النار تحت الرماد... علينا احتواؤها وإطفاؤها
هدأت الأمور نسبياً في محافظة السويداء، ولكنها لم تهدأ تماماً؛ ما يزال الوضع حربياً إلى حدٍّ بعيد، عدد كبير من القرى في الريف الشمالي والغربي للمحافظة ما يزال مفرغاً من سكانه، وتسيطر عليه قوى مسلحة، منها ما هو محسوب على أجهزة الدولة، ومنها ما هو محسوب على العشائر، والتقديرات تتحدث عن أكثر من 150 ألف نازح داخلي ضمن المحافظة.
عمليات التدمير والحرق ما تزال مستمرة في القرى المهجرة، واشتباكات متقطعة وقصف بقذائف هاون، ما تزال تجري من وقت إلى آخر، بالتوازي مع استمرار إغلاق الطريق التجاري الأساسي بين دمشق والسويداء.
المساعدات تصل بشكل منتظم تقريباً، ولكنها أقل من احتياجات المحافظة، وتتركز على الطحين والمازوت وبعض الأدوية، مع غياب شبه كامل لوصول الخضروات واللحوم والسلع الغذائية والضرورية الأخرى، والتي لا حل لتأمينها إلا إنهاء الحالة الحربية، وفتح الطريق للتبادل التجاري الطبيعي.
بما يتعلق بشمال سورية وشرقها، والعلاقة بين الحكومة في دمشق وبين قسد، ظهر مؤشر سلبي يوم السبت 2 آب، هو تجدد الاشتباكات في ريف منبج، وفي ريف دير الزور الشرقي. المرجح هو أن هذه الاشتباكات قابلة للاحتواء حتى الآن، لكن الرسالة الضمنية التي تحملها هي رسالة خطيرة تعبر عن حجم التوتر القائم، وفحواها هو أن الخيار العسكري لم يتم سحبه عن الطاولة بشكل نهائي، وهو قابل للاستخدام في حال فشلت المفاوضات؛ ما يعني أن السير السلمي للوصول إلى حلول وتفاهمات ما يزال متعثراً، ولم يتحول بعد إلى الخيار الوحيد في ذهنية وعقلية الأطراف المتناقضة، على المستوى المحلي والإقليمي.
التوترات المتنقلة بالمعنى الأمني تكاد تشمل كل مناطق البلاد، ورغم أنها لا تتمظهر بأحداث كبيرة، إلا أنها تعبر عن نفسها بحوادث قتل وخطف وسلب هنا أو هناك، وعلى خلفيات طائفية في بعض الأحيان، وعلى خلفيات انتقامية ولصوصية في معظم الأحيان.
الوضع الاقتصادي لا يشهد انفراجات حقيقية، رغم العدد الكبير من مذكرات التفاهم التي جرى توقيعها، ورغم الوعود الاستثمارية الضخمة التي لا يمكن لها أن تتحول إلى واقع قبل الوصول إلى استقرار سياسي حقيقي، وبالتالي أمني واجتماعي. ناهيك عن أن العقوبات الأمريكية لم يتم رفعها عملياً، بل ويجري التهديد بإعادتها كاملة وربما مشددة، كما يظهر من المسار «القانوني» ضمن الكونغرس الأمريكي المتعلق بقانون قيصر.
