افتتاحية قاسيون 1175: حاصر حصارك لا مفر من 2254!

افتتاحية قاسيون 1175: حاصر حصارك لا مفر من 2254!

يزداد الوضع السوري مأساوية مع كل يومٍ إضافي يمر دون البدء بالحل السياسي الحقيقي على أساس القرار 2254.

ازدياد الوضع السوري سوءاً لا يقتصر على أحوال عموم السوريين المتدهورة بشكلٍ متسارعٍ على كل الصعد، ولا يقف عند تراجع وزن سورية ودورها على المستوى الإقليمي، بل ويشمل أيضاً تراجع أوزان المتشددين من الأطراف السورية وقدرتهم على التأثير على المستوى الداخلي والخارجي على حدٍ سواء... تراجع يصل حدود الهوان؛ وهذه نتيجة طبيعية لربط البلاد وأهلها ومصيرها بالمصالح الضيقة المستندة إلى جملة الأوهام والمشاريع التي يقدمها الغرب، ولا تعدو في حقيقتها أن تكون وهماً وقبضاً للريح وظيفته الأساسية هي إطالة الأزمة إلى أقصى حدٍ ووقت ممكنين.

مشروع «خطوة مقابل خطوة»، وما يشابهه من مشاريع، بما في ذلك الحديث عن «التعافي المبكر» و«البيئة الآمنة والمحايدة»، كلّها تدخل في البازار نفسه؛ بازار إضاعة الوقت الهادفة إلى مزيد من إضعاف سورية والسوريين بكل أطرافهم، وصولاً إلى حالة تحلل وانهيار عام.

الجديد في المسألة، خلال السنة الماضية خاصة، هو أنّ هوامش لعب المتشددين تزداد ضيقاً. وبين العوامل الأساسية التي تسبب ذلك، ما يلي:

أولاً: إطلاق الوعود بشكلٍ مستمر، ولجهات مختلفة ومتناقضة، وعدم الإيفاء بها، يؤدي موضوعياً إلى تخفيض هوامش المناورة بين الأطراف المتناقضة.

ثانياً: يتضح مع الوقت، أنّ الوعود الغربية من فوق الطاولة ومن تحتها، هي مجرد وعود دون أي ضمانات، بل وأكثر من ذلك، فإنها وعود مشروطة بقدرٍ من التنازلات (لها طبعاً وليس للشعب السوري)، غير قابلٍ للعودة عنه، إلى ذلك الحد أنّ من يقدم تلك التنازلات سيفقد أي مبرر واقعي للاستمرار حتى بالنسبة للغرب نفسه.

ثالثاً: كل دسائس الغرب ومخططاته تجاه سورية، بما في ذلك عقوباته وحصاره، تصب مصباً واحداً هو تعميق الأزمة وصولاً لتدمير البلاد وأهلها وأطرافها السياسية على حدٍ سواء، والضعف المزمن وانخفاض التأثير الواضح لجميع هذه الأطراف هو مؤشرٌ عمليٌ على ذلك.

رابعاً: التراجع العام في الوزن الغربي، وخاصة الأمريكي و«الإسرائيلي»، في مجمل منطقتنا، ينسحب أيضاً على سورية نفسها، وخاصة مع تعمق الانقسام الغربي وتعمق المشكلات الداخلية في الغرب والتي لا يختلف مراقبان موضوعيان على أنّ مصيرها هو المزيد من التراكم والتعقد.

إنّ عودة البيان الختامي للقمة العربية الأخيرة للتأكيد على 2254 بعد أن غاب عن بيان القمة السابقة، ليس أمراً تصادفياً؛ فهو يعبر في وقت واحد عن انسداد آفاق الوصفات الوهمية التي يقدمها الغرب من خارج 2254 من جهة، وتعبير عن تطور في اصطفاف الدول الأكثر تأثيراً ضمن العالم العربي بما لا يتفق مع «الناتو العربي» و«اتفاقات أبراهام»...

بالنسبة للقوى الوطنية السورية، وبغض النظر عن اصطفافها الشكلي الراهن، فإنّ المؤكد أنّ عليها التعامل مع العقوبات والحصار الغربي بوصفهما معطىً ثابتاً سيستمر لسنوات عديدة قادمة، وعليها تالياً أن تعمل بعقلية «حاصر حصارك»؛ وذلك عبر الانطلاق نحو الحل السياسي الحقيقي على أساس القرار 2254، وبالتعاون مع القوى الدولية والإقليمية صاحبة المصلحة في استقرار سورية، وعلى رأسها ثلاثي أستانا والصين ودول عربية أساسية...

بالمحصلة، فإنّ المخرج الوحيد هو تنفيذ القرار 2254، ليس ذلك فحسب؛ بل وإنّ كل القوى التي تعيق تنفيذه، بأشكال علنية أو عبر ألعاب من تحت الطاولة، تحصد نتيجة واحدة هي المزيد من الانكفاء والضعف والتراجع.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الأحد, 19 أيار 2024 18:59