ما الذي تعنيه العلاقات السورية-الروسية اليوم؟

ما الذي تعنيه العلاقات السورية-الروسية اليوم؟

أثارت زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين، أسعد الشيباني، ومرهف أبو قصرة، لموسكو يوم الخميس 31 تموز الماضي، موجة من التحليلات والتعليقات التي حاولت فهم المغزى من الزيارة، وما الذي يمكن أن يترتب عليها، خاصة ضمن وضع سوري شديد الحساسية والصعوبة بعد ما جرى في السويداء، وقبلها في الساحل السوري وفي أماكن أخرى من البلاد، إضافة إلى الاعتداءات والتدخلات «الإسرائيلية» المتكررة، بالتوازي مع تفاوض مباشر وغير مباشر جرى ويجري مع الكيان في باكو وغيرها.

التصريحات التي أطلقها الجانبان السوري والروسي، تشير إلى قدرٍ ما، من التوافقات على المستويات السياسية والعسكرية/الأمنية والاقتصادية، من الصعب تحديد مستواها ومدى عمقها في الوقت الحالي، ولكن جملة من المؤشرات التي سبقت الزيارة ورافقتها، قد تسمح بتكوين انطباع حول مستوى تلك التوافقات.

بين المؤشرات التي سبقت الزيارة، اتصالان هاتفيان؛ الأول: بين أردوغان وبوتين يوم 18 تموز. الثاني: بين نتنياهو وبوتين يوم 28 تموز، وكلاهما ركزا على الوضع في سورية، وفقاً للمصادر الرسمية التي تحدثت عن الاتصالين.

بين المؤشرات الواضحة أيضاً، أن الزيارة تضمنت لقاءات على المستوى السياسي/الدبلوماسي، على مستوى الخارجيتين، ولكنها تضمنت أيضاً لقاءً منفصلاً على المستوى العسكري بين وزير الدفاع السوري ووزير الدفاع الروسي، إضافة إلى جملة التصريحات التي صدرت عن الجانبين السوري والروسي، والتي تشير إلى تفاهمات ذات طابع سياسي وأمني، مع فتح الباب لتفاهمات اقتصادية لاحقة.

ضمن البروتوكول الدبلوماسي، برزت أيضاً إشارة مهمة هي لقاء بوتين مع الشيباني؛ عادةً، فإن أي لقاء بين وزيري خارجية، يتم التحضير له مسبقاً، ولا يكون اللقاء بحد ذاته مساحة للتفاوض والنقاش، بقدر ما يكون تصديراً لتوافقات تم الوصول إليها مسبقاً مع وضع رتوش نهائية على تلك التوافقات. ولكن بكل الأحوال، فإن لقاء وزير خارجية برئيس دولة بعد لقاء وزير الخارجية، عادةً ما يكون مؤشراً إضافياً للتأكيد على أن هنالك درجة جيدة من الاتفاق قد تم الوصول إليها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإشارات البروتوكولية هذه ليست دليلاً أكيداً على الوصول إلى اتفاقات مهمة، ولكنها مؤشر بهذا الاتجاه.

السّياق الأوسع

السّياق الأهم الذي يمكن أن يفتح الباب لفهم الزيارة وما يمكن أن يترتب عليها، هو ما جرى ويجري في سورية، ليس فقط خلال الأسبوعين الماضيين في السويداء، بل خلال الأشهر الثمانية الماضية منذ فرار بشار الأسد وحتى الآن.

إذا حاولنا قراءة لوحة التأثير والتدخل الإقليمي والدولي في سورية خلال الأشهر الثمانية الماضية، فإننا سنرى أمامنا القوى التالية: الولايات المتحدة الأمريكية، «إسرائيل»، تركيا، إضافة إلى دور جزئي ومراقبٍ ومتأنٍ، تقوم به السعودية على المستوى الاقتصادي خاصة.

بكلامٍ آخر، يمكن القول: إن ثلاث قوى دولية-إقليمية، هي التي تسيطر على لوحة التدخل في سورية خلال الأشهر الثمانية الماضية، هي الولايات المتحدة الأمريكية، و«إسرائيل» وتركيا.

وإذا كانت هذه هي اللوحة العامة للقوى المتدخلة، فإن المشهد السوري الملموس منذ سقوط الأسد حتى اليوم، هو مشهد خطير ومتعثر بشدة، برزت ضمنه الأحداث الأساسية التالية:

  • مجازر الساحل ولجنة التحقيق التي شُكلت للتحقيق فيها دون نشر التقرير بعد، ومع محاولة تخفيض رتبة الحدث من سياسي إلى جنائي وإلى «حالات فردية».
  • التوترات والاقتتال الذي جرى في أشرفية صحنايا وصحنايا وجرمانا وأماكن أخرى.
  • الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي دويلعة في دمشق.
  • أحداث السويداء وما رافقها من قتل وسلب ونهب وتحريض طائفي واستدعاء للتدخلات الخارجية وخاصة «الإسرائيلية».
  • جملة واسعة من الاعتداءات «الإسرائيلية» والتوغلات البرية، بدءاً من يوم السقوط وحتى اليوم، خلفت دماراً هائلاً في مخزونات السلاح الاستراتيجية في سورية، وحولت مهمة إنشاء جيش وطني قادر على حماية البلاد إلى مهمة شديدة الصعوبة.
  • اتفاق 10 آذار بين الحكومة في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، الذي سمح بقدر ما من الاستقرار على أحد المتاريس الداخلية ضمن البلاد، دون أن يتمكن حتى اللحظة من نزع هذا المتراس وحل مشكلة تقسيم الأمر الواقع بشكل جذري يقوم على الحوار وعلى المشاركة الشاملة للسوريين.
  • الأمريكي يدّعي أنه رفع العقوبات عن سورية، ولكنه لم يرفعها عملياً، بل وما يزال يلوح بإعادتها بشكل أشد وأقسى، وبدأ فعلياً في المسار القانوني لإعادتها.
  • جملة من الإجراءات السياسية الفوقية، بدءاً من مؤتمر النصر ومروراً بالإعلان الدستوري ومؤتمر الحوار الوطني و«انتخابات/تعيين» مجلس الشعب الذي ما يزال قيد الإنجاز... السمة الأساسية لهذه الإجراءات هي أنها تصب في تكريس شكل من أشكال الاستئثار في قيادة البلاد، مع قدر ما من المشاركة الشكلية، في تكرار لعقلية الحزب القائد.

هذه الأحداث بمجملها، فاقمت من حجم المخاطر التي تعيشها البلاد، وخاصة مع ارتفاع مستوى التحريض الطائفي والقومي والديني خلال الأسابيع الأخيرة، إلى مستوىً غير مسبوق ربما في التاريخ السوري كله، إضافة إلى أن الحلول ذات الطابع الأمني البحت، وفي ظل حجم الهشاشة التي تعيشها البلاد، لم يعد مدخلاً نحو مزيد من الهشاشة فحسب، بل وبات مدخلاً نحو مزيد من التدخلات الخارجية ومن مخاطر التقسيم.

الخلفية الدولية الإقليمية التي جرت ضمنها هذه الأحداث، هي خلفية سيطرة الأمريكي ومعه «الإسرائيلي» على المشهد العام في البلاد، مع محاولات من التركي لموازنة القوى معهما، والطبيعي، هو أن هذا التوازن غير موجود موضوعياً، لأن الأمريكي و«الإسرائيلي» هما طرف واحد في نهاية المطاف بما يخص المسألة السورية، وبما يخص أي مسألة متعلقة بمنطقتنا.

وإذاً، فإن سيطرة، أو غلبةً، أمريكية-«إسرائيلية»، على المشهد في سورية، لن تؤدي إلا إلى النتائج التي نراها حتى الآن؛ فالأمريكي و«الإسرائيلي» ما يزالان يعملان على مشروع واضح هو «الشرق الأوسط الجديد» الذي يعني تفتيتاً وإنهاءً ليس لسورية فقط، بل ولكامل الإقليم، والمستهدفان المباشران في هذا التفتيت انطلاقاً من سورية، هما تركيا ومصر (إنهاء إيران بات أصعب بعد حرب الـ12 يوماً وفشلها في تحقيق أهدافها، والسعودية أقل انخراطاً في أوحال الحروب في المنطقة بعد التسوية التي عقدتها مع إيران وإنهائها للحرب على اليمن).

النتيجة؟

ما يمكن توقعه بشكل مباشر من تصعيد التوترات داخل سورية، هو أنه يستهدف ضمناً تركيا، ويستهدفها خاصة عبر محاولة تفجير مبادرة أوجلان عبر خلق وضع متفجر في سورية، يقوي التيارات الرافضة للتسوية التاريخية، سواء ضمن حزب العمال الكردستاني أو ضمن جهاز الدولة التركي.

بهذا المعنى، فإن دخول الروسي مجدداً إلى اللوحة السياسية، يصبح عنصراً ضرورياً من وجهة نظر موازنة التدخلات الخارجية، وتأريض مشروع التفتيت الشامل، وهو بهذا المعنى دخول إيجابي إن تم فعلاً.

مع ذلك، فإنه لن يشكل حلاً ولا مخرجاً من الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد، ما لم يترافق مع سير حقيقي وسريع نحو توحيد السوريين داخلياً؛ أي نحو مؤتمر وطني عام يضع الأساس لحكومة وحدة وطنية جامعة، ولدستور دائم ولانتخابات حرة ونزيهة... أي من حيث الجوهر، تنفيذ خارطة طريق القرار 2254، التي ما تزال صالحة حتى الآن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237
آخر تعديل على الأحد, 03 آب/أغسطس 2025 22:25