لماذا لا تأتي الاستثمارات؟
رغم محاولات الإيحاء بأن استثمارات كبرى مليارية تتدفق على البلاد من كل حدب وصوب، إلّا أن الوقائع حول تلك الاستثمارات، تشير إلى الأمور التالية:
أولاً: العقود الموقعة بقسمها الأعظم هي «مذكرات تفاهم»، أي أنها مجرد إعلان نوايا، وليست عقوداً مبرمة وجاهزة للانتقال إلى التنفيذ.
ثانياً: قدرٌ هائل من الغموض والسرية يُحيط بعدد كبير من العقود وطريقة توقيعها؛ فالآليات المعتمدة عالمياً بما يخص المناقصات وشروطها تبدو غائبة إلى حدٍّ بعيد في التطبيق العملي السوري، ناهيك عن الإشارات المختلفة حول الشركات التي يجري التوقيع معها، والتي تحدثت عنها الصحافة في سورية وحول العالم بما يكفي.
ثالثاً: لم يبدأ العمل الفعلي بأي من المشاريع الموقعة المفترضة تقريباً، وهي بالعشرات حسب ما يروي الإعلام.
إضافة إلى هذه المسائل، فإن وقائع معيشة السوريين، ووقائع سعر صرف الليرة الذي يحافظ عليه شيء واحد -وبشكل جزئي- هو حبسها، تشير إلى أنه لم يبدأ أي نشاط اقتصادي حقيقي حتى اللحظة، الأمر الذي ينعكس بمزيد من التردي في أوضاع الناس المعيشية، خاصة مع الاستمرار في سياسات رفع الدعم، وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي دون تقديم أي بدائل عملية تحمي الناس من الانحدار نحو مزيدٍ ومزيدٍ من الفقر.
لماذا؟
محاولة نقاش الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سورية من وجهة نظر اقتصادية بحتة، هي محاولة محكومة بالفشل، ليس اليوم فقط، بل طوال 15 عاماً الماضية؛ إذْ ليست هنالك حلول اقتصادية للأزمة الاقتصادية، الحلول سياسية من حيث الجوهر... فالاقتصاد لا يمكن أن يسير أي خطوة جدية إلى الأمام في ظل تقسيم الأمر الواقع الذي يمنع قيام سوق وطنية واحدة، وإنهاء تقسيم الأمر الواقع لا يمكن أن يتم دون حل سياسي شامل يُعيد تجميع السوريين على أساس عقد اجتماعي جديد يضمن حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم.
بالتوازي، فإن التعويل على رفع العقوبات الأمريكية والغربية، يصطدم بالوقائع العملية؛ حيث تواصل واشنطن استخدام العقوبات بوصفها أداة ابتزاز، وتقول: إنها رفعت العقوبات ولكنها لا ترفعها عملياً.
وفوق ذلك، فإن تأمين بيئة حقيقية للاستثمار، يعني بالضرورة تحقيق الأمن والأمان والاستقرار السياسي؛ فرأس المال بطبيعته جبان، وحتى إن لم يكن جباناً، فهو على الأقل «عاقل» وليس مجنوناً، أي أنه لا يمكن أن يستثمر في بيئة خطرة وغير آمنة، وغير واضحة المعالم بالمعنى القانوني والسياسي والأمني على حد سواء.
هذه الأمور بمجملها تشير باتجاه واحد واضح، وهو أن انطلاقاً اقتصادياً حقيقياً في سورية لا يمكن أن يتم عبر صور وفيديوهات توقيع العقود الاستثمارية، بل بالضبط عبر الحل السياسي الشامل على أساس خارطة الطريق الموجودة في القرار 2254، أي عبر مؤتمر وطني عام، ومن ثم حكومة وحدة وطنية شاملة، ودستور دائم، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة على كل المستويات...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240