بعد زيارة موسكو... ستزيد شراسة «الإسرائيلي»
بالنسبة للعلاقات الخارجية، وبعد إيحاء أمريكي كاذب لم يصمد إلا أشهراً قليلة، بدعم الأوضاع الجديدة في سورية، تبين ما كان معروفاً من الأساس، وهو أن السعي الأمريكي/«الإسرائيلي» متركز على دفع الأمور في سورية نحو مزيد من الانفجارات، بغرض إضعاف كل الأطراف السورية، وتجهيز الأرضية لتحويل سورية ككل إلى صاعق تفجير إقليمي، عبر المسائل الطائفية والقومية خاصة. وموازنة الضغط الأمريكي بفتح الباب نحو علاقات مع روسيا على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، ما تزال في بداياتها، ومن غير المعروف إلى أي مدى يمكن أن تصل، وإلى أي مدى هي جدية بالفعل. ولكن بكل الأحوال، فإن المؤكد هو أن «الإسرائيلي» يقرأ التغير الجاري بشكل جدي، ويعتبره تهديداً للوضع «المريح» نسبياً بالنسبة له في سورية اليوم، أي الوضع الذي تكون فيه للأمريكي اليد العليا... ما يعني أن «الإسرائيلي» سيزداد شراسة ضمن المدى القريب، في محاولة لعرقلة تغيير التوازنات من جهة، وفي محاولة لاستغلال الموازين الحالية إلى الحد الأقصى من جهة أخرى، ما يعني أنه سيعمل على المزيد والمزيد من التفجير والقتل والاقتتال الداخلي...
بالنسبة لمسار العملية السياسية والإدارية الداخلي، وعملية الانتقال السياسي، فإن السائد ما يزال هو عقلية الاستئثار، وعدم الاستفادة من الكفاءات الهائلة الموجودة في صفوف السوريين، والاعتماد على الولاء السياسي معياراً أساسياً، بالتوازي مع مشاركة شكلية تحاول إبعاد الانخراط السياسي الجدي لمصلحة انخراط أهلي شكلي على أساس المكونات، وليس على أساس المواطنة المتساوية. وبالجوهر فإن عملية حوار وطني حقيقي واسع وشامل، لم تبدأ بعد، وينبغي أن تبدأ على وجه السرعة.
مؤشرات الطّمأنة التي يجري العمل عليها عبر توقيع مذكرات تفاهم اقتصادية مليارية، وعبر حركة دبلوماسية نشطة، لم تعد قادرة وحدها على تهدئة الخواطر وبعث الطمأنينة في قلوب الناس، بل وباتت تظهر بوصفها تغطية على عدم التقدم الجدي في حل المشاكل الجوهرية العالقة في الداخل، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
هذه الأوضاع الخطرة بمجملها، تستدعي نهوضاً وطنياً واسع النطاق، وعابراً للانتماءات ما قبل الوطنية، وعابراً للانتماءات الأيديولوجية من إسلامي ويساري وقومي، وباتجاه خطاب وطني جامع، وباتجاه حلول حقيقية قائمة على الحوار والمشاركة، وعلى تنفيذ فعلي لجوهر خارطة الطريق الموجودة في القرار 2254، والذي يتلخص بسيادة سورية ووحدتها وبحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه عبر الحوار والتوافق.
الأداة العملية لتحقيق ذلك، هي المؤتمر الوطني العام، الذي ينبغي التحضير له بشكل جدّي عبر لجنة تحضيرية وازنة قادرة على ضمان تمثيل واسع، وعلى الدفع نحو عقد المؤتمر في أسرع وقت، ليكون أساساً لإنتاج حكومة وحدة وطنية شاملة، ولإنتاج دستور دائم وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة.
المهدد اليوم ليس هذا الطرف السوري أو ذاك فحسب، ليس السلطة أو قوى الأمر الواقع المختلفة فقط، بل الشعب السوري كله، والدولة السورية كلها، وكل تأخير في الذهاب نحو الحوار والتوافق هو إضعاف لكل الأطراف على الإطلاق، وتقوية للأطراف الخارجية وتدخلاتها، وعلى رأسها «الصهيوني» الذي يستثمر إلى الحد الأقصى في كل ثغرة من الثغرات، وفي كل كلمة تحريض أو تجييش طائفي أو قومي، ويستثمر في كل انقسام، سياسياً كان أو اجتماعياً، وباتجاه تعميق الانقسامات والشروخ والجراح.
المهمة اليوم، هي إنقاذ البلاد ووحدتها وسلمها الأهلي، وينبغي التعامل معها بأعلى درجات المسؤولية والجدية، ومن جانب كل الوطنيين السوريين، بغض النظر عن اصطفافهم السياسي الحالي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1237