في ملف الاعتقال

في ملف الاعتقال

كانت السلطة البائدة تملأ السجون بكل من عارضها، وبغض النظر عن شكل هذه المعارضة، حتى تحوّلت السجون في سورية إلى نقطة تجمعٍ لمئات الآلاف من السوريين، حتى أصبح ملف المعتقلين واحداً من الملفات الأساسية، وكانت المطالبات لا تنقطع لإطلاق سراحهم. لكن سلطة بشار الأسد كانت تتعامل مع هؤلاء وعائلاتهم على أنّهم موضوع للابتزاز، ولم تكن هناك نيّة حقيقية لعلاج هذه المشكلة، تماماً مثل ما لم تكن هناك أي نيّة للبدء بحل سياسي حقيقي.
في 8 كانون الأول فتحت أبواب السجون وخرج الآلاف من أقبية فروع الأمن ومن سجن صيدنايا وغيره، وبدا للوهلة الأولى كما لو أن المشكلة قد حلّت بعد أن التم الشمل أخيراً، لكن ظهرت أمامنا مشكلات جديدة، وهي أن المعتقلين، الذين حالفهم الحظ بالبقاء على قيد الحياة، خرجوا ليجدوا أنفسهم بلا عمل، وهم بحاجة إلى رعاية صحية ونفسية، وانضمت غالبيتهم إلى جيش العاطلين عن العمل في سورية، ليظهر مرة جديدة أن المشاكل في سورية شديدة الترابط، وإن كان بالإمكان حل بعضها جزئياً يظل من الواضح أن إنجاز المطلوب يحتاج العمل على القضايا كلها بشكلٍ متوازٍ.
المشكلة الثانية، أو المأساة الكبرى الثانية، التي ظهرت مع فتح السجون، هي مأساة المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم بعد، ولم يتم الحصول على وثائق وسجلات تسمح بمعرفة هل هم على قيد الحياة أم أنهم استشهدوا، وإذا كانوا قد استشهدوا فأين هي جثامينهم...
هذه المأساة المستمرة، هي ألمٌ متواصل يعتصر قلوب عشرات الآلاف، وربما أكثر، من الأمهات السوريات، اللواتي ما يزال الحزن يجثم على صدورهن ويقض مضاجعهن. وربما من المحق القول: إنّ هذا النوع من الألم بالتحديد، هو ألم لا علاج له؛ فلا يعوض الأم عن ابنها أي شيء في هذا العالم... ولكن مع ذلك، فإن هذا الألم يمكن تخفيفه وتسكينه، عبر استمرار العمل على البحث عن نهاية واضحة للقصص الفردية كلها، وعبر العمل على ملفات العدالة بشكلٍ مدروسٍ يهدف إلى تنظيف الجراح، وصولاً لإغلاقها، وليس عبر تعميق الجراح وتلويثها.
وربما أهم من ذلك كله، أن تشعر الأمهات بأن دماء أولادهن لم تذهب هباءً، بل كانت الأساس في بناء بلادٍ عزيزة كريمة قوية يسودها الحب والوئام والسلام والتعاون بين أهلها؛ فالمرأة السورية، كانت وما تزال، معادية للقتل والاقتتال، وجانحةً إلى السلم والتفاهم والتعقل والحكمة، لأنها هي بالذات، وخلافاً لقسم كبير من الرجال، تعلم أكثر من غيرها أيّ لوعةٍ وأيّ عذابٍ يخلّفه فَقْد الأحبة... أهم ما يمكن أن نقدمه كسوريين لأمهات الشهداء والمعتقلين المفقودين المغيبين، هو أن نحفظ السلم الأهلي، وأن نُعيد بناء البلاد حرةً عزيزة كريمة موحدة، كما اشتهاها أبناؤهن وبذلوا من أجلها أقصى ما يمكن أن يبذله إنسان: روحه!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1213