افتتاحية قاسيون 1177: الوعود الغربية... طريق جهنم!

افتتاحية قاسيون 1177: الوعود الغربية... طريق جهنم!

ما يزال مشروع «خطوة مقابل خطوة» الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، وتشغّل الأوروبيين وبعض العرب كواجهة له، كلمةَ السر الأساسية التي تسمح بتفسير تفاصيل عديدة مما يجري في الملف السوري على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

جوهر المشروع كما أشرنا في مرات عديدة سابقة، هو عقد صفقة من تحت وفوق الطاولة مع الغرب، وبناءً على وعوده، بغرض نسف الحل السياسي القائم على 2254 من جهة، ومن الجهة الأخرى نقل سورية من تموضعها السياسي التاريخي إلى الضفة المقابلة، مع وعود بإنهاء العقوبات والحصار وترتيبات أخرى متعددة الجوانب بينها الأحاديث عن التعافي المبكر واللامركزية والبيئة الآمنة والمحايدة وإلخ.

مع ذلك، فإنّ دراسة سلوك أطراف الصفقة المفترضة، يدفع إلى التفكير بأنّ نقطة الالتقاء الفعلية ليست الصفقة بذاتها، بقدر ما هي الاتفاق الضمني على تقطيع الوقت وتكريس الأمر الواقع القائم، إلى حين يخلق الله ما لا تعلمون!

يضعنا هذا التقدير أمام احتمالين نظريين؛
الأول: هو أنّ هنالك تعويلاً فعلياً على وعود الغرب.
الثاني: أنّ هنالك محاولة لإطالة عملية التوازن فوق حبالٍ متعددة.

بالنسبة للاحتمال الأول، فإنّ ما ينبغي أن يكون واضحاً ومفهوماً، بحكم الأمر الواقع المعاش من جهة، وبحكم التجربة التاريخية الطويلة مع الغرب من جهة أخرى، هو أنّ وعود الغرب هي وعود كاذبة لن تتحقق. هذا الرأي بات واسع الانتشار على المستوى الشعبي والرسمي العالمي، بما في ذلك بين دول ثلاثي أستانا المتصلة مباشرة بالشأن السوري، والتي كان كلام المرشد الإيراني آخر ما حرر ضمنها في هذا السياق، بقوله: «الآن هم [الغرب] يخططون لمحاولة إخراج سورية من المعادلات الإقليمية بوسائل أخرى، بما في ذلك الوعود التي لن يحققوها أبداً».

أبعد وأعمق من ذلك، وبدراسة سلوك واشنطن تجاه من يفترض أنهم حلفاؤها، في أوروبا وفي الخليج العربي وتركيا وأماكن أخرى متعددة من العالم، فإنّ النتيجة المشتركة خلال عدة عقود متتالية، هي أنّه لم يعد لدى واشنطن ما تقدمه لـ«حلفائها»- ناهيك عن خصومها وأعدائها- سوى العقوبات والابتزاز والتهديدات؛ أي أنّ أي طرف جمعته علاقة قوية بواشنطن خلال العقود السابقة، لم يحصل منها على أي تنمية فعلية أو فوائد حقيقية، اللهم إلا اتقاء أذاها، وبشكلٍ جزئيٍ دائماً، لأنّ الأذى كان يصل في كل الأحوال... وهذا شأن القوى المتراجعة عالمياً، والتي تفقد أي قدرة على بناء مشاريع كبرى فعلية، ويصبح همّها هو تدمير مشاريع الآخرين.

بالنسبة للاحتمال الثاني المتمركز حول «تضييع الوقت» و«الانتظار»، وانطلاقاً من التجربة السورية؛ فربما كانت هذه السياسة صحيحة إلى هذا الحد أو ذاك قبل عقود، في ظل صراع دولي أقل حدة واتساعاً من الوضع الراهن، وأخذاً بالاعتبار أنّ سورية نفسها لم تكن ساحة مباشرة للصراع والحرب والدم والموت.

استنساخ السياسة السابقة اليوم ليس مجرد لعبٍ على حافة الوطن، بل ودفع لهذا الوطن باتجاه الخراب والتهلكة والدمار الشامل.

بالمحصلة، فإنّ سياسة العصا والجزرة الغربية، والأمريكية خاصة، ربما تكون هي الهدف الاستراتيجي نفسه، وليست مجرد أداة للوصول إلى غاية نهائية مختلفة؛ فالفوضى الشاملة الهجينة المطلوب تعميمها وتعميقها في مجمل منطقتنا، وسورية ضمناً، هي الوصفة الأساسية المتبقية في جعبة الأمريكان.

لذلك كلّه، فإنّ القطع نهائياً مع الوعود الغربية، وتوفير إرادة سياسية وطنية حقيقية للذهاب باتجاه الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254، هما المخرج الوحيد من الكارثة، وهما الأداة الوحيدة في استعادة وحدة سورية والشعب السوري، وإنهاء الوجود الأجنبي على أراضيه...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1177
آخر تعديل على الأحد, 02 حزيران/يونيو 2024 18:58