اقتصادياً واجتماعياً منذ عقود.
الطريق الذي يبدأ بخطوات «التعاون الفني» مع الصندوق، ينتهي دوماً بإملاءات وشروط وقيود تضع السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية على المذبح ذاته. والخيار الحقيقي أمام البلاد اليوم ليس في استدعاء الخارج ليعيد إنتاج الكارثة بأشكال جديدة، بل في إعادة بناء اقتصاد وطني منتج قائم على العدالة والتوزيع العادل للثروة، وعلى مشاركة السوريين أنفسهم في صنع القرار الاقتصادي. أما الرهان على الصندوق مجدداً، فهو رهان على وصفة قديمة معروفة النتائج سلفاً.
ثالث عشر: الموقف من المباحثات مع «إسرائيل»

حملت افتتاحية العدد 1244 من قاسيون، الصادرة بتاريخ 21/9/2025، العنوان التالي: «من يصمد ينتصر... من يُفرّط يُهزم!» وجاء فيها:
تتحدث مصادر رسمية وصحافية، سورية وغير سورية، عن احتمال توقيع قريب لـ«اتفاق أمني» مع الكيان «الإسرائيلي» برعاية أمريكية، وتتضمن الأحاديث تفاصيل متعددة حول ماهية الاتفاق المفترض. وبغض النظر عن صحة ما يشاع أو عدم صحته، فإن المشترك بين هذه الأحاديث جميعها، هو أنها تتضمن تفريطاً سورياً وتنازلاً للمحتل، مقابل «ضماناتٍ ما» أمنية أو غير أمنية، وحديثٍ عن رفع العقوبات الأمريكية التي لم تُرفع بعد، رغم كل الهرج والمرج حول رفعها.
نقطة الانطلاق الأولى في النظر في هذه المسألة، هي حقيقة أن «إسرائيل» لا يمكن الثقة بها بأي حالٍ من الأحوال، وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يثق بهما ينصب لنفسه فخاً قاتلاً سيقع فيه عاجلاً أو آجلاً، وعاجلاً جداً في ظل التغيّر العاصف والمتسارع في ميزان القوى الدولي والإقليمي.
نقطة الانطلاق الثانية، هي تشخيص الوضع الحقيقي للتوازنات الدولية والإقليمية ولوضع «إسرائيل» نفسها؛ ففي الوقت الذي تُظهر فيه عنجهية وغروراً واستهتاراً وإجراماً غير مسبوق على مختلف الجبهات، فإنها في الحقيقة تعيش حالة تراجع حادٍ وسريع، وأزمة وجودية كبرى.
يكفي النظر إلى شنغهاي وبريكس والتوازنات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الجديدة، والنظر في ترجماتها الإقليمية، من التحالف السعودي الباكستاني، إلى التفاهمات بين السعودية وإيران، إلى ضربة قطر، والمناورات المشتركة المصرية التركية، وغيرها الكثير مما يجري على السطح وتحته في منطقتنا والعالم، لفهم أن عصر «الناتو العربي» و«الاعتدال العربي» و«اتفاقات أبراهام» و«الشرق الأوسط الإسرائيلي» قد دُفن وانتهى إلى غير رجعة، وأننا في ربع الساعة الأخير من عمر الهيمنة الأمريكية و«الإسرائيلية» في منطقتنا.
وعليه، فإن النصر اليوم هو فعلاً وقولاً، صبر ساعة؛ فمن يصمد ينتصر، ومن يُفرّط يُهزم. والقول: إننا في حال ضعف كلام حقّ لا ينبغي أن يتم بناء باطل عليه، فضعفنا مؤقت وقابل للمعالجة، أما ضعف عدونا فاستراتيجي ووجودي ولا حل له... وإذاً، من يصمد ينتصر ومن يُفرّط يُهزم، وأي اتفاق يُعقد مع الكيان، إنْ تضمن تفريطاً بأي حق من الحقوق السورية في وحدة سورية وسيادتها على كامل أرضها، وفي وحدة شعبها، سيطيح بمن يوقعه، أيّاً يكنْ.
