لماذا «الحلول الأمنية/العسكرية» في سورية محكومة بالفشل؟
يدافع البعض عما يسمى حلولاً أمنية أو عسكرية في التعامل مع الواقع السوري الراهن، باعتبارها أدوات فيما يسمى «فرض سيطرة الدولة» أو «فرض هيبة الدولة» أو «الحفاظ على وحدة البلاد ضد التيارات الانفصالية والمتعاملة مع الخارج».
من الصحيح أن العمليات ذات الطابع الأمني أو العسكري، هي عمليات تستخدمها الدول من وقت إلى آخر، للتعامل مع أزمات داخلية أو خارجية، ولكن نجاح أو عدم نجاح هذا النوع من العمليات، يتعلق بالدرجة الأولى بطبيعة الأزمات التي يجري التعامل معها؛ فالعمليات الأمنية أو العسكرية التي تستخدم في الإطار الداخلي، تستخدم عادة للتعامل مع أفراد أو مجموعات صغيرة تشكل خطراً على المجتمع بالدرجة الأولى وعلى منظومة الحكم بالدرجة الثانية. في هذه الحالة، يكون العنف الذي تستخدمه أجهزة الدولة مدعوماً برأي عام يعزل تلك المجموعات، ويجعل التعامل الأمني/العسكري معها ممكناً، ويكون التعامل بعيداً عن الاصطفاف السياسي أو القومي أو الديني أو الطائفي، أي أنه يكون أمراً ذا بعد وطني عام يحظى بموافقة ومباركة شعبية ووطنية عامة.
بالمقابل، فإنه حين تحمل الأعمال الأمنية والعسكرية صفة القسر والإجبار السياسي، فإنه تقسم الشعب الواحد إلى جهات متحاربة متقاتلة، وأخطر من ذلك أن تحمل الأعمال الأمنية والعسكرية شحنة قومية أو دينية أو طائفية... حينها تكف الدولة عن التصرف كدولة، ويكف المواطنون عن التصرف كمواطنين، وتنزلق الأوضاع بأسرها نحو ما يشبه الحرب الأهلية، بكل ما تحمله من مخاطر على وحدة المجتمع وعلى وحدة البلاد.
في الحالة السورية الملموسة، سبق أن جرب بشار الأسد الحلول الأمنية والعسكرية لفرض بقائه سياسياً، واستخدم بأشكال مباشرة وغير مباشرة، الشحن الطائفي في تسعير الصراع، ولم يكن الوحيد الذي فعل ذلك، بل ساعدته فيه قوى حسبت نفسها على المعارضة، إضافة إلى قوى خارجية متعددة، كان من مصلحتها تهشيم وحدة المجتمع السوري، وإضعاف سورية ككل.
اليوم أيضاً، ومرة جديدة، تثبت «الحلول الأمنية/العسكرية» فشلها، وعجزها عن التعامل مع المشكلات والأزمات الملموسة في الواقع السوري. بل وأكثر من ذلك، فإنها تؤدي إلى تعميق الأزمات التي يفترض أنها تحاول حلها.
على سبيل المثال: لننظر ما هي النتيجة التي ترتبت على التعامل مع الأزمة في السويداء بمنطق أمني عسكري؟ ألم يكن الهدف المفترض هو «استكمال الاندماج» و«تمديد سيطرة الدولة على كافة الأراضي»؟
وما هي النتيجة؟ التيار الذي كانت له مشاريع ورؤى تتجاوز سورية نفسها، كان تياراً ثانوياً في السويداء، ولم يكن صاحب الوزن الأعلى بكل تأكيد... واليوم؟ جرى انزياح كبير في المزاج العام، سمح للتيار «المستهدف» بأن ينمو ويزداد وزناً. وأخطر من ذلك أن درجة التدخل الخارجي قد زادت، ما يعني أن الأطراف السورية، منفردة ومجتمعة، ودون أي استثناء، باتت أضعف مما كانت عليه قبل «الحل الأمني/العسكري».
ما يحتاج إلى فهم عميق، هو أن تراكم الأزمات عبر عقود طويلة في سورية، جعل أي حلول جزئية مجرد وهم من شأنه فقط تعميق تلك الأزمات؛ ما تحتاجه البلاد هو حل شامل، جذري، يقوم على التوافق والتفاهم بين السوريين ككل، بعيداً عن نزعات الغَلَبة والسيطرة والقسر والإجبار، التي انتهت صلاحيتها التاريخية؛ فهذه النزعات اليوم تعني دفعاً واعياً أو غير واعٍ نحو تفتيت المجتمع، ونحو رفع مستوى التدخلات الخارجية، بل ونحو الخطر الأكبر أيضاً، أي تجدد أنهار الدماء وصولاً إلى التقسيم الذي لن يكون القاع النهائي، بل مجرد عتبة أولى نحو حروب أكثر دموية وتدميراً، وما يرافقها من نهب وظلم مقترن بسيطرة أمراء الحروب على اللوحة، وتحكم الخارج بخيوط اللعبة الداخلية بشكل أكبر وأكثر استحكاماً...
عام 2011، كنا من القائلين بأن المطلوب هو حل سياسي شامل، تغيير جذري شامل، اقتصادي-اجتماعي وسياسي، وأن مجرد إسقاط السلطة والمجيء بسلطة أخرى، لا يعني بالضرورة إسقاط النظام، ناهيك عن بناء نظام جديد.
تثبت الأحداث اليوم، أننا ما نزال في المعضلة نفسها من حيث الجوهر؛ فالمهمة ما تزال قائمة على جدول الأعمال الوطني السوري؛ مهمة التغيير الجذري الشامل المبني على التوافق بين السوريين... وهذه المهمة هي الجوهر، امتلاك الشعب السوري بأكمله لحقه في تقرير مصيره بنفسه، والطريق نحوها ما يزال مرسوماً في خارطة الطريق الموجودة في القرار 2254، ونقطة البدء هي المؤتمر الوطني العام الذي يلعب دور جمعية تأسيسية جديدة، على غرار ما جرى عام 1919، ينتج حكومة وحدة وطنية، ودستوراً دائماً، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة يقرر السوريون من يريدون، وماذا يريدون.
محاولات الاستقواء بجزء من السوريين على جزء آخر، ومحاولات الاتكاء على حلول جزئية ذات طابع أمني أو عسكري، يمكنها أن تفعل شيئاً واحداً هو إضعاف كل السوريين بكل أطرافهم، وتقوية التدخلات الخارجية، وفتح أبواب الجحيم على مصير البلاد وأهلها... الاستقواء يكون فعالاً بشكل إيجابي فقط، حين يستقوي السوريون ببعضهم البعض، سواء في وجه من يعاديهم من الخارج، أو في وجه المهمات الكبرى التي يحتاجون لحلها، في الاقتصاد والمعيشة والتعليم والطبابة والإسكان والبنى التحتية وغيرها الكثير...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240