انتخابات يشارك فيها 10500 سوري فقط لا غير!

انتخابات يشارك فيها 10500 سوري فقط لا غير!

في البلدان التي تعيش أوضاعاً طبيعية، تشكل الانتخابات البرلمانية الدورية جزءاً من آليات العمل الديمقراطي العام، أي من آليات تداول السلطة وتصويب المسارات والسياسات، وتشكل بهذا المعنى امتداداً وتثميراً للحياة السياسية القائمة في تلك البلدان.

في وضعنا السوري، ومما بعد 2011 على الأقل، باتت الانتخابات البرلمانية المتعاقبة، مجرد أداة قانونية/دستورية الغرض منها هو إثبات «شرعية» و«دستورية» السلطات القائمة. وكان من الواضح والمعروف أن كل الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية التي جرت بعد 2011 كانت تجري في وادٍ، بينما الشعب السوري بأكمله في وادٍ آخر تماماً.

في الوضع الراهن، وبعد سقوط سلطة الأسد، نرى تكراراً للفكرة نفسها من حيث الجوهر؛ حيث تجري الانتخابات على جزء من الأراضي السورية و«تؤجل» في أجزاءٍ أخرى، وتجري بطريقة جديدة هي أقرب إلى التعيين منها إلى الانتخاب، وأقرب إلى اختيار «أعيان» و«وجهاء» منها إلى اختيار ممثلين للشعب... لأن الآلية التي ستجري وفقها «الانتخابات»، هي آلية تعيين من فوق بشكل شبه كامل؛ فالرئيس يعين ثلث الأعضاء، بينما الثلثان الآخران يتم اختيارهما بشكل غير مباشر من السلطة نفسها: فالسلطة هي من عينت اللجنة العليا للانتخابات واللجان الفرعية، ثم عبر هاتين عينت اللجان الناخبة الفرعية، على أن تنتخب هذه اللجان ممثلين عنها بشكل مباشر لمجلس الشعب، بنسبة تمثيل هي (30-50) مقابل كل عضو مجلس شعب. أي أن من سيشترك بالانتخابات وبتحديد من هم أعضاء مجلس الشعب الـ(210) على مستوى البلاد بأسرها هم حوالي 10500 (عشرة آلاف وخمسمئة شخص فقط لا غير) من أصل أكثر من 25 مليون سوري داخل وخارج سورية، وهؤلاء الأشخاص الـ 10500، سيتم اختيارهم من قبل اللجان الفرعية التي اختارتها اللجنة العليا للانتخابات التي عينها رئيس الجمهورية! بكلام آخر، فإن الانتخابات التي يجري الحديث عنها هي في الجوهر عملية تعيين فوقية بشكل شبه كامل، ولكن مع استخدام شيء من «الاستئناس».

وبطبيعة الحال، فإن «التنافس» المفترض ضمن هذه الانتخابات، لا يتضمن طرحاً لبرامج سياسية، ولا تنافساً بين قوى سياسية تحمل برامج وطنية شاملة، بل هي أقرب إلى انتخابات مخاتير من قبل أعيان ووجهاء على مستويات محلية...

ما الهدف إذاً؟

الواضح، أن الهدف ما يزال في الجوهر كما كان في السابق: الإيحاء بالالتزام بـ«الاستحقاقات الدستورية»، أي بأن الوضع طبيعي، وبأن الأمور تسير على خير ما يرام، وأن السلطات متكاملة وفاعلة: تنفيذية وتشريعية وقضائية...

وما البديل؟

يجادل البعض بأن ما كان هو أفضل ما يمكن أن يكون؛ أي أن الأوضاع لا تسمح بانتخابات طبيعية وتمثيلية، حيث هنالك مشكلات كبرى تتعلق بالسجلات وباللاجئين والمهجرين والنازحين داخلياً وإلخ.
حتى إذا قبلنا بهذا الكلام دون أي نقاش، وباعتباره معطىً موضوعياً، فإن نسبة مشاركة الناس في اختيار ممثليهم وفقاً للطريقة المعتمدة تتناهى إلى الصفر، حيث تتركز العملية بأسرها في يد السلطات.
بالمقابل، فإن إجراء انتخابات على أساس سورية دائرة واحدة نسبية، ورغم كل المشكلات التي يجري الحديث عنها، ستسمح بمشاركة ملايين السوريين، داخل وخارج سورية، وستسمح بالتنافس على أساس برامج سياسية وطنية شاملة، وستسمح بانتقال حقيقي من «شرعية ثورية» إلى شرعية انتخابية ودستورية، وبكل تأكيد فإن اشتراك ملايين السوريين في الانتخابات، ومهما حدث ضمنه من أخطاء وانزياحات في التمثيل، سيبقى أكثر تعبيراً عن الناس بآلاف المرات، من ترك المسألة لـ 10500 شخصاً يختارهم عشرات الأشخاص المعينين من السلطة أساساً...
المدخل البديل لإجراء الانتخابات حالياً، والإيحاء بأن الأمور تسير بشكل طبيعي، هو محاولة دفعها للسير بشكل طبيعي فعلاً: عبر مؤتمر وطني عام يضع كل المسائل على الطاولة، وينتج حكومة وحدة وطنية، ودستوراً دائماً، ثم انتخابات حرة ونزيهة على كل المستويات، وضمن آجال زمنية معقولة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1240
آخر تعديل على الأحد, 24 آب/أغسطس 2025 20:48