إن أي أوهام حول تأمين الاستقرار من خلال اتفاقات مع الخارج، أو تقديم تنازلات له من أي نوع، هي أوهام شديدة الضرر بسورية وبالسوريين وبمن يحملها، وهي أوهام قاتلة إذا كانت موجهة نحو الأمريكان و«الإسرائيليين».
تأمين البلاد ووحدتها وحقوقها يبدأ بتحقيق الأولوية التي لا تعلو عليها أولوية، وهي توحيد السوريين وإغلاق ثغرات التدخل الخارجي، وهذا طريقه واحد لا بديل عنه، وهو الحل السياسي الشامل على أساس جوهر القرار 2254، وعبر مؤتمر وطني عام يحقق مشاركة سياسية فعلية للشعب السوري في تقرير مصيره، وصولاً لدستور دائم وانتخابات حرة ونزيهة...
رابع عشر: حول القرار 2799
حملت افتتاحية قاسيون رقم 1251، والصادرة بتاريخ 9 تشرين الثاني 2025 عنواناً هو: «2799: سورية تحت الفصل السابع!»، جاء فيها:
اعتمد مجلس الأمن الدولي يوم الخميس الماضي، 6 تشرين الثاني 2025، قراراً جديداً حول سورية حمل الرقم 2799 لعام 2025، تم بموجبه رفع اسم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم الإرهاب، ووضْعُ سورية تحت الفصل السابع بنص صريح لأول مرة.

ورغم أن النص النهائي للقرار لم يُنشر على الموقع الرسمي للأمم المتحدة حتى لحظة كتابة هذه المادة، إلا أن الخبر المنشور حوله في الموقع الرسمي لها، قد بين صراحة أن القرار جرى اتخاذه تحت الفصل السابع، وأنه أعاد التأكيد على ضرورة تنفيذ جملة من قراراته السابقة، وعلى رأسها القرار 2254 لعام 2015.
كما تضمن القرار، وفق ما نُشر حوله حتى الآن، جملة من البنود التنفيذية، بينها:
- التأكيد على وحدة وسيادة سورية.
- استمرار محاربة داعش والقاعدة، وضرورة تعاون الحكومة المؤقتة في ذلك.
- استمرار معالجة ملف المقاتلين الأجانب.
- تلتزم الحكومة المؤقتة بالمضي نحو عملية سياسية شاملة، مقادة ومملوكة من السوريين، وبمشاركة كل السوريين بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو الإثنية.
صدور قرار جديد من مجلس الأمن الدولي حول سورية، وتحت الفصل السابع تحديداً، يعبر في الجوهر عن الأمور التالية:
أولاً: يعبر عن أن الأزمة في سورية ما تزال مستمرة وعميقة، وأننا لم نتمكن حتى اللحظة من تحييد التدخلات الخارجية، ولا التقليل من تأثيرها.
ثانياً: يعبر عن أن الأزمة ليست مستمرة فحسب، بل وازدادت عمقاً وخطورة، وهذا ما يتضح من درجة التدويل المتصاعدة لها، والتي وصلت إلى أقصى درجة على الإطلاق مع استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يفتح الباب أمام «المجتمع الدولي» للتدخل العسكري في حال لم يجرِ تنفيذ التعهدات المطلوبة.
ثالثاً: مماطلة السلطة السابقة ورفضها العملي لتنفيذ القرار 2254، لم يؤدِّ إلى إنهاء القرار أو تحييده، بل أدى إلى إنهائها هي، وبقي القرار موضوعاً على طاولة المهام طوال الوقت. واليوم أيضاً، فإن تأخير تنفيذ جوهر القرار طوال 11 شهراً الماضية، لم يُنهِ القرار ولم يحيده، بل تسبب بصدور قرار جديد تحت الفصل السابع، يُعيد التأكيد على 2254 ويجعله بالمعنى القانوني تحت الفصل السابع أيضاً... أي أن التأخر أدى إلى رفع مستوى إلزامية تنفيذ القرار.
