رفع العقوبات ما يزال كذبة مكتملة الأركان!

رفع العقوبات ما يزال كذبة مكتملة الأركان!

ما يزال البعض حتى اللحظة، واهماً أو مُوهماً الناس، يحتفل برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سورية. والحق، أن هذه العقوبات لم ترفع حتى اللحظة، وما رفع منها جزئياً هو النزر اليسير الذي لا يفتح أي باب حقيقي أمام إنهاء المعاناة الاقتصادية والمعيشية للسوريين... (طبعاً طالما الأنظار معلقة على الغرب، لأن هنالك حلولاً حقيقية بعيداً عن الغرب الجماعي بأكمله، تستند للداخل أولاً، ومن ثم لعلاقات مع القوى الصاعدة، ولكن هذا ليس على جدول العمل الفعلي حتى الآن على ما يبدو).

فلنقرأ ما قاله السيناتور الأمريكي ديف ماكورميك قبل أيام في هذا الصدد: «من المبكر جداً الحديث عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سورية، فشروط واشنطن واضحة بهذا الخصوص. وأي زيارات أو تحركات سياسية لن تغيّر من الموقف شيئاً. إن قانون قيصر لا يقتصر على النظام السابق فقط، بل هو إطار تشريعي لحماية المدنيين السوريين، ويمثل حصيلة مشاريع قوانين مشتركة بين الحزبين في الكونغرس، موجّهة ضد كل من ينتهك حقوق الإنسان في سورية».

ليس من الصعب أن نغربل الكلام السابق لنزيل منه أغلفة الكذب والنفاق الأمريكي المعتاد حول حقوق الإنسان وحماية المدنيين؛ فسياسات أمريكا بما يخص الشعب الفلسطيني ناهيك عن الشعب السوري نفسه، تسمح بفهم كامل للتصور الأمريكي عن «حقوق الإنسان» و«حماية المدنيين».

بعد الغربلة، يبقى لدينا شيء واحد: العقوبات لم ترفع ولن ترفع حتى تحقيق شروط واشنطن السياسية... وعلى رأس هذه الشروط كما هو معروف، وكما هو مكتوب في قانون قيصر نفسه بشكل شبه صريح: تأمين مصالح «إسرائيل»، وبالطبع على حساب حقوق الشعب السوري وسيادته وأراضيه... علماً أن هذا نفسه قد لا يكون كافياً بالنسبة للأمريكي و«الإسرائيلي» من أجل رفع العقوبات نهائياً، لأن الأمريكي عودنا، في عشرات الأمثلة حول العالم، على أنه لا يرفع عقوبات يفرضها، بل يبقيها أداة ابتزاز طويلة الأمد، الهدف منها هو التحكم بسياسات وتوجهات الأنظمة والدول.

بالعودة إلى ما قاله السيناتور الأمريكي، فإنه ينبغي التذكير بأن الكلام عن تمرير قانون لإلغاء قانون قيصر ضمن قانون موازنة الدفاع الأمريكية، قد تبخر بالكامل، ما يعني أن أقرب وقت نظري لإزالة قيصر هو بعد سنة من الآن ضمن الموازنة الجديدة، ومن هنا حتى نصل إلى ما بعد سنة، فإن المطلوب من السلطات السورية ومن السوريين، أن يظهروا الطاعة وحسن السلوك حتى ينظر المعلم الأمريكي في حينه إنْ كان يريد أن يرفع العقوبة، أو يخففها، أو يشددها، إنْ رأى ذلك ضرورياً!

ما مر حتى الآن من تجربة سورية مع الأمريكان، باتت كافية تماماً للخروج من الأوهام القاتلة، ولبناء سياساتنا انطلاقاً من أن العقوبات قائمة وستبقى، وأن هذه العقوبات ليست حكماً بالإعدام إنْ بحثنا عن خياراتنا البديلة، وهي موجودة وكثيرة، في ظل عالم يتسارع فيه انفكاك الدول والتحالفات الإقليمية عن المنظومة الأمريكية المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية... علينا فقط أن نمتلك الإرادة الكافية السياسية للقيام بما ينبغي القيام به سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والمدخل لكل ذلك هو توحيد الشعب السوري عبر الحل السياسي الشامل، ما يسمح بتوحيد السوق الوطنية السورية، وبفتح الباب أمام علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الدولية، وبالاستفادة من حالات التحالف الإقليمي الجديدة التي تظهر بشكل متسارع، وبالضبط من أجل مواجهة التخريب الأمريكي-«الإسرائيلي» في كامل منطقتنا... ولكن قبل أي شيء، ينبغي إغلاق ثغرات التدخل الخارجي، عبر توحيد السوريين، والتعامل معهم كمواطنين وكإخوة متساويين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن دين أو طائفة أو قومية أو غير ذلك من الانتماءات والهويات...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1244