افتتاحية قاسيون 1164: الدستورية في دمشق ضروري سياسياً، ممكن عملياً
أظهرت الإحاطة الأخيرة التي قدمها المبعوث الدولي الخاص لسورية، غير بيدرسن، يوم 27 شباط الماضي، أمام مجلس الأمن، أنّ «معضلة» مكان عقد اجتماعات اللجنة الدستورية ما تزال قائمة، وذلك على الرغم من توجيهه في نهاية المطاف دعوة رسمية لعقد جولة تاسعة نهاية نيسان في جنيف، والتي ليس واضحاً بعد ما إذا كانت ستعقد فعلاً أم لا.
الجديد في هذه الإحاطة، وفيما سبقها من عمليات بحث مكوكي عن مكانٍ ما متفقٍ عليه لعقد اجتماعات اللجنة، بما في ذلك نيروبي! هو أنّ عملية تقاذف مكان انعقاد اللجنة الدستورية بين جنيف ونيروبي وعدد من العواصم الإقليمية، إنما تصب في نهاية المطاف في محاولة دفن تلك اللجنة نهائياً، ومعها دفن العملية السياسية والقرار 2254، وبما يتوافق بالمحصلة مع مشروع «خطوة مقابل خطوة» الأمريكي الذي يتلخص جوهره في الوصول إلى اتفاقات من تحت الطاولة وثم من فوقها ضمن التوجه المسمى «تغيير سلوك النظام»، بما يسمح بتمديد الأزمة وتعميقها وتكريس تقسيم الأمر الواقع كجزء من أدوات الفوضى الشاملة الهجينة في المنطقة ككل.
كلّ هذه المحاولات، ومعها اتضاح السعي الأمريكي والغربي إلى دفن 2254، ودفن المعارضة كجزء من هذه العملية، تجعل من نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق، الحل الموضوعي الوحيد لمعضلتها، وهو الحل الممكن عملياً عبر تأمين الضمانات اللازمة وخاصة عبر أستانا وبإشراف الأمم المتحدة، والضروري سياسياً بوصفه الخطوة الأولى باتجاه التفاوض المباشر الحقيقي لتنفيذ 2254.
إنّ توفير الضمانات اللازمة لعقد الاجتماعات في دمشق هو أمر ممكن وقابل للتطبيق بالاستناد إلى القوى ذات المصلحة المباشرة في إنهاء الأزمة السورية، وعلى رأس هذه القوى ثلاثي أستانا، ومعه الصين ودول عربية أساسية.
كذلك، فإنّ نقل أعمال اللجنة إلى دمشق ضروري سياسياً لأنّ الحل السياسي سيطبق في نهاية المطاف على الأرض السورية، وضمناً كتابة الدستور السوري الجديد الذي لا يجوز أن يكتب خارج سورية.
كما أنه ضروري لأنه الاختبار الفعلي الملموس للاعتراف المتبادل بين أطراف الصراع، ولإقرارهم الفعلي لا اللفظي بأنّ المخرج الوحيد هو الحل السياسي عبر تنفيذ 2254، وليس عبر «الحسم» أو «الإسقاط»؛ فجوهر الحل السياسي كان وما يزال هو تمكين الشعب السوري من حقه في تقرير مصيره بنفسه، والمدخل إلى ذلك هو جسم حكم انتقالي يتفق عليه كلٌّ من النظام والمعارضة ودستور وانتخابات، كما ينص القرار 2254 الذي يقر به الطرفان، لفظياً حتى الآن.
انتقال اللجنة إلى دمشق، يعني تمكينها من العمل ضمن حالة انعقاد مستمر حتى إنهاء مهمتها، الأمر الذي يمكن أن يستغرق شهراً واحداً في حال توفرت الإرادة الوطنية والسياسية لذلك.
وانتقالها إلى دمشق يعني انتقالاً جدياً باتجاه البدء الفعلي بالحل وبالتفاوض المباشر على كل تفاصيل 2254.
يبقى أن نقول إنّ واحداً من أهم أدوات نجاح اللجنة في تأدية دورها ضمن الحل السياسي، هو أن تكون أعمالها علنيةً، لكي يعرف السوريون ما يقوله من يفترض بهم أن يكتبوا دستوراً لسورية، ولكي يتبيّنوا مدى جدية مختلف الأطراف والأفراد في البحث عن مخرج من الأزمة وليس في البحث عن مصالح ضيقة... هذا الاقتراح الذي تقدمت به منصة موسكو منذ اليوم الأول في الجلسة الأولى للجنة، وما تزال تراه صالحاً، وتراه حقاً للشعب السوري، وتنتظر التجاوب معه من كل مكونات اللجنة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1164