العبرة التي ينبغي أخذها من صدور القرار الجديد، هي ذاتها التي كان ينبغي أن تؤخذ من صدور القرار 2254: كل تأخير في الحل السياسي الشامل المستند إلى مشاركة حقيقية للشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، وعلى أساس التوافق السياسي ضمنه، وعبر الحوار الوطني والمؤتمر الوطني العام، من شأنه فقط أن يزيد درجة التدويل، وأن يزيد حجم التدخلات الخارجية، وأن يضعف كل الأطراف السورية على الإطلاق.
والحال اليوم مع 2799، كما كان تماماً مع 2254 من حيث الجوهر؛ فبالرغم من أن القوى الكبرى قد توافقت على نصه (مع فارق أن الصين في القرار الجديد اختارت الامتناع عن التصويت لا الموافقة، وهو أمر ذو دلالة هامة)، إلا أنه كان لكل منها غايته منه وتصوره حوله، وكان بينها من لا يريد تطبيقه من الأساس...
رغم ذلك كله، فإن القرار فرصة جديدة لسورية وللسوريين لاستعادة زمام أمورهم، ولكي يقتنع الجميع أن سورية لا يمكن أن تدار لا بعقلية الحزب القائد، ولا بعقلية الغلبة وانتصار جزء من الشعب على جزء آخر... ويمكنها أن تدار فقط من خلال توحيد السوريين استناداً بالدرجة الأولى إلى مصالحهم الاقتصادية-الاجتماعية، التي تؤمّن حشد 90% منهم، المنهوبين المفقرين، والمنتمين إلى مختلف الأديان والقوميات والطوائف، في صف واحد، يكون الأساس المتين لوحدة سورية ولاستقرارها، وعبر الحل السياسي الشامل!
خامس عشر: حول المظاهرات في الساحل السوري

أصدر «الإرادة الشعبية»، يوم الأربعاء 26/11/2025، تصريحاً صحفياً حول المظاهرات التي جرت في الساحل السوري، جاء فيه:
خرجت ظهر يوم أمس، الثلاثاء 25/11/2025، مظاهرات للأهالي في عدة مدن ونواحي في الساحل السوري، حملت مطالب وشعارات متنوعة، كان بين أبرزها اللامركزية والمطالبة بالمعتقلين وبوقف حالات الخطف والقتل، وتلتها مساءً مظاهرات مضادة في نقاط متعددة أيضاً من الساحل السوري، مع تسجيل حالات قليلة من الاشتباك المباشر. واشتركت المظاهرات والمظاهرات المضادة بترديد هتافات ذات طابع طائفي وتحريضي، ومن الواضح تماماً أن الأمور مرشحة للانزلاق لمزيد من التصعيد، مع استمرار عمليات التحريض الداخلي والخارجي، في حال لم يتم التعامل مع الأمور بشكل جدي ووطني ومسؤول، وبأسرع وقت.
إن خروج المظاهرات والمظاهرات المضادة، وترديدها لهتافات طائفية، واستمرار الاستعصاء في ملف السويداء وفي ملف الشمال الشرقي، إضافة إلى استمرار تدهور الأوضاع المعيشية للغالبية الساحقة من السوريين، كل ذلك، يقود إلى الاستنتاجات الضرورية التالية:
أولاً: الأزمة السورية ما تزال مستمرة وتتعمق لأن جذورها ما تزال قائمة؛ فالنظام لم يسقط حتى اللحظة، وما جرى هو استبدال سلطة بسلطة، في حين إن النظام بوصفه طريقة توزيع الثروة في البلاد وطريقة إدارتها، ما يزال على حاله.
ثانياً: الطريق الوحيد للخروج الحقيقي والناجز من الأزمة، كان وما يزال الحل السياسي الشامل على أساس المبادئ والأهداف الأساسية المبينة في القرار 2254 والتي أعاد التأكيد عليها القرار 2799 الصادر مؤخراً تحت الفصل السابع. والذي ينبغي أن يتضمن إنشاء جسم حكم انتقالي توافقي غير طائفي وشامل، وصولاً لدستور دائم وانتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها السوريون مصيرهم بأنفسهم.
ثالثاً: حل مختلف القضايا العالقة والمتراكمة عبر عقود، بما فيها شكل الدولة المطلوب وطبيعة العلاقة بين المركزية واللامركزية، له مكان واحد هو المؤتمر الوطني العام المنشود، الذي يضم كل القوى السياسية والاجتماعية السورية دون استثناء ودون إقصاء.
رابعاً: كل يوم تأخير إضافي في التوجه نحو المؤتمر الوطني العام ونحو الحل السياسي الشامل يعني رفع مستوى التدخلات الخارجية في البلاد، وخاصة التدخلات التخريبية التقسيمية «الإسرائيلية»، ويعني رفع مستوى الاستقطاب الطائفي والقومي والديني، ويعني رفع مخاطر تفجير البلاد مجدداً بدوامات العنف والدماء وصولاً إلى التقسيم.
خامساً: تتحمل السلطة القائمة، بصفتها وموقعها القانوني والسياسي، المسؤولية الأولى والأساسية عن كل تأخير في المبادرة نحو الحل السياسي الشامل. وتتحمل أيضاً القوى الأخرى المسيطرة على مناطق متعددة في البلاد مسؤولية كل توتير إضافي وانزلاق إضافي باتجاه التفجير... والمشترك بين القوى المتصدرة جميعها هو أنها ما تزال تعول على الخارج لكسب الشرعية وليس على وحدة الداخل السوري، وهذا يشمل الجميع دون استثناء.
أخيراً: فإن محاولة إعادة توليد الثنائيات المدمرة بين «نظام» و«معارضة» وبين «أكثرية» و«أقليات»، لن يخدم إلا أمراء الحروب وأعداء الخارج، وسيسيل مزيداً من الدماء السورية على مختلف المتاريس. الحل الوحيد المنجي هو توحيد الشعب السوري بغض النظر عن الدين أو القومية أو الطائفة، وعلى أساس مصالحه الحقيقية، وفي مقدمتها مصالحه الاقتصادية الاجتماعية، التي تستطيع وحدها توحيد أكثر من 90% من السوريين المفقرين والمنهوبين، والذين ينتمون إلى كل القوميات والأديان والطوائف.
حزب الإرادة الشعبية
دمشق 26/11/2025
سادس عشر: أهم أداة للتدمير الشامل: الطائفية!
افتتاحية قاسيون، العدد رقم 1254، بتاريخ 30/11/2025

ارتفع خلال الأسابيع الماضية، صخبُ الخطابات الطائفية بأشكالها «السلمية» والعنيفة. وترافق ذلك مع ارتفاع حدة تقسيم السوريين بين شوارع متقابلة متضادة، عبر المظاهرات والمسيرات، في تكرار للمشهد البائس الذي عاشته البلاد خلال حقبة الأسد. وذلك بالتوازي مع تصاعد التدخلات والاعتداءات الخارجية على سورية، وعلى رأسها الاعتداءات «الإسرائيلية»، وآخرها في بيت جن في ريف دمشق، حيث تصدى ثلة من الشبان للتغوّل الصهيوني معيدين التأكيد على أن عجرفة «الإسرائيلي» وبطشه، لن تثني السوريين عن الدفاع عن أرضهم وكرامتهم، وأن خيار الشعب السوري أولاً وأخيراً هو التصدي للمحتل، بغض النظر عن ضرورات الأنظمة، أو عن أوهامها.
إنّ ما تثبته أحداث الأسابيع الأخيرة في البلاد هو التالي:
أولاً: الطرح الطائفي هو طرح غير وطني بالضرورة، سواء استعان بالعدو الخارجي بشكل علني أو غير علني، وسواء قدم نفسه معادياً للتدخل الخارجي أم مؤيداً له؛ فالطائفية هي سلاح الدمار الشامل الذي يفتت الأوطان ويخدم الأعداء الخارجيين بشكل مباشر وملموس، وعلى رأسهم «الإسرائيلي» الذي يقول علناً: إنه يعمل على تقسيم سورية على أسس طائفية ودينية وقومية؛ بكلام أوضح، لا يمكنك أن تكون طائفياً ووطنياً في الوقت نفسه حتى ولو بُحّ صوتك في توجيه الشتائم للصهيوني؛ فما دمت تشتم أبناء وطنك على أسس طائفية فإنك تخدم «الإسرائيلي» مباشرة، سواء وعيت ذلك أم لم تعِه.
ثانياً: إن الطرح الطائفي، والسياسة الطائفية، هي المعادل المناسب لليبرالية الاقتصادية المتوحشة؛ فحين يصب البرنامج الاقتصادي الاجتماعي ضد مصلحة الغالبية الساحقة من السوريين، فإن أصحاب هذا البرنامج يعملون على تقسيم السوريين على أسس طائفية ودينية وقومية، لأن توحيد السوريين على أساس مصالحهم الاقتصادية الاجتماعية المباشرة، يعني توحيدهم ضد برامج النهب الليبرالية المرتبطة في نهاية المطاف بصندوق النقد والبنك الدوليين، والتي تصب في مصلحة قلة ناهبة عابرة للأديان والقوميات والطوائف، وتصب بالضد من مصلحة الأغلبية الساحقة من السوريين، ضد مصلحة أكثر من 90% من السوريين، المنتمين إلى كل القوميات والأديان والطوائف.
ثالثاً: الطرح الطائفي يتطلب مستويات حريات سياسية منخفضة، ويتطلب منع الناس من التجمع على أسس سياسية، ودفعها للتجمع على أسس طائفية ودينية وقومية؛ ولذا فإن من الطبيعي تماماً أن يتم ضرب الإعلان الدستوري بعرض الحائط عبر محاولة السيطرة على أي نشاط سياسي في البلاد، وإخضاعه مجدداً إلى «الموافقات الأمنية» على طريقة السلطة الساقطة، والتي نرى اليوم تكراراً لها عبر تعميم وزارة السياحة التي تلزم أي نشاط سياسي بالحصول على موافقة مسبقة من الهيئة السياسية.
رابعاً: إن توحيد السوريين على أساس مصالحهم الوطنية والاقتصادية الاجتماعية الحقيقية، يتطلب إشراكهم بشكل حقيقي في تقرير مصيرهم، وفي تحديد مستقبل دولتهم وشكلها، عبر مؤتمر وطني عام جامع وشامل، وعبر حل سياسي حقيقي يحقق الهدف الأساسي من القرار 2254، أي اشتراك السوريين الفاعل في تقرير مصيرهم بأنفسهم، عبر جسم حكم انتقالي، ودستور دائم، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.
خامساً: الاعتماد على الخارج في نيل الشرعية، سواء تعلق الأمر بالسلطات المركزية أو بغيرها من السلطات والقوى على امتداد الوطن، هو إضعاف لتلك السلطات والقوى، وهو تهديد إضافي لوحدة البلاد ووحدة الشعب... مصدر الشرعية الوحيد المضمون هو اجتماع السوريين، كل السوريين، ووحدتهم، وبغض النظر عن الدين أو القومية أو الطائفة...
إن المعيار الأساسي للوطنية السورية اليوم، هو العمل ضد الطائفية وضد تقسيم السوريين على أسس ما قبل وطنية، والعمل الجاد والصادق من أجل توحيد السوريين عبر الحل السياسي الشامل، الذي يصب بالضرورة في مصلحة الغالبية الساحقة من السوريين، وضد مصالح تجار الحروب والطوائف...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1255